في المال حق سوى الزكاة

ت + ت - الحجم الطبيعي

فرض الله تعالى الزكاة على الموسرين لتكون حقاً لازماً للمحتاجين من عباده المؤمنين، كما قال سبحانه: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، وكما قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ، رضي الله عنه، يوم بعثه لليمن قاضياً ووالياً وقال له: «إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب»، فالشارع الحكيم يعلم أن في عباده تقصيراً عن أداء الحق أو بعضه، ففتح لهم باب التقرب إليه بنوافل الصدقات حتى تكون زادهم إلى لقائه، ونجاة لهم من عذابه، وجعل ذلك معاملة رابحة معه سبحانه، فسماها بما يطمعون فيه من الربح الوفير، وهو القرض بربح وفير وتجارة رابحة مع من لا يغبن المتعامل، فقال سبحانه: {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}، وقال جل شأنه: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}، وإقراض الله تعالى هو إعطاء عباده الفقراء، ومع ذلك فإنه يقع بيد الرحمن سبحانه فيثيب عليه ثواباً عظيماً، كما روى أبو هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه.

كما يربي أحدكم فُلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل»، وقد أوضح القرآن الكريم كيف تكون مضاعفة الثواب لمن قدم شيئاً من ماله لله تعالى، بما يجعل النفس مطمئنة لوعد الله وجزيل عطائه، فقال سبحانه: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، فهكذا يكون العطاء الإلهي لمن سحَّت يده في التعامل مع مولاه، وهو في الحقيقة تعامل لذات نفسه، فإن كل إنسان يكون في ظل صدقته يوم القيامة حتى يفصل بين الناس، كما صح عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ظل من ذلكم الحال العصيب الذي تدنو فيه الشمس من الرؤوس، فلا ينجو منها إلا من كان له خبيئة عمل من مثل هذه الصدقات كما بين النبي، عليه الصلاة والسلام، في حديث السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فذكر منهم رجلاً تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، والمرأة كالرجل في ذلك وإنما ذكر الرجل للتغليب، حيث إنه يكون ذا مال غالباً، وقد حثّ النبي، عليه الصلاة والسلام، أمته أن تتقي النار بمثل هذه الصدقات.

كما روى عدي بن حاتم، رضي الله عنه: قال: ذكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، النار فأعرض وأشاح، ثم قال:«اتقوا النار»، ثم أعرض وأشاح حتى ظننا أنه كأنما ينظر إليها، ثم قال:«اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد، فبكلمة طيبة»، فدل على أن للصدقة أثراً عظيماً في الوقاية من النار، لأنها تخرج من قلب شحيح، ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، وتقع في يد محتاج فتكشف همه وتفرج كربه، و«من فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب الآخرة، ومن ستر أخاه المؤمن في الدنيا ستره الله في الآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»، كما صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم،

فإذا كانت هذه الصدقات في أيام المناسبات التي تكثر فيها الحاجات، وتعظم فيها الرغبات فإن الأجر يكون مضاعفاً، لا سيما أن النافلة في رمضان كالفرض في غيره.

فلنذكرْ إخواننا المحتاجين من المسلمين والمؤمنين، ولنواسهم بما نستطيع فعله لندخره لأنفسنا عند لقاء ربنا لا سيما ونحن في عام زايد الخير الذي سحت يده عطاء لكل من استطاع الوصول إليه من المسلمين وغيرهم، فأعطى المثل الحي لما يكون عليه الجود والعطاء تأسياً برسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلَرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجود بالخير من الريح المرسلة.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن خافه واتقاه وعمل عملاً صالحاً يرضاه بمنه وكرمه.

 

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدبي

Email