الثمانينية لا تشعر بالراحة إذا مر يوم دون مساعدة أحد

«أم يوسف»خطوط أمل تسري في تجاعيد الزمن

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع كل دمعة طفل عانى الحرمان، تجد أيادي تكفكف البكاء، وتعيد البسمة، وبين أوجاع كبار السن، ترى من يخفف عنهم ويحتويهم، ويرد لهم الجميل، ومع آهات النساء المقهورات، تشاهد من يساندهن ليجعلهن أقوى في مواجهة الحياة. خلف كل هؤلاء أناس أضاؤوا شعلة الأمل، وأعلوا قيمة الإنسان، ومنحوا الأمل للمستقبل.

تجاعيد الزمن التي ارتسمت على وجهها وأناملها، لم تقف حاجزاً أمام أداء رسالتها في بث روح الأمل والتطوع، فقد اعتاد من حولها على رؤيتها، وهي تقف في الحر الشديد في شهور الصيف، لتقدم الطعام والماء للعمال، وتلبي لهم احتياجاتهم، وهي واقفة في المطبخ تساعد في تحضير الفطور للأسر المتعففة دون تعب أو كلل، وهي ترسم بسمة على وجه طفل صغير، لم تنتظر يوماً الوالدة فاطمة علي إبراهيم «أم يوسف» جزاءً أو شكوراً من أحد؛ فيكفي أن صدى أعمالها لاقى تقديراً من القيادة الرشيدة، فقد كرمها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بحفل أوائل الإمارات في العمل الخيري والإنساني، كونها أكبر متطوعة تبلغ من العمر 82 عاماً وتقضي وقتها ما بين إدارة الرعاية المنزلية في الشارقة حيث إنها عضو في فريق الخير والبركة التابع لدائرة الخدمات الاجتماعية والاهتمام بأولادها وأحفادها الصغار.

الماء البارد

اليوم الذي لا تتبرع فيه «أم يوسف» ولا تساعد أحداً، تشعر وكأن جبلاً فوق قلبها، حيث تضع ثلاجة عند باب منزلها ليتسنى للعمال تناول الماء البارد، تقول أم يوسف: الله سبحانه وتعالى لم يعطنا الرزق والطعام حتى نأكله وحدنا، بل لكي نشارك به غيرنا، العمال يقفون في الشمس لتشييد المنازل، ونحن نجلس في التكييف، فأقل ما يمكن تقديمه هو كوب من الماء البارد.

وتضيف: نحضر الطعام في رمضان وتأتي ابنتي لتوزيعه على المحتاجين، وقتها أشعر بسعادة غامرة، فقد تعلمنا من شيوخنا الكرم والأخلاق، فالقيادة الرشيدة حريصة على ترسيخ مبادئ البذل والعطاء والتفاني في خدمة الإنسانية، فهم القدوة الحسنة الذين يعطوننا دائماً الحافز والدافع لبذل المزيد من العمل والعطاء.

البساطة في التعامل

«أم يوسف» سيدة بسيطة في تعاملها، وحتى في منزلها تربي الدجاج حتى يوقظها الديك صباحاً لكي تصلي الفجر، تهتم كثيراً بالنباتات والأشجار في الحديقة، وتحب التطريز والخياطة؛ فكانت تحيك في الماضي العديد من الأثواب، ترى أن الحياة في الماضي كانت قاسية بعض الشيء فلم تكن الحياة سهلة مثل اليوم، حيث إن كل شيء متوفر ومتاح للجميع، ولكنها في الوقت نفسه كانت أبسط، فكانت تشتري بدرهم واحد السكر والخبز، وكانت هناك صلة قوية بين الجيران.

ما زالت «أم يوسف» تحتفظ ببعض الريالات القديمة، أما باقي المقتنيات التي كانت تمتلكها فحرصت على أن تهديها للمتحف.

من جانب آخر، لا تشاهد أم يوسف التلفزيون كثيراً رغم وجوده في غرفتها، فحياتها تتمحور حول عائلتها والعمل التطوعي والصلاة وقراءة القرآن في رمضان.

تربية النشء

أسرتها أغلى ما تملك فقد رزقها الله بأربع بنات وابن واحد، زرعت فيهم جميعاً حب العمل التطوعي، كذلك أحفادها الصغار الذين تصحبهم معها في الأعمال والفعاليات الخيرية التي تشارك فيها، فهي ترى ضرورة الاهتمام بالنشء الصغير وتربيته على العطاء، وتقديم المساعدة لغيره، وكما تشير أم يوسف إلى أن الطفل الصغير يقلد الكبير فالأمر ليس مجرد كلام أو محاضرات تلقيها أمامه دون أن يراها ويلمسها على أرض الواقع، لا بد من جعل الطفل جزءاً من الأعمال الإنسانية التي تقوم بها، وأن تزرع فيه قيم الإنسانية، وذلك ليكون لدى الإمارات جيل من الشباب المعطاء.

أحلام وأمنيات

لا توجد لدى أم يوسف أحلام أو أمنيات سوى أن ترى الخير لأبناء الإمارات وقيادتها الرشيدة، فهي تدعو لهم في كل صلاة. تقول أم يوسف: أحلامي كلها تحققت حينما قابلت صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حين تم تكريمي في حفل أوائل الإمارات، وقتها شعرت بالمعنى الحقيقي لكلمة السعادة، وجلست أدعو لهما بالبركة وطول العمر، ولم أعد أريد شيئاً من هذه الدنيا بعدما تباركت عيوني برؤيتهما، فقيادتنا هي التي تحثنا على عمل الخير وهي التي تمدنا بالأمل، فالتكريم المستمر لأصحاب الأعمال الإنسانية وإن دل ذلك فإنما يدل على حرص سموهما على دعم الجوانب الخيرية والإنسانية في المجتمع الإماراتي وترسيخ المبادئ الإنسانية والأعمال التطوعية ليعود نفعها على المجتمع بشكل عام.

قصص الجدات

تحمل أم يوسف في جعبتها العديد من القصص القديمة التي لا تمل من سماعها، وأنت جالس بجوارها، فتسرد وانت تنصت لها باهتمام، حكايات الماضي وكيف تطورت الإمارات بين الأمس واليوم.

Email