من البحر تعلموا فنون الأجداد

صناع القراقير .. ينسجون بأناملهم إرث التسامح

ت + ت - الحجم الطبيعي

لغاتهم مختلفة، عقائدهم متباينة، لكن أحلامهم تحلق في سماء التسامح؛ الإمارات، وطن المحبة والسلام. فهم أصدقاء مترابطون، تراهم يداً واحدة، يصفقون سوياً لطموحاتهم.. لأمنياتهم.. لواقعهم السعيد.. للأرض التي نشأوا عليها.. للمعاني النبيلة التي تشربوها صغاراً، ولازمتهم كباراً. في رمضان، نأخذكم في رحلة غنية، نكشف خبايا علاقاتهم، وخفايا صحبتهم، وما وراء عوالمهم الثرية.

 

هنا على الرمال ينسجون «قراقيرهم» بأياديهم الماهرة في تناسق مدروس، ودقة لا تخطئها العين. فأناملهم مدربة على صنعة مارسها الأجداد، وتنتمي إلى تراث زمن جميل، ومن البحر تعلموا فنون التواصل بين بعضهم البعض، فعملهم الجماعي يتطلب العمل بروح الفريق المتعايش والمتناغم، فكل منهم يكمل الآخر. «نقوم بعمل شاق ولكنه ممتع» يقول أحدهم، قبل أن يستدرك قائلاً، لكن ما يخفف عنا نسمات الصيف لغة الحب المشتركة بيننا، التي أذابت كل الفروق.

ويتابع: التسامح والصبر، وجهان لعملة واحدة هي البحر، فعندما تتأمل مشاهد الشروق والغروب تسمو نفسك عن الصغائر والأحقاد ويمتلأ قلبك بالحب والصفاء. والبحر أيضاً يعلمك الصبر في الرزق، لأنه يحتاج إلى بال طويل في صناعة القراقير لنحصد الصيد الوفير. يعمه تسامح، جمعت بين فريق جمعية دبي لصيادي الأسماك، فمن المدير إلى العامل تلمس أجواءً من العمل الدؤوب المتواصل وعطاء بلا حدود، فترى العامل وهو ينسج القرقور، لا يلتفت لمن حوله وكأنما صنع لنفسه عالماً آخر أما الإدارة فهي تسعى جاهدة لتحفيز العمال والوقوف بجوارهم لإتمام العمل على أكمل وجه.

الدعم والتشجيع

«نحاول إعطاء العامل الثقة في نفسه فور وصوله إلى الإمارات ونبدد الخوف من الفشل الذي يلازمه» هكذا بدأ عيسى المري، رئيس مصنع قسم القراقير والمعدات البحرية في جمعية دبي لصيادي الأسماك، حديثه معنا قائلاً: يأتي العامل إلى الإمارات وفي داخله هاجس يتمحور حول الخوف من الفشل وعودته مرة أخرى إلى بلاده خالي الوفاض، لذلك نسعى على دعمه وتشجعيه، وتعليمه حرفة صنع القراقير، حتى حينما تحدث أخطاء غير مقصودة نتغاضى عنها، ولا نحمل العامل أي خسائر مادية، فهنا في جمعية الصيادين يوجد العديد من الجنسيات المختلفة، نطلعهم على حقوقهم قبل واجباتهم ونعزز بداخلهم الإحساس بالأمان حتى تتلاشى الحواجز بيننا.

ويضيف: خلال الشهر الكريم نفطر سوياً على مائدة واحدة، وتسود أجواء من الحميمية بين الجميع، فنحن نعيش على أرض التسامح، التي تجعل الجميع بلا استثناء يشعر وكأنه يعيش في بلده بين أهله، فالعمل يكون مخففاً أثناء الشهر الكريم، ويبدأ بعد صلاة التراويح واختياري العمل أثناء الفترة الصباحية.

تراث المجتمع

القرقور كما يشير المري واحدة من أقدم الأدوات التي صنعها الآباء والأجداد، واستخدموها في مهنة صيد الأسماك قديماً، والعمالة الآسيوية تعلمتها منهم فأصبحوا بارعين في صنعها، فهي وسيلة صيد من صميم تراث المجتمع، وتلعب دوراً مهماً في تنشيط حركة الصيد، وزيادة الإنتاج السمكي، منوهاً أنه يوجد أشكال وأحجام مختلفة للقراقير منها كبيرة الحجم والمتوسطة والصغيرة، وأشكالها كذلك متعددة تستعمل لصيد جميع الأسماك تقريباً، والصيد باستخدام القراقير تعد طريقة جيدة لاصطياد الأسماك سواء في الأماكن الصعبة أو الأماكن الخالية من الشوائب والصخور.

روح الانتماء

أحمد شاهين، محاسب مصري، يعيش في الإمارات منذ 10 سنوات، ويعتبر نفسه ابناً من أبناء جمعية الصيادين، فمنذ قدومه إلى الدولة وهو يعمل فيها، تعلم منها الكثير ولا يزال يتعلم، فالاجتهاد والجدية في العمل والتميز، والسعي وراء الرقم واحد من أبرز الأشياء التي زرعت بداخله، مشيراً إلى أن العلاقة التي تجمع بين فريق العمل يسودها المحبة والاحترام المتبادل، فيذكر أنه حينما تعرض لإجراء عملية جراحية طارئة، فوجئ باهتمام كبير من الجمعية بداية من المدير وحتى العامل البسيط، الأمر الذي عزز بداخله روح الانتماء بصورة أكبر للإمارات، التي احتضنه منذ اللحظة الأولى التي جاء فيها إليها.

أصول المهنة

نعمت الله، عامل باكستاني، جاء إلى الإمارات عام 2008 وفي قلبه خوف وقلق من الفشل، فهو لا يعرف شيئاً عن صناعة القرقور، ولكن فور وصوله إلى الجمعية، بدأت الإدارة في الاهتمام به وتعلم أصول المهنة، فتبدد الخوف بداخله وتحول إلى ثقة، ليتعلم فيما بعد السياقة، وتطورت مهاراته بشكل كبير. يقول نعمت الله: أحب الإمارات كثيراً مثلما أحب باكستان، فلا يوجد فرق بينهما فالأولى تعلمت فيها أشياء كثيرة، وأصبح لدي أصدقاء، وعمل افتخر به، والثانية دولتي التي ترعرعت بها ويوجد بين أركانها العديد من الذكريات الجميلة. يصنع محمد العامل الباكستاني 20 «قرقور» في الشهر، يحيكه بدقة عالية، والابتسامة مرسومة على وجهه دون كلل أو ملل، فهو يعرف جيداً أن نتيجة اهتمامه بعمله، مكافأة سيعطيها له مديره. جاء محمد الإمارات منذ سبع سنوات، حيث تعلم أصول مهنة صناعة القرقور وأصبح محترفاً بها.

Email