محمود غنايم.. سعادة في بلسمة الآلام وإنقاذ حياة المرضى

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعد مهنة طبيب الطوارئ من أصعب المهن لأنه يتجلى فيها معنى الحياة والموت، ونظرا لصعوبة وخطورة الحالات التي يتم استقبالها في قسم الطوارئ، القسم الذي تعني فيه الثواني والدقائق حياة إنسان وهو القسم الذي يعمل به طاقم طب وتمريض لا ينظرون فيه إلى الوقت وكيف يمضي وهل هو الصباح أو المساء بل ينظرون إلى مقدار ما خففوا فيه من آلام وما أنقذوا من أرواح وأزالوا معاناة متألم أو مصاب، الدكتور محمود غنايم رئيس قسم الطوارئ في مستشفى دبي يستذكر وقت تخرجه من كلية الطب وقسمه على بذل قصارى جهده ووقته في سبيل تخفيف معاناة أو إنقاذ روح أو مساعدة مريض أو سقيم، ثم تدرجه في أقسام مختلفة في بداية مهنته حتى تخصص في طب الطوارئ وعندها أدرك معنى أن يكون الشخص الذي تمتد إليه عشرات الأيادي يومياً طالبين العون والمساعدة لتخفيف معاناتهم أو إنقاذ أرواح أحبتهم وأقرانهم.

ويوضح الدكتور غنايم: مهنتي كطبيب طوارئ فيها المشقة والتعب والسهر والإرهاق الجسدي والذهني ما يصعب وصفه ولكن تحمل كل معاني البذل والعطاء فلا يساوي في الدنيا شىء كابتسامة مريض أو متألم زال ألمه ولا يساويها ابن خرج بأمه أو أبيه وقد زال الخطر عنه، ففي هذا القسم أجد نفسي مسؤولاً أمام الله وأمام نفسي والمجتمع على بذل كل جهد وكل علم تعلمته في سبيل إسعاد مرضاي، يجب أن لا أملّ أو أكلّ فلا وقت للراحة ولا وقت للتوقف فالثواني والدقائق والساعات تعني أرواح بشر وتخفيف معاناة من جاء إلي طالباً العون وكله أمل ورجاء بأن أكون البلسم الشافي والمنقذ الذي وكله أرحم الراحمين بهذا العمل.

ويضيف: عندما أعود إلى البيت بعد كل تلك المعاناة وبعد كل ذلك الإرهاق يجب أن أكون الزوج والأب والصديق والجار الذي يتوجب عليه أن يحافظ على وده وحبه وابتسامته، ويجب ألا يؤثر عمل من حلوه ومره على استمرارية حياتي.

مفارقات

ويسرد بعضاً من شعوره خلال التعامل مع الحالات التي يتعامل معها والتي تحمل الكثير من المفارقات بعضها مفرح وبعضها محزن، قائلاً: دقائق مرت كالسنين وأنا أبذل كل جهدي ولا يساوي في الدنيا شيء لحظة خروجي إلى الأهل وأنا أبتسم لأخبرهم أن الحال استقرت والحمد لله وسوف يتم نقل المريض إلى قسم القسطرة لإتمام العلاج، وفي المقابل كانت هناك عائلة في رحلة إلى شاطئ البحر وللأسف غرق ابنهم الذي تخرج من الجامعة حديثاً فجاء به المسعفون ومعهم العائلة المكلومة وقضيت والفريق الطبي ساعة وساعتين في محاولة إنعاش الغريق ولكن قضاء الله نفذ، فيما أصعبها من لحظات عندما تخرج إلى تلك العائلة وقد شخصت أبصارها بك والجميع ينظر إليك نظرة الملهوف فأي عبارات ستخرج من فمي وكيف أغلب دموعي ولا أفقد رباطة جأشي.

وحول أصعب موقف تعرض له يقول: أصعب موقف مررت به في عملي في قسم الطوارئ قصة أب مفجوع وأم ثكلى لا تفارق صورتهما خيالي إلى الآن، ذهبا بابنهما ابن التاسعة وهو وحيدهما ليحتفلا بتفوقه الدرامي إلى أحد مدن الألعاب ولكن للأسف أصيب بضربة على رأسه فوصل إلى قسم الطوارئ وقد توقف قلبه وتنفسه فبدأنا بعملية الإنعاش والتي استمرت لأكثر من ساعتين ولكن لم نستطع إنقاذ حياته ونفذ أمر الله ولهذه اللحظة لا أستطيع أن أنسى كيف كان الأب والأم يتحدثان مع طفلهما وكأنه ملاك نائم، أما أنا فقد انهمرت دموعي ولم أشعر بالحزن كما في تلك اللحظة.

وأضاف السؤال الذي أسمعه دائماً وأبداً من كل المحيطين بي لو عاد بك الزمن فهل ستختار مهنتك كطبيب طوارئ مع كل ما تحمله من ضغط جسدي ونفسي وذهني ومع ما تحمله من مخاطر، وجوابي دائماً يأتي بلا تفكير نعم فليس هناك أجمل ولا أكثر سعادة من تخفيف معاناة أو إنقاذ حياة أو إعادة بسمة وكل هذا وأكثر هو ما أقوم به كطبيب طوارئ.

كما يوضح الدكتور غنايم: طبيعة عملي ومهنتي كطبيب طوارئ غيرت مجرى حياتي تماماً وأصبحت قراراتي في المنزل تحمل السرعة في اتخاذ القرار والصرامة فيه، أصبح الوقت عندي أغلى من أي شيء وكذلك زاد حرصي على كل ما حولي ومن حولي.

Email