الوالدان علي سرور وصالح البلوشي

«دكان الحلاق قديماً».. للحديث دائماً بقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كبار المواطنين هم سارية الوطن وشراعه المخضب بالتقاليد والإرث العريق، مداد الأخلاق وحبر الوطنية الخالصة، فقد كرسوا حياتهم للنهوض بالوطن وبناء أجيال تنبض قلوبهم بالهوية، تقاطعات جيل ما بعد الألفية تشد وثاق سفنها «أدقال» أجيال الاتحاد لتنقلها إلى شواطئ الثقافة العالمية وإيقاعها الذي يتجلى بالمعاصرة والمحافظة على الموروث، فنحن لا نعيش بين زمنين، بل نصنع لحظاتنا بين ذكريات استثنائية وإنجازات تستشرف المستقبل.

 

في دكان الحلاق قديماً دائماً ما يكون للحديث بقية، ذلك الدكان الأشبه بصندوق الذكريات وحافظ الأسرار، حيث يسترجع الوالدان علي سرور وصالح البلوشي ذكرياتهما خلال تجوالهما بوجهة سيتي ووك، حيث قررا تجربة خدمات صالون زا آرت أوف شيفينغ، والذي يمكن من وجهة نظر الوالد صالح تحويل الحلاقة من طقس روتيني يومي إلى عملية استرخاء منعشة، نقلاً عن رواية أبنائه الذين كانوا يتحدثون عن هذا المكان كثيراً، وأن له فروعاً في نيويورك وموسكو وتمتلك أكثر من 150 متجراً في 67 موقعاً في الولايات المتحدة والعالم منذ إطلاقه من مدينة مانهاتن عام 1996، بواسطه فريق شاب يضم زوجاً وزوجته حملا رؤية طموحة لتقديم أفضل أساليب العناية بالبشرة ومنتجات الحلاقة الرجالية.

وخلال جلسة على مقعد الحلاقة قال الوالد صالح: في الماضي كان الذهاب للحلاق بمثابة الحصول على حصة كبيرة من القصص والنوادر، وحكايات العابرين وأخبار التجار وحركة البيع والشراء، ومن تزوج ومن أرسل أبناءه للدارسة خارج البلاد، الشباب والكبار جميعهم يتحلقون حول «بوسعيد» الحلاق ولا يملون من انتظاره وهو يتجول هنا وهناك بين الرجال للسلام والسؤال عن الخدمة المطلوبة لهذا اليوم، يعمل قليلاً، ويتحدث كثيراً، ويطل من الدكان ليلتقط ما يجرى من أحاديث السوق، وربما يدخل المكان من يحمل معه بعض الحلوى أو المأكولات التي جلبها خصيصاً للجالسين، حيث تدور فناجين القهوة وأقداح الشاي في أرجاء المكان، إنه مشهد لا يُنسى وعلى وجه الخصوص مساء كل خميس، لتهذيب اللحية وتقصير الشعر استعداداً لصلاة الجمعة في اليوم التالي.

بساطة الحرفة

ويقول الوالد عيسى الحلاق إلى جانب حرفته هو أيضاً من يقوم بعملية الحجامة لإخراج الدم الفاسد أو الزائد في جسم الإنسان، وشفطه عن طريق استخدام أداة لشـفط الدم وتجميعه في أماكن معينة من جسم، وهو أيضاً من يقوم بختان الأطفال، وفى كثير من الأحيان كان يبادر بوصف بعض العلاجات البسيطة إنقاذاً للموقف حيث يعالج الجروح والحروق، ويقلع الأسنان في حاله عدم توفر المطبب المتخصص بالتداوي بالأعشاب.

حركة السوق

ويضيف الوالد صالح: لم تعد محلات الحلاقة كما في السابق، فقد تغير كل شيء، وبكل تأكيد إلى الأفضل، من حيث الأدوات البسيطة التي كانت عبارة عن الموس وقطعة مستطيلة من الجلد يسن عليها الموس، وإناء صغير من المعدن وقطعة من الصابون وفرشاة وفوطة أو قطعة من القماش، كان «الحلاقين» أغلبهم لا يملك دكاناً، ولكنهم يجولون في الأسواق وهم يحملون صندوق تلك الأدوات، ومنهم من يختار له بقعة ما بالقرب من المحلات التي تكثر فيها حركة السوق ويغشاها الزحام.

ويعتقد الوالد صالح أن الدكان هو إحدى الوسائل التي يلجأ إليها الرجال لمعرفة أخبار العالم الخارجي، والوقوف على بعض أشكال المعرفة التي لم يكن الحصول عليها سهلاً في حينها من مكان آخر غير المقهى، ففيه تتم اللقاءات التي يتخللها الحوار المفيد، وفيه يتلقى الناس الأخبار من المسافرين القادمين من شتى البلدان الأخرى الأكثر انفتاحاً على العالم، سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية حيث كانت تتم جلسات وسفرات التجار عبر السفن إلى البصرة والهند وشرق أفريقيا.

مذياع الدكان

ويكمل الوالد علي من حيث انتهى الوالد صالح، مؤكداً أنه ونتيجة للأسفار البحرية أحضر بعض التجار المذياع من الخارج، وكان الالتفاف حول جهاز المذياع في دكان الحلاق تلك الفترة إحدى الوسائل التي من خلالها يتم تواصل أهل الإمارات مع العالم الخارجي والتعرف إلى ما يحدث من تطورات وأحداث لها تأثيرها إلى المجتمع الإماراتي، حيث كان المترددون على الحلاق يترقبون سماع أخبار إذاعة صوت العرب أو من خلال القسم العربي بإذاعة لندن وأيضاً سماع القسم العربي في إذاعة دلهي، بهدف متابعة الأحداث والتطورات الثقافية والسياسية والاقتصادية في العالم.

ويقول الوالد عيسى: لم تندثر مهنة الحلاقة عبر الزمن من أقدم الحرف وذلك لارتباطها بتهذيب المظهر وحسن الهندام الذي يعكس شخصية وطباع الرجل بين الناس، وباتت الحاجة لها اليوم من الأساسيات خاصة بعض ارتباطها بالتطور التكنولوجي الذي طرح العديد من المستحضرات والأدوات التجميلية الأسرع والأمن من الناحية الصحية، وباتت الصالونات متطورة في طرازها وديكورها والخدمات الشاملة التي تقدمها للزبائن.

ماكينة كهربائية

ويعلق الوالد صالح حول طبيعة الحياة المعاصرة وما واكبها من تتطور تقنيات الحلاقة قائلاً: وفقاً لمعلوماتي فقد بدأ مفهوم الحلاقة التي تعمل بالكهرباء يظهر للنور مع الكندي «جاكوب شيك»، الذي أعتقد أن الحلاقة السليمة قد تطيل عمرك إلى 120 عاماً، ما جعله يسعى لاختراع أول ماكينة كهربائية في مطلع العشرينات 1923، تتألف من يد حاملة ورأس به الشفرات وموتور ولم يطرح جاكوب اختراعه للنور حتى أتقن تصميمه، ومع بداية الثلاثينات أبهر هذا التصميم الجمهور وباع منه نحو 1.5 مليون ماكينة بقيمة 20 مليون دولار، ولتلك الماكينة القدرة على توفير الكريمات والصابون المستخدم في الحلاقة التقليدية، وتطور شكل الماكينة الكهربائية أكثر من مرة لجعل الحلاقة أكثر مرونة ومتعة مما مضى.

سيكولوجية الحلاق

وحول التفسير السيكولوجي لشخصية الحلاق المحب للثرثرة ونقل لأخبار، يعتقد الوالد علي، أن ظروف المهنة التي تفرض احتكاكاً مباشراً مع عدد كبير من الأشخاص في اليوم الواحد، وضرورة التفاعل والحديث من دواعي اللباقة وتسلية الزبون دفعت البعض من الحلاقين إلى استمرار الحديث ابتكار الحكايات المضحكة، وسرد المعلومات وباتت جزءاً من المكون الشخصي لكل من يمتهن تلك المهنة التي يظن الكثيرون أنها تعتمد على النظر بشكل رئيسي، ولكن على العكس تماماً هي مهارة ولا بد لصاحبها أن يتمتع بذوق رفيع في قص الشعر والتزيين وتعتمد على دقة بالغة وقدرة فائقة على استعمال أدوات حادة مثل المقص والموس من غير إصابة رأس الزبون أو تشويه وجهه.

في سطور

على مر العصور التاريخية لجأ الرجال إلى حلق ذقونهم عبر وسائل متعددة، منها مسح الوجه بنوع من الأحجار يطلق عليه «حجر الخفاف» وهو حجر بركاني خفيف به مسامات، يستخدمه بعض الناس في الحمامات لفرك أقدامهم، وشاع استخدام هذا الحجر في الحلاقة في عهد ملك إنجلترا تشارلز الثاني، وفي عام 1895 جرح مروج المبيعات الأمريكي «كنغ كامب جيليت» ذقنه وهو يستخدم تلك الأداة، ما دعاه للتفكير في اختراع شيء يستخدم للحلاقة لمرة واحدة ثم يرمى بعد ذلك في سلة المهملات، فخطرت له فكرة ابتكار شفرة من الفولاذ ذات حد قاطع يتم تثبيتها على قطعة حديد، ثم ترمى بعد الحلاقة.

أدوات مبتكرة

أول أشكال أدوات الحلاقة ظهرت في فرنسا عام 1762، وكانت عبارة عن قطعة طويلة من النحاس أو الحديد ذات شفرة حادة على أحد جوانبها، يتم شحذها بتمريرها مرات عدة على قطعة جلد مشدودة على الحائط، ومن جانب آخر كان استخدام تلك الأدوات ينضوي على قدر كبير من الخطورة، والأذى لمستخدميها نتيجة لعدم الخبرة أو الإلمام بالطريقة المثلى لاستخدامها، لكن الميكانيكي وليام نيكرسون استطاع تطبيق فكرة كامب جيليت بأن صنع له شفرة الحلاقة، وبعدها قام جيليت بتنفيذ تصوره عن الآلة التي يرغب في تثبيت الشفرة عليها، كما شرع على الفور في تأسيس أول شركة أمريكية لصناعة أدوات حلاقة آمنة عام 1901، إلا أنه لم يبدأ الإنتاج الفعلي لاختراعه إلا عام 1903، كانت مبيعات السنة الأولى مخيبة للآمال لعدم إقبال الناس على استخدام تلك الأدوات الجديدة، فكانت حصيلة مبيعات الشركة خلال العام كله 51 آلة و168 شفرة. بعد فترة من الوقت اعتاد الناس على استخدام آلة حلاقة «جيليت» بعد أن تأكد لهم سهولة استخدامها وفاعليتها في الحلاقة، مع خلوها من الأضرار التي تسببها أدوات الحلاقة التقليدية فزاد الإقبال على شرائها.

الحلاق المعمر

أنتوني مانشينيللي هو الحلاق الأكبر سناً في العالم، والذي ما زال يمارس مهنته حتى الآن، رغم بلوغه الـ107، وذلك في صالون الحلاقة الخاص به في بلدة نيو ويندرسون الأمريكية، وسُجل وهو في عمر96 في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، كأكبر حلاق في العالم لا يزال يمارس المهنة بحسب موقع «فان بيدج» الإيطالي. ولد مانشينيللي عام 1911 في مدينة نابولي الإيطالية، ثم انتقل هو وعائلته في عمر الـ8 للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت تعيش عمته. وبدأ مانشينيللي في ممارسة مهنة الحلاقة وهو في سن 11 في البيت الأبيض في فترة وارن جي. هاردينج الرئيس الـ29 للولايات المتحدة.

Email