تزرع علماً فتحصد وفاءً

حمدة لوتاه..37 عاماً فـي تربية أجيال المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع كل دمعة طفل عانى الحرمان، تجد أيادي تكفكف البكاء، وتعيد البسمة، وبين أوجاع كبار السن، ترى من يخفف عنهم ويحتويهم، ويرد لهم الجميل، ومع آهات النساء المقهورات، تشاهد من يساندهن ليجعلهن أقوى في مواجهة الحياة. خلف كل هؤلاء أناس أضاؤوا شعلة الأمل، وأعلوا قيمة الإنسان، ومنحوا الأمل للمستقبل.

«قم للمعلم وفه التبجيلا... كاد المعلم أن يكون رسولا»؛ هكذا وصف الشاعر الكبير أحمد شوقي المعلم، في إشارة منه للدور الكبير الذي يقوم به في المجتمع، فهو لا يعلّم فقط، وإنما يربي الأجيال ويزرع القيم الإيجابيّة، وينشر بنور علمه المعرفة والثقافة، فيمحو به ظلام الجهل، فيغدو الجيل واعياً متعلماً نافعاً لوطنه؛ وهذه حال حمدة لوتاه، رئيس مجلس الأمناء بمدرسة دبي الحديثة، التي قضت أكثر من 37 عاماً في مجال التعليم، بذلت خلالها مجهوداً كبيراً، وأدركت المسؤولية الملقاة على عاتقها كونها قدوة للطلاب ومرجعاً لهم في تلقي أصناف العلوم والمعارف، فرسالة المعلم كما تشير لوتاه من أسمى وأشرف الرسالات لأنها تنشئ جيلاً سلاحه العلم والأخلاق والقيم.

جولة مدرسية

صاحبت «البيان» لوتاه خلال جولة في أرجاء المدرسة، فكانت البداية حينما أعطت أحد الصفوف درساً في «عطاء الإمارات» واستعانت بصحيفة «البيان» وبالمقال الذي يلقي الضوء على مجال التطوع في الإمارات، وأياديها البيضاء الممتدة في كل مكان، وكيف شرحت للطلاب أن العمل الإنساني في الإمارات أسلوب حياة، ويمثل قيمة إنسانية نبيلة، وسلوكاً حضارياً تؤمن به القيادة والشعب، وتناقلته جيلاً بعد جيل من مثلها الأعلى في ذلك القائد المؤسس لدولة الإمارات، وباني نهضتها، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي حث على البذل والعطاء، ولعب دوراً مهماً وإيجابياً في تطوير المجتمعات وتنميتها، ليتفاعل الطلاب مع حديثها، ويخبروها عن رغبتهم في التطوع وتقديم العون لغيرهم، فالطالب ناصر يحلم بأن يصبح طبيباً يداوي المرضى بالمجان، وطموح أمل بأن تكون محامية لكي تدافع عن الحق والمظلومين، كل هذه الأحلام، كما تراها لوتاه، بناها الأولاد في خيالهم لأنهم لمسوها على أرض الواقع في دولة الإمارات التي عرفت بحبها للخير ومدها يد العون لكل محتاج.

زراعة النباتات

انتقلنا برفقتها إلى إحدى حصص النشاط المدرسي الذي يقوم الأولاد خلاله بزراعة النباتات المختلفة، وسقيها بالماء، ساعدتهم لوتاه بالزراعة خاصة أن معظم النباتات الصغيرة في المدرسة قام الطلاب بزراعتها والاعتناء بها على أفضل وجه، فهي ترى أنه من الضروري زرعة الثقة داخل الطلاب، الاعتماد على أنفسهم منذ الصغر، وجعلهم يشاركون في مختلف النشاطات.

وفي أثناء تنقلنا بين الصفوف صادفنا بعض الطلاب الذين أبدوا احترامهم الكبير لشخص لوتاه، يقول الطالب بشر ناصر إنه يرى في أستاذته حمدة مثال العطاء، فبعد فقدانه أمه أصبحت هي بمثابة أمه التي تحنو عليه، تتفقد أحواله الدراسية وتشجعه على المثابرة وبناء شخصيته بالشكل السليم، أما الطالب سيف بالحصا فهو يؤكد أن لوتاه زرعت بداخله الاحترام والأخلاق هو وزملاؤه في المدرسة التي يعتبرونها منزلهم.

الأب والابن

العلاقة بين المعلم وطلابه صورة من علاقة الأب بأبنائه، أساسها المودة وهدفها بناء جيل قادر على العطاء، تقول لوتاه: جاء إلى المدرسة طالب مشاغب في المرحلة المتوسطة، وكانت علاماته الدراسية منخفضة كثيراً، ويعاني سلوكاً عدوانياً، حيث كان ينام في الصف ويضرب الأولاد في الباص، أعطيته فرصة واحتضنته، وكأنني أمه وبدأت في تقويم سلوكه ومتابعة مهامه الدراسية وخلال 5 سنوات، تغير ذلك الطالب تغيراً ملحوظاً وأصبح ملتزماً، ليحصل على أعلى المعدلات في الثانوية العامة، ويلتحق بكلية الهندسة في أميركا، وتفوق في دراسته وعاد إلى الإمارات، ويعمل الآن في أعلى المناصب في الدولة، وحينما عاد من أميركا أهداني شهادته، وقال لي أنت التي تستحقين تلك الشهادة، لأنك بذلت مجهوداً كبيراً من أجلي.

تسجل لوتاه استغرابها من بعض المدارس التي تستقبل وتهتم فقط بالطلاب المتفوقين، وتهمل الطالب صاحب التحصيل الضعيف، تقول: «المدرسة لا بد أن تكون بمثابة المنزل الثاني للطالب، تدعمه وتشجعه على النجاح والتميز، وتعيد له الثقة في نفسه».

علاقة مستمرة

لا تزال تتلقى لوتاه بطاقات معايدة في المناسبات السعيدة من طلابها الذين تخرجوا، فهناك طالب دعاها إلى عرسه، وحينما شاهدها وهي تدخل إلى القاعة ذهب على الفور لاستقبالها وقبّل رأسها، وهناك من يزورها من وقت لآخر في المدرسة للاطمئنان عليها، فهي ساعدتهم على تكوين شخصياتهم وأطلقت لخيالهم العنان، وجعلت منهم طلاباً متفوقين.

Email