القابض على جمر الحياة يسرد حكايته من التحدي إلى الإنجاز

محمـد الغفـلي عتمـة مضـاءة بألوان الأمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع كل دمعة طفل عانى الحرمان، تجد أيادي تكفكف البكاء، وتعيد البسمة، وبين أوجاع كبار السن، ترى من يخفف عنهم ويحتويهم، ويرد لهم الجميل، ومع آهات النساء المقهورات، تشاهد من يساندهن ليجعلهن أقوى في مواجهة الحياة. خلف كل هؤلاء أناس أضاؤوا شعلة الأمل، وأعلوا قيمة الإنسان، ومنحوا الأمل للمستقبل.

عندما تكون كفيفاً فليس نهاية الكون، أو أن تكون محاطاً بالعتمة؛ فلا يعني ذلك أن لا وجود لبصيص أمل. فقد تختصك الأقدار دون غيرك أن تكون سفيراً للإرادة والعزيمة، تكتب قصة وجودك على الرغم مما تتكبده من آلام؛ وقتها سيكون «للحياة مذاق آخر» لا يعرفه إلا الأشخاص المكابدون، القابضون على جمر الحياة، حينها سيصفق لك كل من حولك، لأنك أصبحت ملهماً. محمد الغفلي واحد من هؤلاء، فعلى الرغم من أنه كفيف، إلا أنه لم يتباكَ على حاله، بل جعل من سواد عتمته ألواناً مبهجة بكل جماليات الحياة، يسير بين دروبها ببصيرة متقدة الحماس؛ فما أن ينتهي من إنجاز حتى يشرع في إنجاز آخر. التفاصيل الكاملة لقصة الغفلي يرويها بعيون التحدي في السطور التالية:

الغفلي والذي يعمل حاليا في قسم العلاقات العامة في هيئة تنمية المجتمع، ولد بإعاقة بصرية جزئية وحينما وصل لعمر السادسة، فقد بصره بشكل تام بسبب تليف في أعصاب العين والشبكية، 32 عاماً قضاها في العتمة، وعلى الرغم من ذلك لم يستسلم أو يقف عاجزاً أمام رياح الحياة، بل صنع لنفسه اسماً ولغيره أملاً.

الغفلي التحق وهو صغير بروضة غير مهيأة لفاقدي البصر، وحينما وصل إلى سن الثامنة وجد أهله مركزاً لأصحاب الهمم، ليتعلم خلاله القراءة على طريقة برايل، ويتعرف على أصدقاء جدد من ذوي الإعاقة البصرية، لتبدأ أولى تحدياته في الدمج مع الأسوياء، فلم يكن الأمر سهلاً خاصة في ظل عدم توافر كتب برايل وصعوبة تعلم مادة الرياضيات لكثرة رموزها.

أبواب مغلقة

انتقل الغفلي إلى الجامعة وبداخله عنفوان وأحلام الشباب، أراد الالتحاق بقسم الإذاعة والتلفزيون ولكنه فوجئ برفض طلبه ليتم تحويله إلى العلاقات العامة. يقول الغفلي: هذا الرفض أعطاني دافعاً أكبر لإثبات ذاتي، لأدخل مجال الصحافة المطبوعة التي غيرت مجرى حياتي نحو الأفضل، وأظهرت مواهبي في الكتابة والتأليف والتقديم، ليكون كتاب «للحياة مذاق آخر» نقطة تحول أخرى خلال رحلتي، فقد أردت من خلاله أن أمنح الأمل لغيري، ولأجعل أصحاب الهمم يدركون أن جميع الأبواب المغلقة نستطيع فتحها، فتحدثت عن معاناتي والنجاحات التي حققتها وتطلعاتي نحو المستقبل، فكلمة مستحيل اخترعها الإنسان ليبرر عجزه، ولكنها في الواقع ليس لها مكان في حياة أي شخص طموح.

تحديات المجتمع

لم يدرك الغفلي أن حق اختياره لشريكه حياته، سيدخله في مفترق طرق مع عائلته والمجتمع الذي يعيش فيه، وذلك لأنه اختارها من ذوي الإعاقة البصرية، فكثرت حوله التساؤلات؛ كيف سيمكنكم تربية أولادكم، كيف ستخرجون، كيف ستتحكمون في الفئة العاملة بمنزلكم، والكثير من الأسئلة التي جعلته يجيب ببساطة من حقي الاختيار.

الغفلي يرى أن فاقدة البصر ستستطيع مشاركته نفس الهموم والتحديات، فحينما يضعان أيديهما سوياً، سيتمكنان من هدم جميع الحواجز، وبالفعل تم الزواج ورزق بطفل اسمه راشد لا يعاني أي إعاقة. يقول الغفلي: أنا شخص أحب الاعتماد على نفسي في كل شيء، فأنا أسافر بمفردي، وأتنزه كذلك بمفردي، وأشارك في الكثير من الأعمال التطوعية، فأقوم بتوزيع وجبات الإفطار على العمال، وأساعد في ترميم المنازل ومع جمعية أصدقاء مرضى السرطان.

رؤيتي والتميز

الغفلي عضو في جمعية الإمارات للمعاقين بصرياً، ويمارس بعض أنواع الرياضة في الجمعية، التي يعتبرها بيته الثاني، ويقوم بتعليم الأطفال القراءة عن طريق «برايل» والحاسب الآلي، ويقضي بين أروقتها معظم وقته. أما المسرح فيشكل ركناً أساسياً في حياته. يقول الغفلي: ظهرت على خشبة المسرح في العام 2009 في مسرحية «للحياة مذاق آخر»، التي تحدثت عن إصابة الشخص بإعاقة في سن كبيرة وما يمر به من أزمات نفسية وغيرها، والعديد من المسرحيات منها القراصنة وسفير العميان. ومن أكثر الكتب التي يفضل الغفلي قراءتها «رؤيتي.... التحديات في سباق التميز» لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، والذي يجد خلاله القارئ في كل جملة فيه تقريباً قراراً يستند إلى رؤية واضحة وهو قابل للتنفيذ، فسموه قدم رؤيته التي كانت وراء طفرة ازدهار إمارة دبي، وأوضح في كتابه أساليب وطرق تطبيقاتها وتحويلها من مشروع أفكار إلى واقع يعيشه الشعب.

جوائز

حصل على أكثر من 9 جوائز خلال رحلته العملية منها جائزة فرسان الإرادة لجامعة الدول العربية عام 2012، وجائزة أفضل ممثل عن مسرحية «للحياة مذاق آخر» عام 2009.

Email