تعلمت لغة الإشارة لتضيء مع ابنتها نورا دروب «كلماتي»

بدور الرقبـاني.. 8 سنوات تنثـر بذور الأمل في حقول الأطفال الصم

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع كل دمعة طفل عانى الحرمان، تجد أيادي تكفكف البكاء، وتعيد البسمة، وبين أوجاع كبار السن، ترى من يخفف عنهم ويحتويهم، ويرد لهم الجميل، ومع آهات النساء المقهورات، تشاهد من يساندهن ليجعلهن أقوى في مواجهة الحياة. خلف كل هؤلاء أناس أضاؤوا شعلة الأمل، وأعلوا قيمة الإنسان، ومنحوا الأمل للمستقبل.

بعدما عرفت أن ابنتها الصغيرة، البالغة من العمر 9 أشهر، تعاني من الصمم الكلي، حينما تم تشخيص حالتها في أميركا، شعرت الأم بدور الرقباني بمدى المسؤولية التي تقع على عاتقها، وأخبرها الأطباء أن رحلة العلاج ستكون طويلة، وأهم شيء سيكون بالنسبة لابنتها نورا هو التعليم، وقفت لبرهة من الوقت تتأمل ابنتها وتفكر كيف أنها لن تستطيع سماعها، وهو تنادي عليها «ماما»، كيف ستتمكن نورا من التواصل مع ذلك العالم الكبير، وتندمج مع غيرها من الأطفال، وقتها بدأت في التفكير في إيجاد مكان يحوي ابنتها ويقدم لها العلاج بصورة سلمية، كونها فاقدة السمع وليست فاقدة البصيرة، وبعد الكثير من البحث قررت افتتاح مركز «كلماتي» في 10 أكتوبر 2010 كان عمر نورا يناهز السنتين، ليصبح أول مركز خدمة مجتمعية يقدم خدمات علاجية في مجال النطق باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية ولغة الإشارة والعلاج الوظيفي والسلوكي.

عائلة واحدة

«الأمل» كلمة سحرية كما تصفها الرقباني، وتحمل الكثير من المعاني، فمن دونها يصبح الإنسان بلا مستقبل ولا هدف في الحياة، تمسكت الرقباني بالأمل وأعطته إلى غيرها من العائلات، خاصة الذين لا يعرفون كيف يتصرفون مع أطفالهم من تلك الفئة، وأكثر ما كان يؤلمها حينما ترى أسراً ترفض أن يلعب أولادها مع الأطفال الذين يعانون الصمم، وهم من عائلة واحدة.

تقول الرقباني: حينما لا تتقبل الأسرة الاختلاف ووجود طفل أصم بينهم، كيف سيستطيع ذلك الطفل مواجهة المجتمع المحيط به، فالأساس يبدأ من الأسرة، التي يجب أن تتفهم طبيعته، وتعمل على تقوية مهاراته، فاليوم ابنتي نورا أفتخر بها في كل مكان، تستطيع القراءة باللغتين العربية والإنجليزية، وتشارك في العديد من المبادرات، وتحصل دائماً على المركز الأول.

لغة الإشارة

قامت الرقباني بالالتحاق بالدورات المتخصصة في هذا الشأن، وأصبحت لغة الإشارة هي اللغة الأساسية في منزلها، كانت الرقباني تهوى تعلم هذه اللغة منذ كانت طالبة في الجامعة، ولم تكن تعلم أن هذه اللغة التي أحبتها هواية ستكون الأهم في حياتها، بدأت في البحث عن أطفال وشباب قياديين من الصم، وقامت بتنظيم المؤتمرات والجلسات، ومن ضمنها أول مؤتمر عالمي في الشرق الأوسط في مجال الصم وضعف السمع بعنوان «اسمع صوتي»، وكانت الكلمة الافتتاحية بلغة الإشارة، والسامع هو من احتاج إلى مترجم، فقد أرادت أن تثبت لمجتمع الصم أننا الأسوياء معهم وقادرون على التواصل، فقد قامت بتسليط الضوء على عدد من القيادات من الصم، ليكونوا مثالاً لغيرهم، ولكي تجعل الأطفال يرون أنه لا شيء مستحيل، وأنهم يستطيعون القيام بكل شيء يحلمون به.

تدخل مبكر

تسعى الرقباني إلى محاولة دمج الأطفال من تلك الفئة في المحيط الاجتماعي، وتقديم التأهيل الصحيح للأطفال والأسر على حد سواء، عبر تجربة تعليمية تتناسب مع مؤهلاتهم النفسية وقدراتهم السمعية، خصوصاً احتياجاتهم التواصلية، وأكدت أهمية دورات وورش عمل تعليم الصم الموجهة للأسرة والطفل عبر لغة الإشارة والتعليم التواصلي في مجال النطق، لافتة إلى سعيها الدائم للبحث عن المعلومة من منطلق مسؤوليتها تجاه ابنتها، وتجاه جميع الأطفال المنتمين إلى تلك الفئة، مشيرة إلى أنها تحاول قدر الإمكان تذليل العقبات أمام أي شخص بحاجة إلى المساعدة، المهم ألا يخجل من طلب المساعدة والاستشارة، لكي يستطيع أن يجتاز محنته، لتتحول مع الوقت إلى نجاح وأمل.

تقول الرقباني: هناك عدة أمور تحمي أطفالنا وتحصنهم مما قد يواجهونه في حياتهم المستقبلية، أهمها الحرص على التدخل المبكر، أول خمس سنوات في عمر الطفل الأصم تساعد بشكل كبير في تطوره، نختصر فيها مسافات كبيرة في مرحلة العلاج والتي يجب أن تكون مكثفة في هذه الفترة العمرية، إلى جانب الاحتواء النفسي والتعليم وأشدد هنا على التعليم، وتقديم كل الخدمات المتاحة وتسخيرها لأجله ومحاولة إثرائه فكرياً ونفسياً وفنياً في كل المجالات، وأن نسهم بدمجهم في المجتمع، نصادقهم ونخالطهم.

دور الإعلام

تتمنى الرقباني أن يعم التسامح بين الأفراد، وأن يتقبل المجتمع فكرة الاختلاف، وأن يقوم الإعلام بتسليط الضوء على هذه الفئة بشكل أوسع، ويكون هناك عدد أكبر من المترجمين في كل مكان، حتى يتم الدمج بالطريقة السليمة، كذلك تشجيع الأولاد على التواصل بلغة الإشارة لتكون لغة ثانية إلى جانب اللغات الأجنبية الأخرى التي تدرس في المدارس.

وتؤكد الرقباني أن كل ما وصلت إليه والنجاح الذي حققته مع الأطفال يعود إلى دعم أسرتها وتشجيعها لها على استكمال الرحلة، التي باتت تقطف ثمارها، ليس فقط حينما ترى نجاح نورا، وإنما نجاح باقي الأطفال.

 

ادعموهم وافهموهم

تسعى الرقباني إلى إيصال رسالتها إلى المجتمع، وإلى تثقيف العائلات بكيفية التعامل مع الطفل الذي يعاني صمماً، مطالبة إياهم أن يدعموهم ويفهموهم.

Email