الوالد محمد حسين يلبي دعوة الشباب

التداوي بالأعشاب.. الأب الشرعي لثورة تكنولوجيا الدواء المعاصرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كبار المواطنين هم سارية الوطن وشراعه المخضب بالتقاليد والإرث العريق، مداد الأخلاق وحبر الوطنية الخلاصة، فقد كرسوا حياتهم للنهوض بالوطن وبناء أجيال تنبض قلوبهم بالهوية، تقاطعات جيل ما بعد الألفية تشد وثاق سفنها «أدقال» أجيال الاتحاد لتنقلها إلى شواطئ الثقافة العالمية وإيقاعها الذي يتجلى بالمعاصرة والمحافظة على الموروث، فنحن لا نعيش بين زمنين، بل نصنع لحظاتنا بين ذكريات استثنائية وإنجازات تستشرف المستقبل.

اعتاد الناس في كافة أرجاء العالم على استخدام طب الأعشاب والتداوي بها، فمنذ ما قبل التاريخ، وحتى يومنا هذا لا يزال الناس يستخدمون هذا النوع من العلاج، وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية أن نسبة 80% من السكان حول العالم يعتمدون على استخدام الأعشاب كعلاج أولي، يرجع هذا الأمر إلى كون الأعشاب يمكن شراؤها بأسعار أرخص بجانب توافرها وإمكانية زراعتها، أما في يومنا الحالي فنجد توغلاً كبيراً للأعشاب بالطب. هكذا بدأ الوالد محمد حسين حديثه، وهو يلبي دعوة الشباب للاستفادة من معارفه في حقل التداوي بالأعشاب الذي مهد الطريق أمام ظهور تقنيات علاجية دوائية عالمية بنيت على وصفات الطب الشعبي، وبالتالي يعد بمثابة الأب الشرعي لعلم الصيدلة المعاصرة.

وفي السياق يخاطب الوالد محمد الشباب وهم في طريقهم إلى صيدلية «ابن سينا»، بأن اختياره وقع على هذه الصيدلية تحديداً، لكونها أول سلسلة صيدليات في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنتشرة منذ الستينيات، وحينما بدأت الثورة الصحية للعلاج المبني على نصائح الأطباء بدأ في صرف العلاج والوصفات الطبية عبر فروعها.

وخلال جولتهم في فرع الصيدلية بمجمع «سيتي ووك» الوجهة الترفيهية التابعة لشركة «مِراس»، تفحص الوالد محمد برفقة الشباب علي صنقور ومحمد جمال وعلي مسعود، العديد من الأدوية التي تعج بها الرفوف، والمتخصصة في علاج العديد من الأمراض، وطلب من الصيدلانية آمنة المشرفة على المكان، إطلاعهم على بعض الأدوية الحديثة التي تدمج وصفات الطب الشعبي بتقنيات الدواء المعاصر.

العطار

وحول ما إذا كانت العطارة شكلاً قديماً لفكرة الصيدلية اليوم، توجه الشاب محمد جمال بسؤاله هذا للوالد محمد الذي قال: العطارة من المهن القديمة في الإمارات، حيث توجد دكاكين العطارة القديمة في المدن الرئيسة مثل أبوظبي ودبي ورأس الخيمة والشارقة، ويعد العطار بمثابة الصيدلي أو العشّاب، نسبة إلى الأعشاب الطبية التي يقوم بإعدادها وبيعها للناس ومن أشهر العطارين بالإمارات من العين (محمد بن عبدالله بن علي – علي بن عبدالله المقبالي)، ومن دبي (أحمد بن حسين بن علي – محمد عبد الرضا غلوم)، ومن رأس الخيمة (غلوم حسين – وحسين غلوم) وغيرهم الكثير.

خبرة متوارثة

ويضيف الوالد محمد: الواقع أن طب الأعشاب كان الخطوة الأولى على طريق التداوي بالطب الحديث، يضاف إلى ذلك أن أهل الإمارات والخليج العربي عموماً عرفوا الطب الشعبي، وتوارثوا هذا النوع من الطبابة من جيل إلى آخر بوساطة أناس مختصين لا يسمُّون أنفسهم أطباء، ولكنهم أهل خبرة ودراية بالطب. وهذا النوع من الطب لا يعتمد على نظرية علمية أو قاعدة علمية أو تجارب معملية، وإنما على خبرة ومشاهدة انتقلت من جيل إلى آخر.. وإن كانت هناك بعض الأنواع تعتمد على بعض الأصول كعلاج الكسور مثلاً.

نباتات محلية

واستطرد الشاب علي مسعود أن العديد من الوصفات الشعبية ما زالت تستخدم إلى اليوم هي خلطات تقوم على طحن أو مزج العديد من الأعشاب المتوافرة في البيئة المحلية، وكما سمعت من جدتي كانت أهم تلك الأعشاب: عشبة تركة صالح وتستخدم لعلاج آلام الصدر، وعشبة جيشوم للإمساك، وعشبة الحرمل لعلاج آلام المفاصل وانتفاخ البطن والصداع، وعشبة الجعدة لعلاج مغص البطن وأمراض البرد، ونبات القبقاب لعلاج آلام الروماتيزم، وعشبة الخنصر لعلاج مرض السكر، وعشبة المهتدي التي استخدمت فاتحاً للشهية، وعشبة السريو لعلاج الكسور وأمراض العضلات، وعشبة الفوطن لعلاج الكحة والزكام وآلام المعدة، وعشبة الحلول لمعالجة الإمساك، وعشبة الحميض للأمراض المزمنة على المدى الطويل، كما أنها مزيلة للسمنة ومدرة للبول، ولها العديد من الاستخدامات في حياة الأهالي قديماً وحديثاً.

تركيب الخلطات

هل تريد أن تصبح مطبباً يا علي؟ ضحك الوالد محمد من قوة حفظ ومعلومات شاب من جيل اليوم على حد تعبيره، وأضاف: يسعدني اهتمامك بتراث التداوي بالأعشاب وسوف أخبرك أيضاً عن نبات «العنزروت» الذي كان يستخدم لتجبير الكسور، ونبات الظفر لعلاج الأعصاب والشد العضلي، ونبات الفوطن لعلاج آلام الأمعاء والزكام، ونبات الشوع لعلاج الأسقربوط والتهاب القناة التنفسية، كما أن أوراق شجرة السمر تستخدم في علاج الزكام، ومطحون الأزهار يستخدم في علاجات الجلد والشعر، ويستخدم مخلوط أزهار وأوراق السمر في علاج مرض الجدري والسل والمقوعة والحصبة وغيرها من الأمراض.

منافس الحداثة

أشار الوالد محمد في حديثه مع الشباب إلى أن التركيبات العشبية للخلطات تعتمد على مقادير دقيقة في الأوزان، حيث إن التركيبات العشبية يجب أن تحدد بمقادير دقيقة لخطورتها على صحة الإنسان، وهناك الكثير من الأعشاب آمنة إذا استخدمت بمفردها، إلا أن خلطها بأصناف أخرى يؤدي إلى تشكل مادة سامة على جسم الإنسان، ومن جانب آخر لا بد من أن نؤكد أن الطب الشعبي لعب دوراً مهماً في العلاج ولا يزال ينافس الطب الحديث في علاج الكثير من العلل مثل أمراض المفاصل والصداع المزمن ومرض السكر وعلاج ضغط الدم المرتفع والأمراض الجلدية وحساسية الصدر والشلل المخي للأطفال والشلل النصفي والخمول وتحسين كريات الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية وأمراض النساء والعديد من الأمراض التي يصعب على الطب الحديث معالجتها، كما تعمل الحجامة على وقاية الجسم من الأمراض وتنشيط الدورة الدموية.

الوسم والحجامة

اشتهرت في الإمارات العديد من العمليات والطرق العلاجية القديمة التي ظلت تمارس لفترة طويلة من الزمن، وهي عبارة عن ممارسات طبية يؤديها بعض المختصين من المطببين الشعبيين، ومنها الكي (الوسم) وهو أحد أنواع وأساليب العلاج الشعبي المتوارث في الإمارات، وكان الناس يلجؤون إلى هذا النوع من العلاج عندما تنعدم وتعجز كافة السبل العلاجية الأخرى، فيضطر الناس إلى اللجوء إليه طلباً للشفاء، وبعد أن يتأكد الطبيب من نوع المرض يحدد المنطقة التي سيسم عليها المريض، ويضع إشارة في هذه المنطقة مستخدماً الفحم ويعلم به منطقة الكي، ثم يحمل الميسم من على النار ويكوي به المريض، أما الحجامة فهي استخراج قليل من الدم من على سطح الجلد عن طريق جروح صغيرة على سطح الجلد، واستخدام كاسات زجاجية خاصة تسمى (كاسات الهوا) وهي عملية لا يحسنها كل شخص؛ لأنها تتطلب مهارة خاصة، وهناك فرق بين الفصد والحجامة، فالفصد يكون في العرق أما الحجامة فإنها تتم بمص الدم الفاسد من العضلات. وكان يمارس هذه المهنة في الإمارات الحلاقون.

مرض الغوص

كان «السمط» من الأمراض المنتشرة في الماضي، وكان يصيب الغواصين على وجه التحديد، وهو عبارة عن تشقق يظهر في جسم الغواص ويعالج بمركب من الأدوية يتكون من (الجفت – الكرط – الهليلي – الكركم) ويخلط مع الماء ويترك في إناء لمدة معينة فيصبح مرهماً ثم يؤخذ وتطلى به الأجزاء المصابة، ويعد داء الصفراء والمعروف محلياً تحت اسم «بوصفار» من الأمراض الشائعة أيضاً، وهو ما يعرف باليرقان ويعالج بطبخ (الجعدة) وتقديمها للمريض ليشربها ويدخن المريض بـ(شكر ميسوري) وذلك لطرد الحمى المصاحبة لهذا المرض. ويحضرون أحياناً دواء يتكون من أوراق «الشريش»، حيث تدق الأوراق وتعصر جيداً في قطعة قماش ويشرب المريض العصارة.

المطبب

الطب التقليدي أو الطب الشعبي محلياً مستمد من فنون العلاج عند العرب والمسلمين. وكان يعتمد على الكي والحجامة والتجبير والدفن والترفيع (القمز) ووصفات الطب النبوي، والأدوية المركبة من النباتات والأعشاب، إضافة إلى الطقوس العلاجية المصاحبة لمرحلة العلاج والتداوي من الأمراض المختلفة. والقائمون بالعلاج الشعبي في الإمارات هم المطببون أي الذين كانوا يمارسون مهنة الطب بالوراثة والخبرة والمعرفة والتجربة الذاتية والمطبب هو المعالج الذي يستخدم طريقة معينة يمارسها وتصبح مهنته ومصدر رزقه في بعض الأحيان.

Email