حب الوطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الشيخ زايد رحمه الله تعالى: «جيش الإمارات هو درعها الواقية للحفاظ على التراصّ الوطني وصيانة الأرواح وحماية ثروة هذا البلد وهو أيضاً لمساندة الأشقاء إذا احتاجوا إلينا».

إن الله تبارك وتعالى فطر الإنسان على حب الأرض التي وُلد على ترابها، وعاش في أكنافها، وأكل من خيراتها، وتشكلت طباعه في ربوعها، وتفيأ ظلالها، فصارت جزءاً من حياته، لا يقوى على هجرانها، ولا يكاد يفارقها إلا اشتاق إليها، وحرّكه الحنين إلى أحضانها، وتلك سنّة الله تعالى في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته (أي أسرع بها) وإن كانت دابة حرّكها من حبها.

وذكر العلماء أن في ذلك دلالة على مشروعية حب الوطن والحنين إليه. نعم فحب الوطن يجري في العروق والوجدان، وفضله يعيش في القلب والكيان، فاستنشقت هواءه، وشربت ماءه، ومشيت على أرضه، وتجولت بين أرجائه، وتقلبت في رغيد نعيمه، وحملت اسمه، وحظيت بشرف الانتساب إليه، فتربته دواء كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يقول في الرقية: «باسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، ليشفى به سقيمنا بإذن ربنا».

لقد حبانا الله تعالى بالعيش في إماراتنا الحبيبة هذا الوطن العزيز، فهو من أغلى الأوطان، أرضه وهاد، وسماؤه دثار، وهواؤه نسيم، ومرافقه عطاء، وحضارته فخر، وشعبه حصنه الحصين، ودرعه المنيع، وحكامه وقادته عطاؤه المتجدد، وقلبه النابض، فقد جعلوه ربوة ذات قرار أمين، تجبى الخيرات إليها، ويتمنى الناس رؤيتها، وينشدون العيش في أفيائها، وذلك من فضل الله تعالى علينا، فلنستذكر قول ربنا سبحانه وتعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم).

فالحمد لله على ما أعطى، وله الشكر على ما منّ به وأغنى، فحياتنا هانئة، وقلوبنا متآلفة، وأيدينا متحدة متماسكة، وبلدتنا طيبة، ننعم باستقرارها، ونقتات من خيراتها، وهذا يذكرنا بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا»، وهذا كله متحقق على تراب الوطن حرسه الله تعالى، وإن من الوفاء أن نتفانى في خدمته، ونخلص في محبته، ونسعى جاهدين لرفعته، ونجتهد في المحافظة على ثرواته وخيراته، والتمسك بقيمه النبيلة، وتراثه الأصيل، والولاء لقادته وحكامه، وترسيخ معاني حبه وصدق الانتماء له في نفوس أبنائنا وبناتنا، فكلنا أمناء على هذا الوطن ومكتسباته، ومسؤولون أمام الله تعالى عن حفظ حقوقه، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه: أحفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته».

أجل، فكلنا سيُسأل عن هذا الوطن، فنحن منه وإليه، سعادته سعادتنا، وسلامته سلامتنا، وعزه عزنا، ومجده مجدنا، وشرفه شرفنا، تباع في سبيله النفوس، وترخص من أجله الأرواح، وتبذل للدفاع عن حياضه المهج، فالدفاع عن الأوطان ذروة الشرف، وأمانة يتحملها جيل عن جيل، وهو واجب مقدس، وفي مقاصد الشرع بالأدلة ثابت ومؤسس، فعلى أرضه يقام الدين، وتحقن دماء الناس، وتصان كرامتهم، ويأمنون على ممتلكاتهم وأعراضهم، وتلك هي مقاصد شريعتنا السمحة، قال العلماء: ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم. وإن الحفاظ على مقاصد شريعتنا الغراء لا يتحقق من دون التضحية والفداء، للدفاع عن الوطن وحماية أراضيه، إذ لولاه لاختلت الحياة والأحوال، واستبيحت الأنفس والأعراض والأموال، فكان الدفاع عنه من ضرورات الدين.

تقع على عواتقنا مسؤولية كبرى في تربية أبنائنا وبناتنا على حب وطنهم، وغرس قيم الولاء والانتماء له في نفوسهم، فلنعد شباب الوطن للدفاع عن ترابه، والذود عن حياضه، وحماية منجزاته، والطاعة لقيادته وحكامه، ولنحثهم على خدمة وطنهم، بالالتزام في وظائفهم، والانضباط في أعمالهم، والاستقامة في سلوكهم، والارتقاء في علمهم، وتنمية مهاراتهم، واكتساب القوة في أجسادهم، لينالوا محبة ربهم سبحانه وتعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك ولا تعجز».

Email