فوزي الصفدي.. جراحة القلب مهنة «الحياة أو الموت»

ت + ت - الحجم الطبيعي

جراحة القلب قد تكون واحدة من أصعب وأخطر الجراحات كونها ترتبط بالحياة أو الموت، فتوقف القلب يعني توقف الحياة، ولكن لحسن الحظ أن سخر الله لنا أطباء نذروا أنفسهم لعلاج القلوب مما قد يصيبها.

يقول طبيب القلب العالمي الدكتور فوزي الصفدي الذي ابتكر تقنية إصلاح الصمام التاجي بالمنظار في هيئة الصحة في دبي: «جراحة القلب لها تفرد دون غيرها من سائر الاختصاصات الجراحية لما لدور القلب من أهمية محورية كبرى في صحة الإنسان وحياته».

وأضاف: «التطور التقني الهائل ومعايير السلامة التي ما زالت تطرأ على هذه الجراحة لم تحل إلى وقتنا هذا دون الرهبة والتوجس اللذين ما زالا يسيطران على المريض وعائلته عند مواجهتهم بضرورة إجراء جراحة القلب، ومهما بلغ الطبيب من خبرة ونضوج سيحتاج دائماً إلى استحواذ طاقة إيجابية جاذبة وشخصية قوية تبعث بالثقة لتبديد تلك المخاوف لدى المريض وأهله وخصوصاً في مجتمعاتنا الشرقية التي تركن وتطمئن إلى مهارة الطبيب أولاً في تلقي العلاج».

ويقول: في العودة في الزمن إلى الوراء، وانطلاقاً من مرحلة الطفولة ما زالت مخيلتي مفعمةً بصورة والدتي وجدتي وهما تناديانني بالدكتور، ذلك الصوت المؤمن الحنون الذي رسخ في ذهني ووجداني هذا القدر الجميل والذي شاء الله تعالى لي أن أدركه بتوفيقه.

وأما والدي الحبيب، رحمه الله، فقد بدأ حلمه وأمله أن يرزق ولداً ليصبح طبيباً.

ومرت الأيام وأصبحت معالم طريقي تتبلور والجميع يعيش هذا الحلم المنتظر.

عندما كنت في المرحلة الدراسية الابتدائية، وقعت حادثة مؤثرة بقيت محفورة في ذاكرة وتاريخ عائلتنا، كان والدي في جمع مع التجار والوجهاء والأقرباء ودار الحديث عن مستقبل الأولاد والأجيال القادمة فتحدث والدي عن التطلعات بأن يصبح ابنه طبيباً، فما كان من بعض الحضور إلا أن طلب من والدي بنوع من التهكم والسخرية أن يحد من توقعاته وأن الولد مآله في النهاية أن يمتهن حرفة أبيه حيث كان والدي جزاراً.

كان موقفاً مؤلماً لوالدي وأسره في نفسه سنين طويلة حتى جاء الوقت الذي رآني فيه طبيباً مشهوراً معالجاً لمن سخر منه في يوم من الأيام، نظرت في عيني والديّ وعلامة الرضى والافتخار تزين وجههما. ولا أنسى بعض إخوتي الذين شاطروا والدي هذا الشعور العائلي الرائع فأعانوا والدي في عمله ليتمكن من توفير تكاليف دراستي الجامعية فأكرمهم الله تعالى بصدقهم أن أصبحوا في ما بعد من رجال الأعمال البارزين في مجالهم.

الجو العائلي

تربيتي المنزلية في ظل بيئة ملتزمة بثقافتنا وتقاليدنا وكذلك الظروف القاهرة التي رافقت مزاولتي مهنة الطب في لبنان في الحقبة السابقة بعد عودتي من باريس، على امتداد 20 سنة جعلت من حياتي الشخصية مكرسة لمهنتي في معظم جوانبها فلم يبقَ للعائلة إلا فسحة قليلة، لم يعوضني عنها إلا ذلك الشعور اللطيف بالاعتزاز والافتخار لدى زوجتي وأولادي وأهل بيتي وإخواني وأقربائي وأصدقائي.

وأما عن بدايتي المهنية فقد كانت مليئة بالتجارب القاسية والتقلبات والمرارة في بعض الأحيان والنجاحات المتميزة في بعضها الآخر وخاصة عندما واجهت معالجة العديد من إصابات الحرب في لبنان عندما كنت أعمل هناك وقد تكللت بالنجاح.

ومع هذا كله ظلت العلامة الفارقة في نفسي لذاك الشعور بالفرح والدهشة في آنٍ معاً الذي انتابني عندما استقبلت أول مريض اختارني لكي أجري له عملية زرع للشرايين التاجية وأنا في سن الـ32، حينها عددته أشجع مني في قراره لأكون جراحه ومثلي آنذاك كمثل سمكة صغيرة تسبح إلى جانب حيتان كبيرة من أساتذة الجراحة المخضرمين. وما زلت أدعو الله له وأذكره في نفسي لأنه فتح الطريق أمامي لأنطلق بخطى ثابتة في مسيرتي المهنية متوكلاً على المولى عز وجل.

Email