استجابة لصرخة أم واستغاثة طفلة

عائشة الشامسي تفتح نافـذة أمل لأطفال التوحد

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع كل دمعة طفل عانى الحرمان تجد أيادي تكفكف البكاء وتعيد البسمة، وبين أوجاع كبار السن ترى من يخفف عنهم ويحتويهم ويرد لهم الجميل، ومع آهات النساء المقهورات تشاهد من يساندهن ليجعلهن أقوى في مواجهة الحياة. خلف كل هؤلاء أناس أضاؤوا شعلة الأمل، وأعلوا قيمة الإنسان، ومنحوا الأمل للمستقبل.

لم يكن التوحد مرضاً معروفاً في المجتمع، فكانت هناك عائلات تظن أن ابنها مختل أو يعاني مرضاً نفسياً، ومنهم من ربط ابنه حول طاولة لاعتقاده بأنه مضطرب نفسي، وهناك من كان يمنعه من الخروج والتحدث مع محيطه.

هذه الحالات وغيرها ألهمت عائشة الشامسي، عضو هيئة تدريس في كلية التقنية، لتبني فكرة إنشاء مركز رأس الخيمة للتوحد بمساعدة عدد من المتطوعين، وقد زادها الأمر إصراراً استغاثة أم وصرخة طفلة، كانت هي الأخرى تعاني التوحد، ولم يكن لدى الأم أي فكرة عن ذلك المرض، وكيف تتصرف معه، وكيف تعامل ابنتها، فما كان من الشامسي، إلا أن تبدأ خطوات جادة ليس فقط لإنشاء المركز، وإنما للتعريف بماهية التوحد.

رؤية ضبابية

كان مرض التوحد وقتها يكتنفه رؤية ضبابية عند بعض من الأهالي، فبدأت الشامسي بعمل دراسات استطلاعية، والتعرف عن قرب إلى الحالات والتحدث مع الأهالي، لتنشئ فيما بعد مركزاً يستوعب أطفال الإمارة المصابين بهذا المرض الذي تنعكس تبعاته على جميع أفراد أسرة المتوحد، لتخفف معاناتهم.

رحلة بناء المركز لم تكن سهلة خاصة، حينما يغطي المركز 80% من تكاليف الأطفال، فقد تعرض للإغلاق أكثر من مرة، بسبب عجز التمويل، حيث اضطرت إلى أن تقترض مرتين لتسديد التزاماته المادية، فالمركز لا يتقاضى من أولياء الأمور سوى ربع المبلغ.

وهناك من لا يستطيع تحمل حتى الكلفة الرمزية للعلاج، فيتم التواصل مع جهات خيرية في الدولة لتحمل الكلفة، أو قد يقوم المركز بإسقاط هذه الرسوم عن المحتاجين تماماً، الأمر الذي أحاله في كثير من الحالات إلى «مؤسسة خيرية»، إضافة إلى أن تكلفة طفل التوحد في المركز تتطلب مبالغ كبيرة، خاصة أنه في حاجة إلى اختصاصي تربوي وآخر وظيفي، الأمر الذي يحتاج إلى ميزانية.

تشييد المبنى

مبنى المركز متواضع إلى حد كبير، والغرف بسيطة، ولكنها بين أروقتها تشعر بالحب والحنان، فالعاملون في المركز يولون اهتماماً كبيراً للأطفال، فتلمس انسجاماً تاماً، وعلى بعد خطوات خارج المركز هناك مبنى جديد سينقلون إليه عما قريب، وأصبح المبنى جاهزاً، ولكنه يحتاج إلى التأثيث من الداخل.

أصوات عالية

من ناحية أخرى، تشير الشامسي أنه من المهم حينما تتعامل مع الطفل المصاب بالتوحد أن تعرف جيداً متى يمكن أن تكون صديقاً له، ومتى يجب أن تعود معه طفلاً، وتلعب معه، كذلك متى تصبح مدرساً له، لكي تتمكن من توجيهه وتعليمه، وهناك من يستجيب سريعاً، ومن لا يستطيع التعبير عما بداخله، لأنه لا يستطيع التحدث، لذلك نستعين بالصور، لكي يشرح لنا ماذا يدور في عقله، وما الذي يريده، منوهة إلى أنهم في المركز يحاولون الاقتراب من الأطفال، لكي يخرجونهم من الغلاف الزجاجي المحاط بهم، وليتخلصوا من عدة أمور ترافقهم مثل رفرفة الأيادي، والانزعاج من الأصوات العالية، والخافتة والرؤية القوية، واضطرابات في النوم، فنحن نسعى إلى أن نجعل له حياة اجتماعية هادئة وسعيدة.

مواهب متعددة

الأطفال في المركز، كما تشير الشامسي، يتمتعون بمواهب عدة، فهناك موهبة موسيقية خاصة مثل العزف على بعض الآلات التي لم يسبق لهم تعلم العزف عليها لدرجة أن باستطاعة بعضهم عزف الألحان التي يستمعون لها لمرة واحدة بشكل دقيق، فالبعض يمتلك أذناً حساسة تستطيع التمييز بين التركيبات الموسيقية، والتعرف إلى مقاطعها المتكررة، وعزف المقاطع الموسيقية بطرق مختلفة، وهناك من يجيد التصوير ويفضل التقاط صور للمناظر الطبيعية، وآخر يصنع أشكالاً مبهرة من الصلصال، ويرسم بريشته الأشجار والزهور.

22

مركز رأس الخيمة للتوحد -كما تشير عائشة الشامسي- أنشئ من أجل حياة أفضل للأطفال والاهتمام بهم، وسيستمر من أجلهم، فهو يحتضن 22 طفلاً، وعلى قائمة الانتظار 10 أطفال.

Email