تصحيح نظرة المجتمع السلبية بداية طريق الشفاء

«مع الأمل» متطوعـون يـداوون المرضى النفسيين بالفن

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع كل دمعة طفل عانى الحرمان، تجد أيادي تكفكف البكاء، وتعيد البسمة، وبين أوجاع كبار السن، ترى من يخفف عنهم ويحتويهم، ويرد لهم الجميل، ومع آهات النساء المقهورات، تشاهد من يساندهن ليجعلهن أقوى في مواجهة الحياة. خلف كل هؤلاء أناس أضاؤوا شعلة الأمل، وأعلوا قيمة الإنسان، ومنحوا الأمل للمستقبل.

يرى نظرات من الشفقة في عيونهم، يتعاملون معه وكأنه شخص لا يستطيع القيام بأي عمل، يحاولون تجاهله والابتعاد عنه، لا يتفهمون طبيعة ما يعاني منه؛ إنه المريض النفسي الذي يطلق عليه البعض أحكاماً سلبية، تمنعه من الإفصاح عما يشعر به، خوفاً من الإهانة والوصمة المرتبطة بالمرض النفسي، التي ستلاحقه طول العمر، كل هذه العوامل دفعت فريق «مع الأمل التطوعي» للاقتراب من المرضى النفسيين لتفهم طبيعة مرضهم، وتسليط الضوء على معاناتهم وأحلامهم ورغباتهم، ومحاولة تغيير نظرة المجتمع السلبية لهم، لأن الأمراض النفسية في نهاية الأمر كغيرها من الأمراض العضوية التي تستوجب العلاج، وليس الإهمال حتى لا يتفاقم المرض.

أعمال فنية

بدأ فريق «مع الأمل» عمله التطوعي عن طريق الفن، فكانوا يجلبون الأعمال الفنية لمرضى مستشفى الأمل ويعرضونها في معرض سكة، وذلك ليثبتوا للمجتمع أن المريض النفسي قادر على العمل، ولديه مواهب يستطيع إخراجها للنور، وكذلك لتوعية بماهية الصحة النفسية، فالفن يمكن أن يكون همزة وصل بين المرضى والمجتمع ورسالة ناطقة تشرح رغبات هؤلاء وأمانيهم وهواجسهم أيضاً.

تقول فاطمة موسى أحد أعضاء الفريق: قمنا بعمل زيارات ميدانية للجامعات والمدارس ووجدنا أن البعض يعاني اضطرابات نفسية بسيطة، ولكنه غير مدرك للأمر، ورافض تماماً فكرة الإفصاح عما يعاني منه، فحاولنا قدر الإمكان الاقتراب منهم، وتوضيح فكرة المرض النفسي لهم، فليس كل الأمراض النفسية والعقلية خطيرة، فخطورة الأمراض تتفاوت بين مرض وآخر، وهناك تشويش عند العامة عن هذه الأمراض النفسية والعقلية ومدى خطورتها وتأثيرها على حياة الفرد والمجتمع، أما المدارس فقد جلسنا مع الأطفال، لكي نطلعهم على كيفية التعبير عن مشاعرهم، وغضبهم وفرحهم، وتبسيط صورة المرض النفسي بالنسبة لهم.

اضطراب نفسي

بكل صراحة أعلن سيف السعيد، أحد أعضاء الفريق أنه كان يعاني مرضاً نفسياً، الحكاية بدأت منذ صغره، تحديداً وهو في عمر الثالثة عشرة، حينما اكتشفت أسرته أن أخيه يعاني السرطان، وتحولت دفة الاهتمام له، لترزق العائلة في العام نفسه بفتاة صغيرة، ليجد سيف نفسه وحيداً، ليشعر بأنه يعاني شيئاً من التوتر الذي تحول إلى اضطراب نفسي، ولأن سيف شاب مثقف وواع ذهب إلى طبيب نفسي ليبدأ رحلة علاجه، دون خوف أو تردد.

يقول السعيد: المرض النفسي ليس عيباً أو شيء من المفترض أن نخفيه، وهو يصيب جميع الأشخاص دون استثناء ودون اختصاص، فعندما تتوفر الأسباب المؤدية للإصابة به عند أي شخص فإنه يصاب به، لذلك لا بد من الإفصاح عنه، والذهاب لرؤية الطبيب، فلا داعي للخجل أو التردد، فالأمر يستحق إلا تستسلم.

رياضة وصحة نفسية

يعقد المتطوعون ورش عمل في مستشفى الأمل منذ عام 2015 منذ انطلاق الفريق في العمل التطوعي، لتتنوع الورش بين الرسم والنحت والكتابة والتصوير الفوتوغرافي، لتشمل تغطية الأنشطة والمهارات الأخرى، لجعل هذه الورش منفذاً بديلاً للمرضى للتعبير عن أفكارهم وعواطفهم بطريقة ممتعة وغير تقليدية، كما يقوم الفريق بعمل ورش ومناقشات في أماكن مختلفة، من ضمنها فعالية مجتمعية أقاموها في «لامير» بالتعاون مع غوسب وفريق إماراتي فيتنس، وذلك للتعريف بالعلاقة بين الرياضة والصحة النفسية، حيث تبدأ اللعبة بأسئلة عن الصحة النفسية إذا لم يستطع المتسابق الإجابة عنها، يتم بالحكم عليه، بأداء تمارين رياضية، كذلك يقومون بإقامة ورش مع أطباء متخصصين في الصحة النفسية والعديد من الفعاليات الأخرى.

قضايا إنسانية

تقول فاطمة: تعتبر الأمراض النفسية كغيرها من الأمراض العضوية التي تستوجب العلاج، ومن المنظور الطبي تعامل على أنها أمراض عادية، لكنها تختلف في سبل العلاج، إلا أن نظرة المجتمع، خاصة العربي، تحط من أهمية العلاج النفسي وتسقط أحكاماً سلبية بحق المرض.

عملية علاجية

نظرة المجتمع السلبية للمرض النفسي قد تعيق العملية العلاجية وتسهم في انتكاس وتراجع الحالة الصحية، وكذلك غياب الدور الأسرى في الدعم، وافتقادهم المفاهيم الصحيحة للمرض النفسي.

وتسعى فاطمة موسى والفريق لتغيير فكرة المجتمع عن هذه الفئة، وأن بإمكانهم العمل والاندماج بشكل طبيعي، ومحو النظرة السلبية تجاههم، ما يؤثر في حياتهم الأسرية والعائلية والعملية.

Email