معنى قيام رمضان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم خيراً إلا دل أمته عليه، ولا شراً إلا حذرها منه، فكان من ذلك دلالته أمته وحثه لها على قيام رمضان، قياما يختلف عن قيامهم في السنة كلها وهو المسمى اصطلاحا بصلاة التراويح؛ لما فيه من ترويح النفس بعد طول القيام الذي يتلى فيه القرآن بالجلوس قليلا بعد كل أربع ركعات، وهذه الصلاة هي شعيرة رمضان، والتي يحرص عليها المسلم لينال ذلكم الأجر العظيم المترتب عليه والذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه»، ومغفرة ما تقدم من الذنب تعني أن الله تعالى قد ستر على عبده قديم ذنوبه، وإذا ستر الله شيئا لم يكشفه ولم يسأل عنه صحبه، فالله أكرم من ذلك، وإنما كان ذلكم الجزاء العظيم؛ لأن العبد قد أقبل على الله بكلِّيته فتذلل بالوقوف بين يديه في شهر العطاء وشهر الفيوضات الإلهية، في هذا الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنة فلا يغلق منها باب، وتغلق فيه أبواب النار فلا يفتح منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر».

فمن تعرض لهذه الفيوضات فلا شك أنه نائلها إن شاء الله تعالى، كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله عز وجل؛ فإن لله عز وجل نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، واسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم»، وفي رواية: «إن لربكم عزّ وجل في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا»، وإذا كان التعرض للنفحات بالقيام فهو تعرض بأحب العبادات إلى الله تعالى.

كما ورد في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه»، فهكذا يكون حال المتقرب إلى مولاه بنوافل العبادات، لأنها تدل على رغبة العبد بمزيد من الإقبال على مولاه الذي خلقه وهداه، فحقُّه أن يشكر ويذكر ذكرا كثيرا، وأن يسجد له ويسبح بكرة وأصيلا، ولأن القيام بين يدي الله تعالى في هذا الشهر يرشحه لإدراك ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وإدراكها يكون بالقيام وفعل الطاعات وصالح القربات، لاسيما إذا كان ذلك مع جماعة المسلمين في المساجد؛ فإن ذلك أقرب إلى القبول؛ لما لجماعة المسلمين من مزيد الفضل ونظر الحق سبحانه لخواص عباده قبل عمومهم، فيقبل الجميع لأجله، ومن نظر الله تعالى إليه لم يعذبه، ومن هنا استحبت هذه النافلة جماعة خلافا لسائر النوافل حتى يظهر شعار الشهر الكريم، فهو شهر التراويح، وشهر المصابيح، وشهر الدعاء والتضرع إلى الله تعالى بصدق وخلوص نية، فإن الله تعالى جعل للدعاء في هذا الشهر مزية على غيره بأن ذكر في سياق حديثه عن الصيام وأحكامه إيذانه لعباده أنه يستجيب دعاءهم إذا دعوه.

فقال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} فرتب على دعائهم أمرين: الأول استجابة الدعاء. الثاني ثبوت الرشاد للداعين، وهذا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، وإمام عدل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماوات، فيقول الرب عز وجل: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين»، وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد».

فينبغي للصائم أن يجتهد بالتضرع والدعاء طول نهاره وليله، فيجد أبواب السماء مفتحة، ولا سيما عند الفطر فإنه أرجى أوقات الإجابة، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن تقول عند فطرها: «اللهم لك صمت، وعليك توكلت، وعلى رزقك أفطرت، قال: يكتب لك مثل من كان صائما من غير أن ينقص من أجورهم شيئا».

فاللهم لك صمنا، وعليك توكلنا، وعلى رزقك أفطرنا فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، واجعلنا ممن صام هذا الشهر وقامه إيمانا واحتسابا واجعلنا من عبادك المخلصين.

 

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدبي

Email