الاتحاد أساس الرقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الشيخ زايد، رحمه الله: «لقد أكّدت السنوات الماضية أهمية الاتحاد وضرورته لتوفير الحياة الفضلى للمواطنين، وتأمين الاستقرار في البلاد، وتحقيق آمال شعبنا في التقدم والعزة والرخاء»، هذه نظرة مؤسس هذه الدولة للاتحاد. إن الاتحاد عماد قيام الأمم، ومهد نهوض الحضارات، وأساس الرقي والتطور في المجتمعات، ولذا فهو وصية الله، جلّ جلاله، لجميع رسله، قال الله تعالى:«شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه»، وتأليف القلوب وجمعها على كلمة واحدة عطاء رباني، يهبه الله سبحانه لمن يسعى إليه، قال عزّ وجل:«لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم».

فالاتحاد نعمة تستحق الشكر، ولذلك امتنّ الله تعالى بها على عباده، فقال: «واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم»، يذكرهم بماضيهم: ماضي التفرق والضعف، ثم يذكرهم بما هم فيه من نعمة المحبة والوحدة والاستقرار، فيقول تعالى: «فأصبحتم بنعمته إخواناً».

لقد حثّ الإسلام على بث روح الاتحاد من خلال العبادات، ليبين لنا أن العبادة طريق إلى الوحدة، فجاءت أوامر الشرع بصيغة الوحدة والاجتماع، ففي إقامة الصلاة يقول عزّ وجل:«وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين»، وفي الأمر بالصيام يقول سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام»، وينظر إلى اجتماع الناس في الحج، فيقول: «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً»، وفي البناء الأخلاقي للإنسان يحثنا بصيغة المجتمع الواحد، فيقول تبارك اسمه: «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود»، وخاطب الله تعالى الناس مجتمعين حين تحدث عن إعمار الأرض، ولم يخاطب الأفراد، فقال عزّ وجل: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها»، فتأملوا كيف ينمي القرآن الكريم ثقافة الاتحاد في كل جوانب الحياة، فالأمم إنما تبنى بالسواعد المتكاتفة، والأيادي المتصافحة، والقلوب المجتمعة والمتحابة.

لقد تحقق للنبي، صلى الله عليه وسلم، ما يريد من انتشار الإسلام وبلوغ الرسالة وتحقيق الأهداف بفضل تدابير الوحدة، التي وضع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لبناتها في المدينة المنورة، حينما وحّد بين الأوس والخزرج، وآخى بين المهاجرين والأنصار بعد أن كانوا متفرقين، ولقد استلهم المؤسسون للاتحاد في دولتنا الغالية تلك المعاني فجمعوا شتات ما تفرق، ووحّدوا الصفوف، وألّفوا بين القلوب، فصار أبناء الإمارات يعيشون في بيت واحد متوحد، يرحم كبيرهم صغيرهم، ويسعى قويهم على ضعيفهم، ويشد بعضهم أزر بعض، يغيثون المنكوب، ويحسنون إلى الغريب، وتلك أوصاف شهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لمن اتصف بها بالفضل الكبير، فعن أبى موسى الأشعري، رضي الله عنه، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «إن الأشعريين إذا أرملوا أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم».

ولقد رسم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسس الوحدة، وكان من أبرز أعماله في المدينة بناء المسجد الذي يعد رمزاً من رموز الاجتماع على الطاعات ورص الصفوف وتوحيد القلوب، ولقد سار القادة المؤسسون على ذلك النهج، فعمروا بيوت الله، واهتموا بمظهرها، فغدت مآذنها تصدح في سماء الإمارات، تجمع الناس على الطاعة ووحدة الكلمة.

وإن من واجبنا اليوم أن نستشعر نعمة الاتحاد، مستلهمين قول الحق سبحانه: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، وهو توجيه رباني يدل على قيمة الاتحاد، وأن الفرد قوي بمجتمعه ودولته، ضعيف بانعزاله وانفراده، قال الله تعالى:«وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين»، كما يجب علينا أن نحافظ على صرح الاتحاد من حسد الحاسدين والمغرضين بتوحيد قلوبنا والتفافنا حول قيادتنا الرشيدة، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:«عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية».

ومن واجبات الوفاء لمن أسسوا الاتحاد وأرسوا دعائمه أن نذكرهم بالدعاء، ونخصهم بالذكر والعرفان.

فاللهم ارحم المؤسسين السابقين للاتحاد، وبارك في خلفهم حكام البلاد، وأيدهم بالتوفيق والسداد.

Email