الوالدتان عائشة سعيد وحليمة علي في رحاب معرض مشاريع تخرج طالبات «جامعة زايد»

الفنـون والصناعات الإبداعية.. ابتكارات إماراتية تنطلق إلى العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كبار المواطنين هم سارية الوطن وشراعه المخضب بالتقاليد والإرث العريق، مداد الأخلاق وحبر الوطنية الخلاصة، فقد كرسوا حياتهم للنهوض بالوطن وبناء أجيال تنبض قلوبهم بالهوية، تقاطعات جيل ما بعد الألفية تشد وثاق سفنها «أدقال» أجيال الاتحاد لتنقلها إلى شواطئ الثقافة العالمية وإيقاعها الذي يتجلى بالمعاصرة والمحافظة على الموروث، فنحن لا نعيش بين زمنين، بل نصنع لحظاتنا بين ذكريات استثنائية وإنجازات تستشرف المستقبل.

باتت الفنون الإبداعية من أهم القطاعات التي تشكل مستقبل الحضارة لدورها في تنمية الاقتصاد العالمي إلى جانب تعزيز الهوية المجتمعية ذات الصلة بالتصاميم المبتكرة في مضمونها الفني والعملي، الوالدة عائشة سعيد زارت معرض مشاريع تخرج طالبات جامعة زايد برفقة الوالدة حليمة علي، الذي أقيم في حي دبي للتصميم وتعبر المعروضات فيه بمجملها عن مواهب الابتكار والإتقان عبر طرح العديد من الموضوعات ذات الصلة بالبيئة المحلية وتقاليدها.

العيب المجتمعي

وخلال جولتهما في المعرض، استوقف الوالدة عائشة مشروع الطالبة فاطمة سعيد التي تتطرق إلى مفهوم العيب والحرام من خلال تصميم استبيان قياسي على لوحه جدارية كبيرة، تحوي صناديق متعددة يرتبط كل منها بسؤال ذي صلة بالعيب والحرام من وجهة نظر المجتمع المحلي، وعلى سبيل المثال، سفر الفتيات إلى الخارج من دون الأسرة. وأرفقت الطالبة صناديق الاقتراع بدوائر ملونة، ولكل منها صفة تسهم في تقييم آراء الزوار فاللون الأحمر يرمز للرفض والأخضر يرمز للموافقة أما الأصفر فهو رأي محايد.

نسيج الثقافات

وتؤكد الوالدة حليمة إن هذا المشروع يتناول كافة المتغيرات المجتمعية التي تحققت بعد دخول المرأة معترك الحياة العملية والمهنية، حيث بات من المتوقع أن تكمل الكثير من الفتيات دراستهن خارج الدولة، ولكن ما زالت عائلات عديدة ترفض ذلك من منطلق العيب والحرام، وهي من المفردات التي تدخل ضمن نسيج الكثير من العادات والتقاليد التي تختلف ثقافاتها من مجتمع إلى آخر. وقد تفتقد في الكثير من الأحيان إلى المنطق حيث أوجدت الكثير من العائلات العديد من المبررات التي تحمل بين طياتها تشكيكاً وخوفاً من كلام الناس. وهذا لا يطال فقط سفر البنات، بل أيضا يمتد إلى تحقير بعض المهن والحرف المتوارثة؛ وبالتالي يتوقف الأبناء عن امتهان مهن الآباء والأجداد، تجنباً لردود الفعل المستنكرة والرافضة.

تأثير مستدام

ومن جانبها، أكدت الطالبة فاطمة إن جميع مشاريع الطالبات المشاركات تتعدى مجرد الاهتمام بالجماليات وإنشاء التصاميم، بل هي أيضا تعكس بعناية بدلاً عن ذلك لسعة نطاق المعرض والمقدرة الفريدة لكل من تلك الأعمال على خلق إمكانيات حقيقية وتأثير مستدام على أرض الواقع. ولقد تمت دراسة جميع المشاريع التي تم تقديمها من خلال التساؤل عن السبب الكامن وراء ابتكار المنتج، إذ تستدعي الاحتياجات المحلية المختلفة حلولاً جديدة ومثيرة يتم التوصل إليها من خلال الظروف الثقافية والمادية الفريدة لكل تصميم، وهو يقوم بدوره بالتعريف بتحديات لم تتم معالجتها بشكل وافٍ مسبقاً، علاوة على طرح وسائل وسبل جديدة للتفكير.

جيل واعد

وأكدت الوالدة حليمة أن كثيراً من الموضوعات التي صممتها الطالبات ترتبط بالتنمية المجتمعية والثقافية، وتساهم في التعبير عن التطلعات المستقبلية لدولة الإمارات العربية المتحدة، والقضايا الاجتماعية والثقافية ذات الصلة الوثيقة بالبيئة، والرؤى التي تعبر عن جيل الشباب. كما أبرزت الفنانات الواعدات خلال أعمالهن أصواتهن الإبداعية ومكوناتهن الثقافية وتجاربهن المعرفية التي تعكس التزامهن بالربط بين الابتكار والواقع المُعاش، كما تعكس التصاميم بشكل عام انشغال الفنانات بالغوص والاستكشاف في مجموعة متنوعة من الموضوعات، إلا أن رابطاً جوهرياً واحداً يجمع بينها وهو الصلة الوثيقة بالبيئة في مجالات التنمية المجتمعية والثقافة والمستقبل الشامل لدولة الإمارات العربية المتحدة.

مبادرات نوعية

وفى السياق، أكدت الطالبة شهلة جمال التي تدرس في جامعة زايد تخصص تصميم الجرافيك أن دولة الإمارات تولي اهتماماً كبيراً بتطوير قطاع الفنون والتصميم الإبداعية القائمة على الابتكار وتوظيف طاقتنا المعرفية نحو التطلع إلى المستقبل لنكون اللبنة الأساسية لانطلاق مشاريع ومبادرات نوعية، تسهم بدورها في المكانة الثقافية للجامعة، وزيادة القيمة المضافة للصناعات الإبداعية في الاقتصادات الخليجية، وزيادة التنويع الاقتصادي لديها، بما يقود إلى أن تتحول إلى مركز إقليمي لهذه الفنون عبر قطاعاتها المختلفة ومنها التصميم الداخلي، التصميم الغرافيكي، الرسوم المتحركة، والفنون البصرية.

عاصمة الإبداع

وفيما يتعلق بأهمية معرض مشاريع تخرج طالبات جامعة زايد للفنون الإبداعية تقول الطالبة فاطمة إن المعرض يعزز مكانته كعامل محفّز ساهم في رسم ملامح دبي لتكون عاصمةً إبداعيةً على مستوى المنطقة. فعلى مرّ السنين تمكنت الخريجات من منح الجمهور المطلع على المشاريع منصةً استثنائية لعرض إبداعاتهم. التي تعكس هوية المدينة العريقة من داخل حي دبي للتصميم الذي يجمع لمنصة تجمع تحت مظلته أبرز المواهب الإبداعية وتستكشف أبعاداً تتجاوز حدود المتوقع وتحتضن مقومات التوازن الكامنة في الشغف والابتكار الذي يدفع المدينة نحو مزيد من التقدم والازدهار.

تقدير الذات

وحول سؤال الوالدة عائشة للطالبة شهلة عن أهمية مشروعها، الذي جاء بعنوان فلسفة الحياة، تقول: أعتقد أن تقدير الذات هي نقطة ارتكاز لتكوين حياتنا الشخصية وفلسفتها ضمن نطاق المجتمع والاندماج في كافة نشاطاته بثقة واعتزاز، وذلك لتجنب بناء الكثير من الحواجز النفسية بيننا وبين من حولنا، وما يترتب على ذلك من فهم مغالط لشخصيتنا الحقيقية عبر رسائل ومؤشرات قد تكون غير صحيحة، ولكن طريقة تعاطينا مع الكثير من المواقف قد تفرض ذلك، لذلك استعرض من خلال عملي الجرافيكي الكثير من الأمثال التوضيحية للمواقف التي قد نتعرض لها يومياً من تنمر وتجاهل من قبل الآخرين نحو المظهر أو الشكل الخارجي. وبذلك نجد أنّ خبرات الفرد ومواقفه التي يمرّ بها أثناء محاولته للتعايش مع البيئة المحيطة، تلعب دوراً أساسياً في نمو مفهوم الذات وتطوره، عن طريق سلوكه.

إبداعات شابة

يؤكد عميد كلية الفنون والصناعات الإبداعية بجامعة زايد الدكتور كيفن بادني أن بكالوريوس الفنون الجميلة يشمل على تخصصات فنية مختلفة، هي: التصميم الداخلي، والتصميم الجرافيك والفنون البصرية والرسوم المتحركة، إلى جانب تخصص ثانوي في إدارة المعارض، وهي تشترك مع كلية علوم الاتصال والإعلام وكلية الابتكار التقني في الجامعة في طرح بكالوريوس العلوم في تصميم الوسائط المتعددة.

وأكد الدكتور كيفن أن خريجي الكلية حاصدون للعديد من الجوائز المحلية والعالمية، التي تعكس المهارات والقدرات الفنية التي صقلوها خلال دراستهم الأكاديمية، ومن هذه الجوائز: جائزة كريستو، جائزة الشيخة منال للفنانين الشباب، برنامج منحة سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين، مسابقة قصر الحصن التابعة لهيئة السياحة والثقافة في أبوظبي وغيرها.

ومن جانب آخر أشار الدكتور كيفن أن أعمال خريجي الكلية تحظى بالكثير من الإشادة والتقدير من خلال مشاركاتهم المتميزة في معارض محلية وعالمية، أهمها: معرض «تعابير إماراتية»، «آرت دبي»، برنامج «أيه. أي. أر دبي ريزدانس»، معرض «سكة» الفني في دبي، معرض المختبر «ذا لاب» في نيويورك، و«المعرض الفني» في البندقية، معرض «آي آر سي» للفنون في مدينة بريزبين الأسترالية، ومتحف الفنون «إيلاي وإيديث» في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية.

تقارب الثقافات

الفنون ظاهرة إنسانية عالمية ومرآة الحضارات على مر الأزمان. واليوم في عصر تتقارب فيه الثقافات، ترتسم الفنون الجميلة بأفرع تخصصاتها المتنوعة، لا سيما في مجال الفن والتصميم لغة تثاقف تسمو بها مجتمعاتنا اليوم وأداة إبداعية تخدم القضايا الإنسانية تحتل الفنون مكانة هامة في النسيج الثقافي المجتمعي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتلقى اهتماماً متزايداً في أوساط أرباب الأعمال وصنّاع القرار، في خلق بيئة أدواتها التواصل الإبداعي، تقيس المسائل من منظور فني راقٍ لا يشبه غيره. في أروقة كلية الفنون والصناعات الإبداعية، يعيش الطلاب والطالبات تجربة تعليمية متفاعلة تهدف إلى تطوير أطرهم التعاونية وتحفيز مواهبهم الفطرية، وتعتمد تطبيق أحدث التقنيات في عالم الفن والتصميم داخل الصفوف التعليمية وفي المختبرات العلمية، بما يفتح لهم الآفاق الواسعة لترجمة مواهبهم وإبداعاتهم الفنية على نطاق عالمي.

كلمات

يتمتع الجيل الجديد بقدرات كبيرة على الإبداع والابتكار والتفكير بالمستقبل والاستثمار الأمثل للتقنيات الحديثة التي أصبحت متوافرة بشكل كبير، وفي متناول يده فليس ما يميز الناس هو الذكاء وإنما الفضول للبحث عن الجديد والابتكار في المستقبل، والقدرة على التخيل بصورة ابتكارية وإبداعية، فكلما كان الفرد يمتلك قدرات على التخيل والتفكير بطرق متجددة، كانت هناك إمكانية لاكتشاف مجالات جديدة.

Email