رمضان الخير.. أبشروا بالعفو والمغفرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

رمضان شهر العفو والمغفرة، وبين العفو والمغفرة مناسبة، وهي نجاة المسيء مما اقترفه من إساءة في حق سيده وولي أمره، إلا أن العفو يقتضي: ترك العقاب على الذنب، والمغفرة: تغطية الذنب بإيجاب المثوبة.

وهذا لا يكون إلا من الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى الذي يتحنَّن على عباده بالعفو عنهم، ثم يبدل سيئاتهم حسنات، وذلك حينما يتعرفون عليه بحسن العبودية، واستشعار الذنوب، وحسن الظن بالرب سبحانه، وأعظم مناسبة لأن يكون العبد كذلك هو هذا الشهر الكريم الذي يتجلَّى فيه الحق سبحانه وتعالى على عباده من أول ليلة فيه، حيث تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتتزين الجنة بأمر الله تعالى ويقول لها: «يوشك عبادي الصالحون أن يُلقوا عنهم المؤونة والأذى، ويصيروا إليك، ويغفر لهم في آخر ليلة».

بل إن لله في كل ليلة من هذا الشهر شأنا عظيما من العتق من النار كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنان كلها، لا يغلق منها باب واحد، الشهر كله، وغلقت أبواب النيران، فلم يفتح منها باب واحد، الشهر كله، وغُلَّت عُتاة الشياطين، ونادى منادٍ في السماء الدنيا كل ليلة إلى انفجار الصبح: يا باغي الخير هلُمَّ، ويا باغي الشر انتهِ، هل من مستغفر فيغفر له، هل من تائب فيتاب عليه، هل من سائل فيعطى سؤله، هل من داعٍ فيستجاب له، ولله عز وجل عند وقت فطر كل ليلة عتقاء يعتقون من النار».

وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه مثله وزاد «ولله عند كل فطر من شهر رمضان كل ليلة عتقاء من النار ستون ألفا، فإذا كان يوم الفطر أعتق مثل ما أعتق في جميع الشهر ثلاثين مرة، ستين ألفا ستين ألفا».

وما هذا التجلي الإلهي على عباده إلا لأنهم تعرفوا عليه، واعترفوا بذنوبهم بين يديه، واستغفروه وأنابوا إليه، فأقبل عليهم بالعفو والمغفرة، بل وتبديل سيئاتهم حسنات، كما قال سبحانه: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} لأنه سبحانهم غني عن العاملين، فهو لا يريد أن يعذبهم لو أنهم تعرضوا لرحمته سبحانه كما قال جل شأنه {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} وقال جل شأنه: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}.

ولذلك هو يفتح أبواب التوبة لعباده في الليل والنهار، والسراء والضراء، ما لم تبلغ الروح الحلقوم، أو تطلع الشمس من مغربها، كما قال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} فهو ينادي المسرفين الذين أهلكوا أنفسهم بالمعاصي، ليُقبلوا عليه، كما روى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيدُ، ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفر، ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقُراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة».

فهذا هو كرم الرب الرحيم سبحانه وتعالى، فعلى المرء المسلم أن يقبل على الله تعالى في شهر التوبة والمغفرة؛ لأنه إن خرج هذا الشهر ولم يحظ بمغفرة الله فإنه يكون من الخاسرين كما روى أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «رغم أنف امرئ أدرك رمضان لم يغفر له».

وهذه كناية عن خيبته وخسرانه، حيث لم ينتهز فرصة الإقبال على الله فلم يحظ بمغفرة الله تعالى.

وقد كان صلى الله عليه وسلم الله يقول: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهنَّ إذا اجتنب الكبائر».

وإنما يكون رمضان مكفرا إن صامه وقامه إيمانا واحتسابا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان، إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه».

Email