مستحقو الزكاة

ت + ت - الحجم الطبيعي

فرض الله تعالى الزكاة في الأموال النامية أو القابلة للنماء فيما يسمى فقهاً «الأصناف الستة»، وهي النقود وعروض التجارة وبهيمة الأنعام والحبوب والثمار والركاز وهو دفين الجاهلية من النقدين، وفي العسل خلاف، وجعلها حقاً للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، كما حددتهم آية الصدقات في سورة التوبة، وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، وهو التحديد الدقيق لمستحقيها عداً وحداً؛ لأن هؤلاء الأصناف الثمانية هم الأمسّ حاجة في المجتمعات، فلا بد أن تسد حاجاتهم من مال الله الذي آتاه بعض عباده، وهم كل مسلم يملك نصاباً قد حال عليه الحول، إلا الحبوب والثمار فحين اشتداده وصلاحيته للأكل، أو حين حصاده، وإلا الركاز فحين الحصول عليه، فاقتطع الملك الواهب سبحانه من تلك الأموال نسبة بسيطة تحقق الاكتفاء الذاتي في المجتمع المسلم، الذي يعتبر مجتمعاً واحداً كالبنيان المرصوص، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن تجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يضيع أغنياؤهم، ألا وإن الله عز وجل يحاسبهم يوم القيامة حساباً شديداً، ثم يعذبهم عذاباً أليماً».

وبيان هؤلاء الأصناف الثمانية هو الآتي:

الفقير هو من لا يملك سداد كامل حاجته كمن يحتاج إلى 1000 ولا يملك إلا 700 مثلاً، فإن كان يملك أقل من ذلك فهو المسكين، وقيل إن المسكين أكثر حاجة من الفقير، ولكنه قد يُطلق كل واحد منهما على الآخر تغليباً.

أما العاملون عليها فهم الذين يكلفهم ولي الأمر بجمع الزكاة وليس لديهم راتب من بيت المال، فلهم حق في الثمن من الزكاة وإن كانوا أغنياء في أنفسهم؛ لأنها نظير عملهم وجهدهم بجمعها وإيصالها لمستحقيها.

وأما المؤلفة قلوبهم فهم الذين أسلموا وقلوبهم ضعيفة في الإسلام، فيعطون شيئاً من الزكاة حتى تثبت قلوبهم على الإيمان، أو هم من يرجى إسلامه لو أعطي، فيعطى منها ما يشجعه على الدخول في الإسلام.

وأما الرقاب فهم العبيد الذين لا يزالون أرقّاء فيشترون من أسيادهم حتى يتحرروا، وهذا الصنف لم يعد له وجود لحصول التحرير لجميع الأرقاء في العالم الإسلامي على الأقل.

أما الغارمون فهم المدينون الذين استدانوا لأمورهم المباحة من أمور الحياة وليس عندهم من الممتلكات الزائدة على حاجتهم أو الرواتب الكافية ما يسدها.

وأما في سبيل الله فهو الجهاد الذي كان قائماً لحماية بيضة الإسلام، ولم يكن للجند رواتب من بيت المال.

وأما ابن السبيل فهو المسافر الذي يمر ببلد تفريق الزكاة، وهو محتاج لما يبلِّغه بلدَه، فيعطى من الزكاة ما يحتاجه في سفره من نفقة السفر والتذاكر وإن كان في بلده غنياً.

فهؤلاء الذين أعطاهم الله الحق في الزكاة عداً وحداً، ولم يبحها لغيرهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يرض فيها بحكم نبي ولا غير، حتى حكم فيها بنفسه، فجزأها، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك - أو أعطيناك حقك»، فلم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى بيّن له وجه الاستحقاق فيها، وهو أن يكون أحد الأصناف الثمانية، وإلا فإنه لا حظّ فيه لغني ولا لقوي مكتسب، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلين جاءاه في حجة الوداع، وهو يقسّم على الناس الصدقة فزاحما عليه حتى خلصا إليه، فسألاه منها، فرفع البصر وخفض فرآهما رجلين جلدين فقال: «إن شئتما أعطيتكما، ولا حق أو لا حظّ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب»، فأعلمهما أنها لا تصح لهما مع الاكتساب الذي يستغنيان به، وذلك حتى لا يضيع حق المستحقين، فهي قسمة إلهية عادلة تسد الحاجات الاجتماعية، ويكون المال دُولة بين الناس فيؤدي وظيفته الاجتماعية، ولا يبقى مكنوزاً، مع أن عنصر تكوينه الأساس هم الفقراء الذين يعملون فيه ويحتاجون إليه، وحتى يأمن الغني غائلة الفقير، ويعيش الفقير عفيفاً عن الذل والمسكنة التي تفقده إنسانيته الكريمة التي خلقه الله تعالى عليها.

 كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدبي

Email