الوالدان سالم حمد بالعضيلي العامري وفهيد بن علي بن مفتاح الشامسي:

زايد عشق الهجن فمنح وسم «المركاض» أمجاداً عالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كبار المواطنين هم سارية الوطن وشراعه المخضب بالتقاليد والإرث العريق، مداد الأخلاق وحبر الوطنية الخلاصة، فقد كرسوا حياتهم للنهوض بالوطن وبناء أجيال تنبض قلوبهم بالهوية، تقاطعات جيل ما بعد الألفية تشد وثاق سفنها «أدقال» أجيال الاتحاد لتنقلها إلى شواطئ الثقافة العالمية وإيقاعها الذي يتجلى بالمعاصرة والمحافظة على الموروث، فنحن لا نعيش بين زمنين، بل نصنع لحظاتنا بين ذكريات استثنائية وإنجازات تستشرف المستقبل.

 

سعادتي عارمة ولا يمكن وصفها في ذلك الوقت، حينما التقيت المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد بن مكتوم آل مكتوم، طيب الله ثراهما، في سباق الهجن المقام بمناسبة زفاف المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم في الخوانيج في عام 1973، وكنت وقتها امتطي ناقة الشيخ سرور بن محمد «الخميسة» وفزت بهذا السباق ومنحت «الشارة» أو الجائزة، وكانت في ذلك الوقت بقيمة 4000 درهم، هكذا بدأ الوالد فهيد بن علي بن مفتاح الشامسي حديثه عن ذكريات تأسيس «المركاض» وسباقات الهجن المعاصرة، التي عشقها المغفور له الشيخ زايد وعمد إلى تطوير تقنياتها فمنحها وسم العالمية لتحقق أمجادها في كافة المحافل الدولية، خلال حضوره مجلس الشيخ ذياب بن محمد بن ركاض العامري عضو مجلس العين للشباب بمنطقة الساد في العين وبمشاركة الوالد سالم حمد بالعضيلي العامري.

تكريم المورث

وفى السياق يؤكد الوالد سالم أنه طالما كانت الإبل مصدر فخر واعتزاز لدى شعب الإمارات، لارتباطها العميق بالبيئة المحلية البدوية التي حافظت على عاداتها وتقاليدها المرتبطة بسباقات الهجن، ويعد المؤسس الأول لسباقات الهجن بمفهومها المعاصر، من خلال تطوير مضاميرها وتقنياتها وجوائزها، التي تحث المواطنين على المشاركة في جميع فعالياتها، التي تعد في الماضي مظهراً احتفالياً للأعراس، واليوم باتت وبفضل المغفور له من أهم السباقات العالمية، ومن أقواله الشهيرة «وفاء منا للإبل وما أسدته لأسلافنا ولنا من بعدهم من خدمات، وقت أن كنا نعتمد عليها في كل حياتنا وتنقلاتنا ورحلاتنا، فإننا نهتم بها ونكرمها لسابق أفضالها علينا وعلى أجدادنا».

اهتمام عالمي

ومن جانبه يؤكد الشيخ ذياب أن سباقات الهجن تعد جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الإماراتية ذات الصلة بالمورث والعادات والتقاليد المتوارثة، والتي خرجت من نطاق المحلية إلى العالمية، بفضل رؤية المغفور له الشيخ زايد، ففي عهده أقيمت أول سباقات هجن في التاريخ المعاصر، ورصدت لها جوائز مالية وعينية دفعت الناس إلى الاهتمام أكثر بالهجن.

وتقام سباقات الهجن سنوياً في مختلف إمارات الدولة، بينما تقام المهرجانات الختامية السنوية لهذه السباقات في كل من أبوظبي (سويحان والوثبة) ودبي ورأس الخيمة، ويتم في نهايتها تقديم جوائز عينية كبرى تشجيعاً لمُلاّك ومضمري الهجن العربية الأصيلة. كما بدأت هذه الرياضة تحظى باهتمام كبير في عدد من الدول الأوروبية، حيث تم تنظيم ثلاثة سباقات ناجحة خلال عامي (1998 و1999) في كل من ألمانيا وأستراليا برعاية اتحاد سباقات الهجن بالدولة.

هدية زايد

ويكمل الوالد فهيد حديثه عن علاقته بالشيخ زايد، والتي بدأت مع أول سباق يشارك خلاله بمناسبة زفاف المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد، والتي توالت فيما بعد وتحديداً في عام 1981 في منطقة الوثبة بمدينة أبوظبي والذي تم تشييده بطول 10 كيلومترات وبشكل دائري ومجهز بمنصة رئيسية حديثة تقع عند نهاية نقطة السباق في الميدان.

وفازت في الشوط الأول ناقة المغفور له الشيخ زايد، وفازت بالشوط الثاني ناقتي واستحقت «الشارة» وكانت عبارة عن سيارة دفع رباعي، وبعد انتهاء السباق التقيت المغفور له الشيخ زايد وأهديته ناقتي التي كنت قد اشتريتها في ذلك الوقت بما يقارب 8 آلاف درهم، وفي صبحية اليوم الثاني اتصل بي محمد بن سالم من الدائرة الخاصة للمغفور له الشيخ زايد، الذي أكد لي أن سموه منحني هدية عبارة عن مئتي ألف درهم وهو مبلغ لا يصدق في ذلك الوقت.

الشارة

ويلتقط الوالد سالم أطراف الحديث ويقول: منذ منتصف الستينات بدأت بحضور سباقات الهجن التي كانت جزءاً من طقوس الاحتفال بمناسبات الزفاف والمناسبات المهمة، وكانت ترتيبات إقامة السباق بسيطة، مثل مختلف مظاهر الحياة وقتها، وفي ساحة طويلة مفتوحة ولمسافة تعادل 5 أو 4 دورات أو ما يعرف حالياً بالأشواط، ولكنها كانت تحوز اهتمام الجميع وعلى رأسهم الشيوخ الذين يقدمون «الشارة» وهي الهدايا والمكافآت للفائزين.

وعندما كان يقام السباق في مضارب البدو في مناسبة كالزواج، كان يقوم العريس (المعرس)، أو أهله بتقديم الجوائز للفائزين، وكان الركيبة (من كان يركب الجمل خلال السباق)، من شباب ورجال بأعمار وأوزان مختلفة.

وتقارن سرعة الإبل المدربة بسرعة الحصان، حيث سجلت قدرة الإبل على السير مسافة 200 كيلومتر في 12 ساعة وهي مسافة تحمّل لا يستطيع الحصان قطعها في هذه الفترة الزمنية، كما أن الإبل تستطيع أن تركض بسرعة 40 كيلومتراً لمدة ساعة واحدة متواصلة ويستطيع الفرد أن يقطع مسافة 650 كيلومتراً على جمل واحد في مدة أربعة أيام.

نقل الأجنة

وحول أهمية التطور التكنولوجي الذي رافق سباقات الهجن، يؤكد الشيخ ذياب أنه وبناءً على توجيهات المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، تم إشهار «اتحاد سباقات الهجن» برئاسة سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في منطقة الظفرة في العام 1992، كما تم إنشاء مركز بيطري للهجن في عام 1990، في منطقة الحيلية بالقرب من مطار أبوظبي الدولي، على الطريق بين مدينة أبوظبي ومنطقة سويحان. ويركز قسم التوليد علي تهجين إبل جيدة من نسل محلي أصيل لأغراض السباق، وذلك باستخدام تقنية نقل الأجنة وهذه عمليات غير مسبوقة في أي مكان آخر بالعالم.

 

في سطور

بفضل الدعم المتواصل من القيادة الرشيدة باتت السباقات الدورية السنوية للهجن من أهم الفعاليات ذات الطابع التراثي والثقافي ما للدولة فاحتلت مكانا مرموقا بين الرياضات التراثية حيث تعمل الإمارات على توفير الدعم المادي لشراء الهجن وتدريبها. وتم إنشاء ميادين السباقات المجهزة وفقا لأعلى مستويات التجهيز وتشييد مرافق تدريبها وإقامة المستشفيات البيطرية إضافة إلى مدرجات تتسع للآلاف من المتفرجين

اختراع «الآلي»

يؤكد الشيخ ذياب ان الفضل في تطوير تقنيات سباقات الهجن واهم عناصرها هو "الركبي" أي من يركب الناقة في السباق يعود الى دعم وتوجيهات ورؤية السمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة أ الذى حدث نقلة حقيقة على مستوى سباقات الهجن في الدولة، عبر دعم سموه لفكرة سالم غانم بن يداه المنصوري في عام 2006الذى استبدل العنصر البشرى في المنافسة التي كانت تكون محتدمة في كثير من الأحيان بحثا عن مواصفات مثالية "للركبي" ومنها خفة الوزن والخبرة ، وهو الأمر الذي جعل «الآلي» الذي حل محل «الركبي» على ظهر المطية، اختراعا مدهش حاز على اهتمام الخبراء والملاك وحظي بدعم القيادة الرشيدة ودخل الآلي إلى ميادين الإمارات في العام نفسه، ليشكل طفرة حقيقية في عالم سباقات الهجن، وأعلن سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة عن اعتماد اختراع المنصوري لتعم الفرحة في الميادين، وكان سموه صاحب فكرة البحث عن بديل للركبي الأدمي، وكان سموه متابعا بشكل دائم لخطوات اختراع بن يداه.

وكان التعامل مع «الآلي» هو التحدي الحقيقي لمضمر المطية، لاسيما وأنه كان يحتاج إلى تعامل من نوع خاص عن طريق الريموت كنترول الذي يتحكم فيه عن بعد، ولم يستغرق الملاك كثيرا حتى يعتادوا الأمر ويصبح هو الحل الأمثل والأسهل لتحقيق البطولات.

إعداد «السبوق»

يمر إعداد الإبل «السبوق» عن طريق اختيار الهجن من حيث النوعية والأصالة والعمر ومن ثم «التضمير»، وهي مرحلة إعداد الهجن للسباق، وذلك بالتخلص من الشحم الزائد في الجسم، وبذلك تخضع لتغذية معينة ومحددة مع تدريب مستمر، وأخيراً يتم تدريب النوق من خلال محاذاتها ببكرة أو قعود ليبدأ معها الانطلاق، ومن ثم ينحرف عنها فتستمر هي بالانطلاق في السباق.

وهو ما يعرف محلياً بــ «القلص»، في حين أن «التفحيم» يعد من مراحل التدريب الأخيرة لإكسابها لياقة بدنية، ويكون ذلك قبل المشاركة في السباق، ثم يليه «التحفيز» أي تهيئة الناقة لإلقاء ما في بطنها من الطعام للمشاركة في السباق.

Email