الإمارات وكوريا.. مسارات متقدمة في التنمية والنهضة

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت دولة الإمارات وكوريا الجنوبية خلال العقد الماضي تقارباً كبيراً نتيجة حرص قيادتي البلدين على دعم وتطوير زخم العلاقات والشراكات بينهما في شتى المجالات، وتتمثل القواسم المشتركة بين الشعبين الصديقين في التنوع الثقافي في البلدين والاعتزاز بالتقاليد والتراث القديم، واحترام الآخر.

 

تتشابه تجربة الشعب الكوري في التنمية الحضارية مع تجربة دولة الإمارات في التنمية والحضارة ونهضة البلدين، في مشهد كان الرئيس الكوري مون جاي إن، عبر عنه لدى زيارته الأخيرة للإمارات حين وصف نهضة الإمارات بمعجزة «الصحراء» ونهضة كوريا الجنوبية بمعجزة نهر «الهان».

وظل المجتمع الكوري منذ فترة طويلة مجتمعاً متجانساً ثقافياً، ولكن مع بدء دخول العمال المهاجرين والطلاب الأجانب والسياح منذ نهاية القرن العشرين وحتى الآن، ظهرت في الجمهورية الكورية ثقافات ومعتقدات عديدة، لي جونهو مدير المركز الثقافي الكوري في أبوظبي يلفت إلى مبادرة عام التسامح في الإمارات وإلى أنها مبادرة ملهمة يجب التركيز عليها خاصة في مثل هذه الأوقات التي يشهد العالم فيه العديد من الصراعات والنزاعات، مؤكداً أن مبادرة التسامح الإماراتية كانت ملهمة للشعب الكوري الذي أصبح متعدد الثقافات ويحتاج إلى مثل هذه القيم التي تخدم السلام والتعايش والإخاء الإنساني ليس فقط في دولة الإمارات بل على مستوى العالم.

وبحسب لي جونهو يوجد في كوريا الجنوبية حالياً وفق أحدث التقديرات حوالي 150 ألف مسلم، منهم 40 ألف مسلم من الكوريين الأصليين، ولدينا 19 مسجداً في مختلف المدن الكورية وجميعها تقام فيها الصلاة والعبادات الإسلامية وتتزايد أعداد المصلين في المساجد طوال شهر رمضان.

يشار إلى أن المسجد الرئيسي والمركز الإسلامي في العاصمة سيئول الذي شُيد عام 1976، من أكبر المساجد في البلاد وقد ساهمت الإمارات والمملكة العربية السعودية والكويت وليبيا بالدعم المالي وقدمت حكومة كوريا الجنوبية قطعة الأرض كهدية للمسلمين. وأشار لي جونهو إلى أن الحكومة الكورية لديها قانون حرية الأديان فكل إنسان له مطلق الحرية في اعتقاده واختيار دينه وممارسة شعائره بحرية تامة، ولذلك لا توجد لدينا أيه مشكلات في هذا الجانب. كما أكد مدير المركز الثقافي الكوري في أبوظبي أن الإمارات تحتضن حوالي 13 ألف مواطن كوري يعملون في مختلف القطاعات الهندسية والتكنولوجية والصناعات المختلفة منهم 3 آلاف يعملون في موقع براكة للطاقة النووية السلمية، وجميعهم يعتزون بالثقافة العربية الإماراتية ويمارسون طقوسهم الدينية في الكنائس المنتشرة على مستوى الدولة بحرية كاملة.

 

فعاليات

وأوضح أن المركز منذ تأسيسه يحرص على مشاركة الإماراتيين خلال شهر رمضان فيقوم بدعم فعاليات رمضانية ينظمها بعض الشباب المواطنين داخل المركز، حيث تقام محاضرات مشتركة لتعريف الكوريين بطقوس وعادات رمضان وعباداته في الدولة وفي المقابل يشرح الكوريون عاداتهم وثقافتهم وفنونهم للطلاب الإماراتيين وعند أذان المغرب يقوم الجميع بتناول الإفطار وتضم المائدة في العادة الأطباق الإماراتية الشهيرة وبعض الأطعمة الكورية.

وأشار إلى أن المسلمين الكوريين خلال شهر رمضان يعتمدون على الأطعمة الكورية التقليدية بينما يفضل المسلمون المقيمون في كوريا بعض الأكلات التقليدية الخاصة بهم، مشيراً إلى أن المطبخ الكوري يعتمد على الأرز المطهو بالبخار والخضراوات واللحوم بشكل أساسي وتعرف الوجبات الكورية التقليدية بعدد من الأطباق الجانبية «البانتشان»، ومن بين هذه الأطباق الجانبية «الكيمتشي» والذي غالباً ما يقدم مع كل وجبة وهو عبارة عن الملفوف المخلل بالبهارات الحارة، إلى جانب وجبة «بلقوجي» وهي عبارة عن اللحم المتبل و«بيبنبوج» خليط الأرز مع الخضراوات مع الصلصة الحارة، ومن المكونات التي يشاع استخدامها في المطبخ الكوري زيت السمسم، ومعجون الفاصولياء المخمر «دوينجانج»، وصلصة الصويا والثوم ورقائق الفلفل ومعجون الفلفل الأحمر المخمر «كوتشوجانج» وتختلف الأطباق والمكونات من منطقة إلى أخرى.

ويقوم اتحاد المسلمين في كوريا الجنوبية الذي تأسس قبل 56 عاماً في عام 1963 بتوزيع مواقيت الإمساك والإفطار على المسلمين في كوريا كما يتولى إعلان رؤية الهلال كما يتم الإعلان عن فتح المساجد لأداء صلاة التراويح، والأداء الجماعي للأدعية والأذكار وإقامة الأمسيات الإسلامية للتعريف بتعاليم الإسلام ونشرها بصورة صحيحة، كما يقدم المركز الإسلامي في كوريا برامج خاصة في شهر رمضان مثل تقديم إفطار مجاني يومي للمصلين، وإقامة صلاة التراويح يومياً، ويوجد في كوريا العديد من المحلات العربية التي تتفنن في بيع ما تعود عليه المسلمون في بلادهم من مواد غذائية ومقبلات وحلويات وكل ما له صلة بالعادات والتقاليد في شهر رمضان.

تعزيز الصداقة

من جانبها، قالت ميساء الوهيبي مسؤولة الاتصال في المركز الثقافي الكوري والتي تتحدث اللغة الكورية بطلاقة، إن المركز يقوم بدور كبير في تعزيز علاقة الصداقة بين دولة الإمارات وكوريا الجنوبية من خلال تقديم دروس ثقافية ولغوية وبرامج تعليمية وفعاليات ومعارض فنية وطبية.

وقد افتتح المركز الذي يتبع وزارة الثقافة والرياضة والسياحة الكورية وتشرف عليه السفارة الكورية في الدولة في شهر مارس عام 2016 ويعد المركز الـ19 خارج كوريا والأول في منطقة الخليج العربي، وتم تصميمه ليأخذ شكل المنزل التقليدي الكوري «هانوك». وأضافت الوهيبي: إن مهمة المركز الثقافي الكوري تنصب حول تقديم الثقافة الكورية لمجتمع دولة الإمارات بكل ما تحمل من عراقة وتقاليد وثقافة ولتحقيق هذا الهدف يتم تقديم العديد من البرامج والدروس الممتعة في المركز، حيث تقدم دروس اللغة الكورية ودروس الباتشوورك «فن الترقيع الكوري» ودروس الخط الكوري والتايكوندو ودروس المطبخ الكوري ومعرض الأطعمة الحلال وورش الورق التقليدي.

وأضافت أنه مع تطور العلاقات الإماراتية الكورية بصورة كبيرة بدأ اهتمام الإماراتيين خاصة الشباب والطلاب يتزايد بصورة ملحوظة للتعرف إلى اللغة والحضارة والثقافة الكورية، ولدينا تقريباً دورة نصف سنوية ينضم إليها نحو 150 طالباً من مختلف الجنسيات أكثر من 50% منهم من الإماراتيين.

 

يبلغ عدد سكان كوريا الجنوبية نحو 50 مليون نسمة، فيما عدد السكان الأجانب الذين بلغ عددهم في عام 2014 نحو 1.6 مليون نسمة، لتصبح كوريا بذلك مجتمعاً متعدد الثقافات. ودخل الإسلام كوريا الجنوبية في وقت متأخر لا يزيد على 70 عاماً تقريباً أثناء الحرب الكورية الأخيرة بعد سنة 1950.

 

نمو العلاقات

بدأت العلاقات الثنائية بين الإمارات وكوريا الجنوبية منذ ما يزيد على 38 عاماً في عام 1980، وشهدت هذه العلاقات نمواً كبيراً منذ عام 2009 بعد أن تم توقيع الشراكة النووية وتولي شركة «كيبكو» للطاقة الكهربائية الكورية تطوير برنامج الإمارات السلمي النووي، حيث شكل البلدان «شراكة استراتيجية»، أما خلال الأعوام الأخيرة، فقد شهدت علاقات التعاون الثنائية توسّعاً في جميع المجالات كالتعاون الأمني، الصحة والعلاج الطبي، الرياضة، التعليم، الثقافة، وتزايد مجالات التعاون في السياسة والاقتصاد والطاقة.

 

عوامل جاذبة

تشكل السياحة عامل جذب أساسياً للسياح الذين يقصدون كوريا من دولة الإمارات، وخلال العام 2018، زار كوريا ما مجموعه 11.427 ألف سائح إماراتي، بقصد الترفيه والسياحة، وتتضمن أبرز التسهيلات الكورية لمواطني الإمارات دخول البلاد من دون تأشيرة، والإقامة لمدة 90 يوماً، كما تتميز كوريا بعوامل سياحية مرفهة ذات جذب للسياح من الإمارات، وفي المقابل يزور السياح الكوريون دولة الإمارات سنوياً بأعداد كبيرة تقدر بنحو 200 ألف سائح كوري. ويتم سنوياً إقامة «معرض كوريا للسياحة العلاجية» و«مهرجان كوريا للسعادة» في الإمارات، ويشكل واحة تعكس غنى الثقافة الكورية.

سياحة علاجية

برز اسم كوريا الجنوبية في السنوات الأخيرة كإحدى أهم الوجهات السياحية الطبية في منطقة الشرق الأوسط، وبلغ عدد المرضى الإماراتيين الذين تلقوا الرعاية الصحية في المستشفيات الكورية نحو 3.384 خلال عام 2017، وأبرز العلاجات التي يقصدها المرضى من الإمارات هي الأورام الخبيثة، جراحة القلب للأطفال وجراحة العمود الفقري، يشار إلى أن هناك أكثر من 3 رحلات جوية مباشرة يومياً من الإمارات إلى كوريا الجنوبية تابعة لطيران الإمارات والاتحاد والطيران الكوري، إضافة على رحلات أخرى ترانزيت.

Email