الوالدان صالح البلوشي وحسن البناي يتذوقان نكهات تغازل العالمية

المطبخ الإماراتي.. يرتدي ثوب الحداثة ببدائل صحية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كبار المواطنين هم سارية الوطن وشراعه المخضب بالتقاليد والإرث العريق، مداد الأخلاق وحبر الوطنية الخلاصة، فقد كرسوا حياتهم للنهوض بالوطن وبناء أجيال تنبض قلوبهم بالهوية، تقاطعات جيل ما بعد الألفية تشد وثاق سفنها «أدقال» أجيال الاتحاد لتنقلها إلى شواطئ الثقافة العالمية وإيقاعها الذي يتجلى بالمعاصرة والمحافظة على الموروث، فنحن لا نعيش بين زمنين، بل نصنع لحظاتنا بين ذكريات استثنائية وإنجازات تستشرف المستقبل.

تطوير هوية المأكولات الإماراتية لترتدي ثوب الحداثة في الشكل وطرق التقديم إلى جانب إيجاد بدائل صحية لبعض المكونات الدسمة، دون أن تؤثر على عراقة النكهة، كانت مثار اهتمام المطبخ الإماراتي العريق بهويته الوطنية عبر توثيق الوصفات العربية، ومن ثم تقديمها بشكل عصري يساعد على انتشارها وتصدرها العالمية مذاقتها التي لا تنسى، دفعت الوالدين حسن البناي وصالح البلوشي إلى تلبية دعوة نورة المري أخصائية التغذية لتجربة نكهات متجددة للوصفات المأكولات الشعبية عبر تقنيات أكثر صحية وأقل دسماً كتلك التي يقدمها مطعم سيفن ساندس.

تنوع المذاق

وفى بداية ترحيب نوره المري ومدير المطعم رشيد لصفر، بالوالدين في مقر المطعم الواقع في منطقة «ذا بيتش» بدبي، قائله: «إذا كان الطعام الطازج، التقليدي والصحي ما تبحثان عنه، فقد وصلتما إلى المكان الصحيح فكما تعلمون وبصفتنا شعباً صحراوياً وجبلياً وساحلياً، فنحن نمتلك تنوعاً غنياً بالنكهات والوصفات المتوارثة من جميع مناطق البلاد، التي قد تأثر بعضها بالعديد من العوامل أهمها طرق التجارة والملاحة، التي فتحت خطاً مباشراً لتبادل الثقافات وأسرار الطهي، والبهارات التي تعد في كثير من الأحيان من أهم مكونات الطبق».

وفي هذا السياق، قال الوالد حسن: «إن فنون الطهي من النشاطات الملهمة في حياة الشعوب والتي تجد دعماً وتشجيعاً كبيرين في الإمارات، لما تحمله بين طياتها من تأثيرات ثقافية وابداعية، فكل مجتمع يحاول تأصيل هويته بانفراده بثقافة طعامه التي تختلف عن الآخرين، وقد لا يروق طعام قوم لقوم، لكن في النهاية يبقى الطعام هو أحد خصائص المجتمع الذي يميزه عن الآخرين.

واليوم بات يؤدي دوراً تفاعلياً في تقريب وجهات النظر وخلق أجواء من التلاحم والتسامح المجتمعي، الذي يبحث بشغف عن أهم نقاط ومحاور التلاقي والاختلاف ويحرض على المزيد من تبادل لأفكار، التي سرعان ما تسير في اتجاه التمازج والتعايش على كل المستويات».

وجبات سريعة

ويؤكد الوالد صالح البلوشي ان التراث العربي للمأكولات هو بصمة الشعوب، لم يتأثر كثيراً بظهور مطاعم الوجبات السريعة كما يظن البعض، بل على العكس تماماً، بات الناس اليوم اكثر إدراكاً ووعياً إلى مضار تلك الوجبات نظراً لاحتوائها على نسبة كبيرة من الدهون والبروتينات فإنها تسبب السمنة المفرطة وتصلب الشرايين وأمراض القلب والأوعية الدموية والإصابة بمرض السكر. لمن يتناولها دائما.

وتؤكد نورة: ان الأكل الصحي لا يعني تبدل الطعم والنكهات الشهيرة لطبق ما، فعلى سبيل المثال، حساء الخضراوات واللحمة والتي تقدم مع الرز الأبيض في الإمارات وإحدى اهم المأكولات الشعبية، التي تحتفظ بأصالتها الى يومنا هذا، ولكنها في المقابل غنية بالسمن العربي والبهارات والتوابل، التي ننصح كخبراء للتغذية بتقليل الدهون في الطهي بشكل عام او إيجاد بدائل صحية للسمن العربي ومنها زيت الزيتون وكذلك استبدال السكر في الأطعمة بالعسل، الى جانب تناول حصص معتدلة في كل مرة لتحقيق التوازن المطلوب للجسم ويحافظ على الصحة والرشاقة التي تسير بالتوازي مع اعتياد رياضة المشي بشكل يومي ولمدة 15 دقيقة فقط فيما يتعلق بكبار المواطنين، فالحرمان الكامل من تناول المأكولات المحبوبة من وصفات المطبخ الشعبي ليست بكل تأكيد هي الحال، بل يمكن الحال كما قلت سابقا في التوازن ومراقبتنا اليومية لطبيعة الغذاء الذي نتناوله في كل وجبة.

تمازج عالمي

ويعتقد رشيد لصفر ان حفظ التراث العربي للمأكولات هو حفظ لغنى وتنوع يعطي الثقافة هويتها ومقوماتها.

ومع التغيرات السريعة هناك حاجة ماسة لرفع الوعي وإبراز أهميته بكل عناصره مهما كانت بسيطة وكذلك ضرورة حفظه بطريقة مناسبة للاستفادة من الفوائد الكامنة من حفظ هذا التراث، حيث إن الهجوم على العولمة لا يعني أبداً صمّ الأذان ومنع التغيير وإنما التمسك بالهوية والتميُّز مع الاطلاع والاستفادة من التجارب العالمية وتطبيقها بما يتناسب والذوق المحلي وكذلك الاستفادة من التقنيات الحديثة للاتصالات لإيصال إنتاجنا وتراثنا وتجاربنا أيضاً.

إن تراثنا بكل غناه ليس فقط «ماضيا» نتذكره ونفخر به فقط وإنما يجب أن يكون منجم فوائد معنوية ومادية معاً في وقت، تأكيد هذا لا يعني أبداً أن نكون مُنغلقين على أنفسنا كي لا نتأثر بما يحدث ونُحافظ على تقاليدنا ولكن من الضروري أن نعي ما نتأثر به ونحن ثابتون على أساسنا المحلي الصلب الذي يحفظ لنا «هويتنا» لا أن نتبنى أي شيء فقط لمواكبة الحداث.

القرص المفروك

ويشير الوالد حسن ان عليه من اليوم إيجاد بديل صحي لطبقه المفضل في فصل الشتاء وهو «القرص المفروك» الذي يتكون من الدقيق وقليل من الملح ويضاف إليه السمن والتمر، ويعجن ثم يفرد على هيئة قرص كبير.

ولم يكن قديماً يلف في القصدير ويطرح بين الجمر الذي ويترك حتى ينضج وعلامة ذلك احتراق الطبقة العليا نوعاً ما، وبعد ذلك يترك ليبرد ويقطع ويضاف إليه السمن ويفرك بين الكفين. ثم يسكب عليه العسل وربما يضطر البعض إلى ذر السكر في مرحلة سابقة حين يكون ساخناً وقبل إضافة السمن. عند عجن القرص وخلال عملية الفرد يجب ألا يكون رقيقاً ولا غليظاً، وكانوا في الماضي يفضلون استخدام حطب الغاف لصنع الجمر، حيث لا تصدر رائحة سيئة خلال عملية الاحتراق، ولا يعتبر القرص فاخر المظهر.

وتضحك نورة للتأثر البالغ للوالد حسن الذي عزم على مقاطعة اكلته المفضلة والتي تعوم على أطنان من السمن والتمر والعسل قائلة: ليس عليك ان تحرم نفسك من تناول الطعام والمأكولات التي تفضلها في كل موسم ولكن عليك فقط تنظيم ذلك، عبر تقليل كمية الطعام من كل صنف، وفيما يتعلق بوصفة «القرص المفروك» يمكنك المواظبة على تناولها كما ذكرت في الشتاء، ولكن ليس بشكل يومي فمرة او مرتين في الأسبوع، وقرص واحد يكفي ولن يحرمك من الاستمتاع بنكهته المفضلة لديك

عادات رمضانية

ثقافة المأكولات وعاداتها خلال شهر رمضان يستند إلى جذور عميقة ذات صله بالعادات المتوارثة عبر الأجيال من خلال وصفاته التقليدي وأطباقه وعاداته أشهر من أن تُشرح بغناها ومدلولاتها الاجتماعية، فمثلاً إكرام الضيف يكون بتقديم شتى أنواع الطعام الموجود، وطعام العائلة لا يكون فرادى بل يتم الانتظار لتجتمع العائلة كاملة، كما يوجد تنوع غني وتخصيص لأنواع الطعام حسب المناسبات أي هناك طعام محدد للأعراس و والأعياد وتشبيه الناس بأنواع الطعام «مثل السمن و العسل»، و كذلك توطيد أواصر الصداقة والتعاضد تكون بتشارك الطعام إضافة إلى الكم الهائل من الأمثال الشعبية التي تتعلق بالطعام، كما وتعكس الأسرة الإماراتية المعاصرة التوازن بين التقاليد والتطور، حيث تتميز العديد من البيوت المحلية الآن بالمبرز (المجلس)، وهو غرفة استقبال مجهزة بجلسات إماراتية تقليدية، حيث يمكن للضيوف الاسترخاء كما أن هناك بعض العادات و التقاليد لا تزال ثابتةً كما كانت سابقاً، مثل تناول القهوة والفواكه الطازجة والحلويات بدايةَ كل زيارة اجتماعية، ولا تزال تشكل عنصراً جوهرياً من الآداب المحلية، وهي رمز دائم للضيافة الإماراتية، وأطباق الطعام والشراب المقدمة كهدايا لا تزال متبادلة بين الجيران، وفي نطاق العائلة، وبين الأصدقاء، فضلاً عن تبرع العائلات الغنية بالطعام بسخاء، للمساجد والجمعيات الخيرية، خاصة خلال شهر رمضان.

فواصل ثقافية

حركة انتقال المواد في الخليج قد أسست لمجموعة من العلاقات وفتحت خطوط الاتصال بين حضارات المنطقة بدءاً بالحضارة المصرية والبابلية وانتهاء بالهندية والصينية منذ أمد بعيد، قد يكون أبعد من أي تاريخ حددته القطع الفنية الأثرية التي وجدها علماء الآثار في هذه المناطق، ويعتمد انتقال أنواع الطعام من مكان لآخر بشكل كبير على البيئة المجتمعية و السياسية، وهكذا قد تتغير التقاليد الغذائية في الطهي لمنطقة ما بناء على انتقال السلطة السياسية فيها، وعلى سبيل المثال فإن الحدود الجغرافية للبلدان لا تعني بالضبط حدوداً أو فواصل ثقافية فمثلاً نحن لا نستطيع أن نضع العالم العربي كله ضمن ثقافة طهي واحدة متجانسة.

تأثير الحضارات

تختلف أنواع ونكهات الطعام تبعاً لمورث المنطقة وتأثرها بحضارتها القديمة والتي بدورها تأثرت بالجماعة وبيئتها الاجتماعية والجغرافية والتاريخية، رغم الإطار العام الواحد للثقافات المحلية فإنها تبقى متنوعة ومتميزة ولكلٍ صفاته الخاصة، ويعد تاريخ المأكولات الخليجية والعربية وطريقة تحضيرها ومكونتها جانب هام جداً لقياس مستوى المعيشة والقيم الجمالية لمجتمع معين ذلك لأنه يعكس بأدواته وأنواعه الثراء النفسي والاجتماعي لهذا المجتمع.

Email