عمر الخيَّام.. شاعر الحكمة وعالم النجوم والمجرات

عمر الخيام

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحفل تاريخنا العريق بأعلام بارزين أسهموا في بناء صرح الحضارة الإسلامية، وكانوا وما زالوا نجوماً مشرقة في سماء العلم، نذروا أنفسهم لخدمة البشرية كافة، وقدَّموا جهوداً مشرِّفة في مجالات شتى، منها الطب والرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلك، وغيرها من العلوم الإنسانية، وأثَّرت جهودهم في النهضة الأوروبية تأثيراً اعترف به الأوروبيون أنفسهم.

وخلال شهر رمضان المبارك، تحيي «البيان» ذكرى هؤلاء العلماء، وترحل مع القارئ في عوالمهم الفسيحة، كاشفةً اللثام عن إنجازاتهم التي شكَّلت حلقة في مسيرة التطور، والتي قد اعترى بعضَها النسيان والظلم التاريخي أحياناً.

كثيراً ما نسمع عن شخص لم نره من قبل، فيحلو لنا أن نتخيل صورته، ونخلع عليه صفات نجدها لائقة به، ونرسم له ملامح غير موجودة إلا في أذهاننا.

وعندما يتكرر ذِكره، تستحضر عقولنا الصورة التي انطبعت فيها كحقيقة ماثلة في الوجود. يبدو الأمر عادياً، بل ممتعاً أحياناً، ولكن إذا تعلَّق بشخصية تاريخية، فلا بد من وقفة نصحّح بها تصوّراتنا الخاطئة.

ارتبط اسم عمر بن إبراهيم النيسابوري، المشهور بـ«عمر الخيَّام»، المتوفى سنة 515هـ، حتى يومنا هذا، بالمجون والزندقة ومعاقرة الخمر، ويرجع سبب ذلك إلى الرباعيات الشعرية المنسوبة إليه، التي دُوّنت مخطوطتها بعد وفاته بنحو ثلاثة قرون، وتكشف عن شخصية رجل زائغ عن التقاليد، متمرد على الأخلاق، هدفه الأسمى في الحياة اجتلاب السرور والانغماس في الملذات.

ولكن ربما يدل الاضطراب والتناقض المعنوي فيها على أنها قصيدة ملفَّقة من أبيات لشعراء مختلفين، لا تصحّ نسبة شيء منها إليه على سبيل الجزم.

فضلاً عن أن تكون بتمامها من إبداعه، في حين تُثبت المصادر والمراجع التاريخية برواياتها الموثقة أنه كان عالماً متبحّراً في علوم عصره، معروفاً بحكمته وكياسته، ملمّاً بالرياضيات والفلك والطب، إلى جانب إتقانه العربية والفقه والفلسفة والتاريخ، مما جعل أهل زمانه يلقبونه بـ«الإمام والحُجَّة والحكيم».

معلم ومرجع

وُلد عمر الخيَّام في مدينة نيسابور عام 440هـ، ويعود سبب لقبه إلى والده الذي كان يعمل في صناعة الخيام وبيعها، وهي المهنة التي اشتغل بها عمر في صغره، قبل أن يتجه إلى طلب العلم، معتمداً على ذاكرته القوية وذكائه اللمَّاع وذهنه المتوقد، وهي سمات أعانته على تحصيل المعرفة بسرعة ملحوظة.

إضافة إلى شغفه الدائم بالعلوم الذي ساقه إلى السفر والترحال لملازمة العلماء البارزين آنذاك، حتى استقر به المقام في بغداد، وفي غضون سنوات أصبح من أكابر أهل العلم الذين يشار إليهم بالبنان.

وصار أستاذاً في فنون شتى، يستفيد منه الشيوخ قبل التلاميذ، فورد أن أبا حامد الغزالي كان يتردد عليه ليسأله عن قضايا تتعلق بعلم الفلك، وأن ظهير الدين البيهقي تحاور معه في مسائل تتصل بالشعر، كذلك كان بينه وبين الزمخشري وغيره مناظرات ومراسلات.

يحكي ابن الأثير في كتابه «الكامل» أن الخيَّام كان أحد المنجّمين الذين عملوا الرصد للسلطان جلال الدين ملكشاه السلجوقي، فقد وضع مع جماعة من الحكماء التاريخ الذي يبدأ بنزول الشمس أول الحمل وعليه سار بناء التقاويم.

إذ يُعدّ هذا التقويم المسمى بـ«التقويم الجلالي» الأدق من التقويم الميلادي أحد إنجازاته العلمية، ليستحق بذلك وصف القفطي له في كتابه «إخبار العلماء» بأنه لا قرين له في علم النجوم والحكمة، كما قدّم في علم الجبر معالجات مبتكرة للمعادلات ذات الدرجة الثانية والمعادلات التكعيبية.

وهو أول من صنّف المعادلات حسب درجاتها وحسب الحدود فيها وحصرها في ثلاثة عشر نوعاً، وابتكر نظرية «ذات الحدين»، وفي علم حساب المثلثات وضع حلولاً للكثير من المسائل الصعبة، ودرس هندسة إقليدس مبتكراً برهاناً جديداً.

مصنفات

ألَّف الخيَّام باللغتين العربية والفارسية الكثير من المصنَّفات التي غطَّت فروعاً متنوعة من المعرفة، منها ما تعرَّض للضياع، ولا يزال الكثير منها مخطوطاً، ونُشر بعضُها، من أهمها: «شرح ما يشكل من مصادرات إقليدس»، «مقالة في الجبر والمقابلة»، «مشكلات الحساب»، «مقدمة في المساحة».

عمر الخيَّام..

شاعر الحكمة وعالم النجوم والمجرات

 

Email