كفالة الأيتام سعادة الدارين

ت + ت - الحجم الطبيعي

أمر الإسلام بالتكافل، ورتب على ذلك أجوراً عظيمة، من ذلك التطوع في كفالة الأيتام، فإعانة اليتيم وكفالته سعادة ونعمة، واليتيم ضعيف لكنه قويّ؛ إذ يقودك إلى الجنة صبي ضعيف، فـافرح بإحسانك إلى اليتامى والحنو عليهم، وقضاء حاجاتهم، واحذر احتقارهم، فبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، ومن فقد رعاية والده بغير يُتمٍ وجب على المجتمع الإحسان إليه وإحاطته بالرعاية والتربية، فكيف بيتيم الأب، والراحمون يرحمهم الرحمن.

لقد ذمّ البيان الإلهي من لم يكرم يتيما: (كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ). وقَرَن دعّه -وهو قهرُه وظلمه- قرن ذلك بالتكذيب بيوم الدين: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)، ونهى الله صفوة خلقه -عليه الصلاة والسلام- أن يقهر أحدا منهم: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)، أي لا تذله ولا تنهره ولا تهنه، ولكن أحسن إليه وتلطف به. ونهى عن قرب مال اليتيم إلا بالحسنى: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، ولا يتولى أموالهم إلا القوي الأمين.

ونهى -عليه الصلاة والسلام- الضعيف من صحابته أن يتولى على شيء من أموالهم فقال: «يا أبا ذر: إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرنّ على اثنين ولا تولينّ مال اليتيم». رواه مسلم. وأَكْلُ ماله من السبع المهلكات؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: «اجتنبوا السبع الموبقات»، وذكر منهنّ: «وأكل مال اليتيم». متفق عليه. ومن أكل ماله بغير حق أجج في بطنه نارا: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) وإذا رَشَدَ أُعطي ماله وافيا من غير بخس أو إخفاءٍ لشيء منه: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا).

اليتيم يأتي إلى الدار بالخيرات، وتتنـزل بحلوله البركات، ويلين به القلب من الزلات، سأل رجل الإمام أحمد -رحمه الله-: كيف يرق قلبي، قال: «ادخل المقبرة وامسح رأس اليتيم». وأطيب المال ما أعطي منه اليتيم، قال -عليه الصلاة والسلام: «إن هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المال المسلم ما أُعطي منه المسكين واليتيم وابن السبيل». متفق عليه. الإحسان إليهم يفرّج كُرب الآخرة: (فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) وإطعامهم سبب لدخول الجنة: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً).

وقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم، قدوة في كفالة الأيتام، فاتخذ -عليه الصلاة والسلام- أكثر من عشرة أيتام يحوطهم برعايته وعنايته، فكان لهم أبا رحيما مشفقا محبّا لهم. ومن كفل يتيما كان معه في الجنة، قال -عليه الصلاة والسلام-: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين». متفق عليه. قال ابن بطال -رحمه الله-: «حق على كل من سمع هذا الحديث أن يعمل به، ليكون رفيق النبي - صلى الله عليه وسلم- في الجنة، ولا منـزلة في الآخرةِ أفضل من ذلك».

واقتفى الصحابة -رضي الله عنهم- أثر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان تحت الخلفاء الراشدين أيتامٌ في بيوتهم، وكفل نساؤهم أيتاما من البنات في بيوتهنّ، كأم المؤمنين عائشة وميمونة وزوجة ابن مسعود -رضي الله عنهنّ.

Email