معنى تحرّي ليلة القدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى أن تتحرى ليلة القدر في الشهر كله، وفي العشر لأواخر منه خاصة، وفي أوتارها على أخص الخصوص، ومعنى تحريها: الحرص على إدراكها بعمل الخير والطاعة حتى يكتب للمرء ذلكم الأجر العظيم المعد لقائميها، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».

ولا منافاة بين غفران ما تقدم من الذنوب بقيام ليلة القدر وغفرانها بصيام رمضان؛ لأن الذنوب مثل الأمراض فكما أن لكل مرض دواءً، فكذلكم الذنوب، لكل ذنب ما يناسب تكفيره، ومن أعظم المكفرات إحياء ليلة القدر بالقيام بين يدي الملك العلام بمناجاته وحسن التبتل بين يديه، لا أن تأتي على المسلم وهو في غفلة معرض، فذلك من الحرمان والخسران المبين، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحرص على إدراكها ويبين لأمته كيف يكون التحري، وذلك بالاعتكاف والقيام كما روى أبوسعيد الخدري -رضي الله عنه- قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرَ الأول من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال: إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك، فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً صبيحة عشرين من رمضان، فقال: «من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم، فليرجع، فإني أُريت ليلة القدر، وإني نسِّيتُها، وإنها في العشر الأواخر، في وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء»، وكان سقف المسجد جريد النخل، قال أبوسعيد: وما نرى في السماء شيئاً، فجاءت قَزَعة -أي سحابة- فأُمطرنا، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهته وأرنبته تصديق رؤياه»، وكان ذلك ليلة واحد وعشرين، وهو ميل الشافعي رحمه الله تعالى في تعيينها.

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس بحثاً عنها وتحرياً لها، حتى أنهم تراءوها في منامهم، كما روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر».

ومع هذا التقريب لها، فإن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا أشد تحرياً لها، ويريدون معرفتها على وجه الدقة، فقد حاول أبوذر رضي الله عنه أن يكتشفها فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: أخبرني عن ليلة القدر، في رمضان أم في غير رمضان؟ فقال: «بل في رمضان»، قلت: يا رسول الله أهي مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبض الأنبياء رفعت أم هي إلى القيامة؟ قال: «لا بل هي إلى يوم القيامة»، قلت: يا رسول الله، في أي رمضان هي؟ قال: «العشر الأواخر، لا تسألني عن شيء بعده»، قلت: يا رسول الله أقسمت عليك بحقي، في أي العشر هي؟ فغضب عليّ غضباً ما غضب عليّ قبله ولا بعده مثله، وقال: «لو شاء الله لأطلعك عليها، التمسوها في السبع الأواخر، ولا تسألني عن شيء بعدها».

ولحرص النبي صلى الله عليه وسلم على بيانها لأمته تحديداً، فقد كان يريد أن يبينها لو أن الله تعالى أذن له، كما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: «خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة»، يعني في الأوتار من هذه العشر ذلك لأن الله تعالى وتر يحب الوتر، فكانت ليلة القدر في الزمان الذي يحبه الله تعالى.

فاللهَ نسأل أن يوفقنا لقيام ليلة القدر ويجعلنا ممن قامها إيماناً واحتساباً.

 كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدبي

Email