استجابة لصرخة طفل يصارع الوحدة: أليس «مكاني بينهم»؟

علي الجنيبي: 45 متطوعاً يفتحون نوافذ الأمل لـ«أطفال داون»

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع كل دمعة طفل عانى الحرمان، تجد أيادي تكفكف البكاء، وتعيد البسمة، وبين أوجاع كبار السن، ترى من يخفف عنهم ويحتويهم، ويرد لهم الجميل، ومع آهات النساء المقهورات، تشاهد من يساندهن ليجعلهن أقوى في مواجهة الحياة. خلف كل هؤلاء أناس أضاؤوا شعلة الأمل، وأعلوا قيمة الإنسان، ومنحوا الأمل للمستقبل.


لم يكن يدري عبدالله الجنيبي، ابن الاثني عشر ربيعاً، أن حالة الانطواء التي كانت تصيبه حين كان يقترب من أقرانه، فلا يجد منهم إلا صدوداً، وفي أحسن الأحوال نظرات من الشفقة، أن تفجر هذه الحالة ينابيع الأمل عند أخيه الأكبر، علي الجنيبي، الذي كان يراقبه عن بعد في كل أحواله وترحاله؛ يحزن لحزن أخيه الأصغر، المصاب بـ«متلازمة داون»، ويهلل فرحاً عندما يراه سعيداً.

بدأ علي الجنيبي يفكر في كسر جدار العزلة التي كان يعيشها عبدالله، وهو واقف وسط أقرانه في الفريج وهم يرفضون اللعب معه، ويبتعدون عنه وكأنه مصاب بمرضٍ معدٍ، لا يفهمون طبيعته، يلهون وصوت ضحكاتهم يتعالى شيئاً فشيئاً، وعبدالله جالس في زاوية بعيدة يشاهدهم ونظرة حزينة تعلو وجهه، لا يفهم لماذا يرفضون اللعب معه ويجتنبونه، على الرغم من أنه يكن لهم الكثير من الحب، وقتها شعر علي الجنيبي الأخ الأكبر بضرورة أن يجعل هؤلاء الأطفال يفهمون حقيقة المصابين «بمتلازمة داون» وقرر إنشاء فريق «مكاني بينهم» واختار ذلك الاسم لأن عبدالله من المفترض أن يكون مكانه وسط الأولاد يلعب ويضحك ويندمج بين أفراد المجتمع، وليس أن يقف منزوياً بعيداً غير مدرك عن سبب ذلك التجاهل والإهمال.


نجاحات متوالية
الفكرة تحولت إلى واقع، والحلم صار حقيقة، وبدأ التحدي في إيصال الرسالة للمجتمع بأن طفل «متلازمة داون» ليس خطراً على المجتمع حتى تبتعدوا عنه، وإنما هو جزء منه، وقطعوا شوطاً طويلاً في منع بعض الأفراد من التلفظ بكلمات قد تؤذي مشاعر هذه الفئة، ومعاملتهم بشكل طبيعي.

يقول علي: فكرت مراراً كيف أدمج أخي مع المحيطين به، فمصابو المتلازمة، وإن ولدوا بهذا المرض، لا يعني أنهم ليسوا كغيرهم من البشر، فهم يشعرون بالفرح والألم مثلنا تماماً، ومن حقهم أن يستمتعوا بحياتهم، وأن يشاركوا في المجتمع كأعضاء فاعلين من دون أي عوائق.

يصمت قليلاً، ويكمل حديثه قائلاً: ذلك الطفل المصاب يجب ألا نخجل منه، وهناك حالات كثيرة استطاعت أن تثبت ذلك وبجدارة، فنراهم أبطالاً في الرياضة، ورسامين محترفين بريشتهم يبهروننا بلوحات فنية يعجز اللسان عن وصفها، فهم يتمتعون بالكثير من القدرات والإمكانات، التي أثبتتها النجاحات المتوالية التي تحققت في الفترة الماضية وفي كل المجالات.


قصص تحدٍّ
يؤكد علي أن نظرة المجتمع لأصحاب الهمم تبدأ من المنزل، فإذا كانت العائلة تقدر وتحترم هذه الفئة، وتعطي لها الثقة وتفسح أمامها المجال للإبداع، فالمجتمع بدوره سيتعامل معهم بشكل لائق وسيقدر جهودهم، مشيراً إلى أن الوضع تغير كثيراً منذ إنشاء الفريق، فقد لاحظ تجاوباً كبيراً من الأفراد، فالأولاد في الفريج أصبحوا يلعبون مع عبدالله والأهالي عرفوا المعنى الحقيقي للمصاب بمتلازمة داون، فقد قام الفريق بعمل محاضرات وورش مختلفة والمشاركة في أنشطة وفعاليات، لنشر الوعي بين الأفراد بأن أصحاب الهمم هم أناس مبدعون، ويمتلئ المجتمع الإماراتي بالكثير من قصص التحدي لأصحاب الهمم التي تتسم بالإصرار والمثابرة والنجاح في كل المجالات، وقد أثبتت السنوات الماضية أنهم كانوا عند حسن ظن قادتهم ومجتمعهم فيهم.


ثقافة التسامح
فريق «مكاني بينهم» يتكون من 45 شاباً وشابة اجتمعوا جميعاً على حب العمل التطوعي، فغايتهم كانت واحدة وآمالهم هي إيصال رسالتهم إلى كل فئات المجتمع، ويضيف: الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أول من زرع ورسخ قيم العطاء، وجسد المعاني السامية للعمل التطوعي والإنساني، فأصبح هذا النهج سمة من سمات المجتمع الإماراتي، وأسهم العمل التطوعي بدور كبير في تنمية المجتمع وتماسك أبنائه وتوثيق روابط التعاون والتلاحم والإخاء، فيما بينهم، ونشر ثقافة التسامح، وفتح المجال لتفاعل أبناء الإمارات ومشاركتهم في مسيرة البناء والعطاء وعزز مفهوم العمل الجماعي المشترك لخدمة المجتمع.


فعاليات متنوعة
كرة السلة من الألعاب التي يفضلها علي وعبدالله حيث يحرصان على تخصيص وقت كل أسبوع لممارستها، إضافة إلى مختلف الرياضات التي يمارسها عبدالله بين حين وآخر، فهو يمتلك العديد من الهوايات، ولديه اليوم الكثير من الأصدقاء من جميع الجنسيات، حتى في الفعاليات دائماً هو من يقص الشريط، فهو صاحب وجه قريب إلى القلب.

يؤكد علي أنه كلما كثرت الأعمال التطوعية زاد عمل الخير، وقل عدد المحتاجين، ودولتنا وشيوخنا الكرام لم يقصروا في مد يد الخير والعون للجميع على أرض الدولة وخارجها، لذلك لا يقصر جيل الشباب في رد الجميل أو في المبادرة بالمساعدة كما تعلمنا، وقد ينظر البعض للعمل التطوعي بوصفه عملاً عادياً أو تمضية لوقت الفراغ، وهذا غير صحيح، العمل التطوعي قمة إنسانية كبيرة، لا يدركها إلا من يقوم بها.

باعث الأمل

يصطحب علي العتيقي أخاه معه في كل مكان، فهو من يمنحه الأمل ويهب له السعادة، فقد علمه العمل التطوعي كيف يساعد المحتاج من خلال بعض الأعمال الخيرية وتوزيع الطعام على المحتاجين، علمه أن هناك مواعيد للعمل، وأخرى للدراسة، وأوقاتاً للترفيه.

Email