كاريـن.. تقع في غرام الحلي التراثية الإمـاراتية من النظرة الأولى

ت + ت - الحجم الطبيعي

نافذة على الآخر تُروى من خلالها شهادات شخصية ورؤى إنسانية تسرد قصصها في زيارتها الأولى لمدنها العامرة بالعطاء، في نسيج متداخل يغزله الفرح وتشد أطرافه ألوان التواصل الحضاري التي تعكس صورة مجتمع مترابط الصفوف تسري في أوصاله طاقة الأمل واستشراف المستقبل النابعة من قلب الإمارات النابض باحترام الآخر.

عشقت كارين كمارون من النظرة الأولى المصوغات والحلي الإماراتية والتي صانتها النسوة في المجتمع المحلي وحرصت على ارتدائها ونقل إرثها في مكوناتها الفريدة من نوعها وما زالت متداولة بين بنات هذا الجيل في كل المناسبات، وخلال زيارتها إلى مركز محمد بن راشد للتواصل الحضاري، تعرفت إلى العديد من النماذج النابضة بروعة التصميم وأصالة حضارتها الحريصة على عاداتها وتقاليدها رغم صيحات الموضة والمجوهرات المعاصرة، ما زالت تمثل أسطورة إنسانية في تكويناتها.

وفي السياق، تؤكد كارين أن الحلي الإماراتية التراثية صيغت بكثير من الشغف الذي هو محور الابتكار لتنفيذ تصاميم يلتقي فيها عبق الماضي بألق الحاضر، وتمتزج فيها مختلف الثقافات والحضارات التي عبرت سفنها الخليج ضمن تشكيلات فنية اثنية، مستوحاة من المنطقة العربية والخليجية وتحمل بين طياتها موضوعات بأبعاد فلسفية او أدبية تحمل رسائل شخصية تخاطب من ترتديها وترتبط بها، فتنوعت في خاماتها المترابط بعضها بما توفر في البيئة ومنها الذهبية المطعمة باللؤلؤ والفضية التي تزينها الأحجار الكريمة.

وتشير كارين إلى أن ما يغلف تلك التصاميم البراقة من دقة متناهية ومدى العناية بصغر حجم المكونات مع دقة التفاصيل وتوازن التصميم فالفنون الإماراتية الأصيلة لا تقطع الوصل مع السابق، بقدر ما تعطي للاحق.

في تحاور مدهش مع الفنون غرباً وشرقاً نرى ذلك في استخدام موتيفة التوريق أي استخدام أشكال أوراق الأشجار أو أنصاف الأوراق. أو لصياغة التزهير أي بأشكال الزهور بزخرفة معقدة مدروسة. الذي تم تطعيم تلك القطع بها في منتصف القرن الحادي عشر دخل على استحياء العنصر البشري والحيواني على التكوين.

بريق كلاسيكي

وترى كارين أن الأناقة أو الفخامة التي تشد الأنفاس وتلف تصاميم الحلي التراثية التي شاهدتها في سوق الفهيدى التراثي يعود إلى العلاقة الحميمة التي ربطت المجوهرات بعوالم تراثية وتقاليد المجتمع الإماراتي وعلى وجه الخصوص النساء اللواتي يحرصن على زينتهن والتي يتجدد ألقها اليوم، بفضل جهودهن الأكثر حرصاً على نشر الثقافة والفنون الإماراتية المطلوبة أكثر في وقت من الأوقات، في الوقت الذي بدأت فيه تلك الحلي التقليدية تفقد صلتها بعالم الموضة المعاصرة، لأن تصاميمها بقيت متمسكة بالكلاسيكية وتعتمد على بريق الأحجار أكثر مما تهتم بالتصميم العصري. وربطها في مخيلتنا كزوار وسواح من خارج العالم العربي بموضة الجدات والأمهات، تخاطب الأجيال وتمس الوجدان.

وتقول كارين لا يمكننا أن نتجاهل أن التاريخ المعتق بالقصص والروايات الأسطورية مادة، لم تغب أبداً، لم يفقد جاذبيته على مدى العصور وظل دائماً يثير خيال كل الثقافات والحضارات التي مرت علينا ويحركها إلى اليوم ولا تنكر أنه اكتسب قوة أكبر في الآونة الأخيرة، وترد ذلك إلى أن المجوهرات نفسها اكتسبت قوة جعلت الجيل الجديد يقدر كل ما هو ثمين ونادر.

قطع نفيسة

وتتابع كارين اشعر بالسعادة وأنا أشاهد هذا الكم الهائل من القطع النفيسة في الشكل والنوع، وذلك حسب طبيعة استخداماتها والغرض منها. ولقد لفتت انتباهي لوحة معلقة على جدار مدخل مركز محمد بن راشد للتواصل الحضاري لفتاه صغيرة ترتدي عقداً من الذهب يغطي العنق بالكامل ويمتد إلى منتصف الصدر، وحين سألت المرشدة رقية الحميري أكدت أن هذه القطعة تعرف بــ «المرتعشة»، وهـي قلادة عريضة تلف حول العنق تتدلى منها أشكال هندسية. وتنقسم إلـى مربعـات صغيرة مرصوصـة بشكل أفقي تلف العنق بأكمله وهي مرصعة في منتصف كل مربع بالأحجار الكريمـة، تتدلى من المربعـات سلاسل طولية تنتهي بحبيبات من الأحجار الكريمة أو اللؤلؤ الطبيعي لوزي أو هلالي الشكل.

رمزية التقاليد

تعتقد كارين أن المرحلة الإبداعية التي مرت بها عملية تصميم تلك القطع التراثية من المجوهرات لا يمكن تحجيمها أو وضع ضوابط لمسارها المنطلق نحو الربط بين الفنون والقوالب المصنعة بل أصبحت اليوم بمثابة الإرث الثقافي الذي لا بد أن يلجأ إليها المصممون الشباب ليكون موضوعاً لأعمالهم أو جزءاً محورياً داخله. عبر توظيف طرق وأشكال تعبيرية وتشكيلية مختلفة ومتعددة.

وإن كان البعض، لا الكل، يقتصر الاشتغال على التراث لديهم على إعادة نقل وتكرار الموروث المادي (الأزياء، العمارة، الطبيعة، الهندسة…) لا تفكيكه واستخلاص فلسفاته وما ورائياته غلب عليها الطابع السهل الممتنع يعتقد سعيد أنها مساءلة تجمع بين الرؤية المتوارثة لفهم المراحل الهامة في تاريخ المصوغات، والرؤية الحداثية لتوظيفها داخل لا تسعى للتكرر التجاري بقدر سعيها إلى أن تتحول إلى تحف فنية لا تعاني النسخ ولا تترنح بين الواقعية وحتمية الجمال العامر بالرمزية والرموز على اعتبار انه ليس فقط وسيلة للتعبير وللتخاطب مع الأنوثة الجذابة، بل هي تلك القوة الخفية المستعصية الكامنة في شغاف الروح.

تلك التي تصنع عالماً من التصاميم الثورية موازياً للواقع المعاش ومتقاطعاً معه في آنٍ معاً، فالفنون بوجه عام ليست مجرد أشكال وتشكيلات ولكنها وجدان وأرواح مضمنة داخل تلك الأشكال، ولا يمكن أن تفهم أو تدرك إلا إذا نظر إليها من خلال واقعها أو خلفيتها الحضارية والسيكولوجية والرمزية.

انفتاح حضاري

استطاعت الإمارات تحقيق التوازن الثقافي والانفتاح الحضاري، وإثراء التجارب الإنسانية بما يتناسق مع الأسس الراسخة لمفهوم التسامح والاندماج لافتاً إلى أنه ليس من السهل ولا الهيّن وجود هذا الكم من الجنسيات والثقافات في مكان واحد، والأصعب تحقيق التناغم والانسجام بينها، وترسيخ مبدأ التعايش وتعزيز التسامح بين كل أفراد الشعوب الأخرى، وتمكنت بالفعل من تحقيق هذه المعادلة الصعبة والمهمة في الوقت نفسه، فعلى الرغم من كل المتغيرات على الساحة الدولية التي تهدد استقرار المجتمعات لا يزال سجل الدولة مشرفاً على صعيد السلم الاجتماعي، حيث أسهمت السياسة الخارجية المعتدلة والمحايدة لها في تعزيز مكانتها بين الدول واعتبارها صديقة للجميع.

في سطور

الاسم: كارين كمارون

العمر: 34 سنة

المهنة: موظفة علاقات عامة

الهواية: تسلق الجبال

الجنسية: أستراليا

خلال زياراتي دبي لاحظت أن الحياة الاجتماعية في المجتمع المحلي تقوم على توسيع دائرة الخيارات المتاحة لكل فرد بناء على روافده العلمية ومهاراته المهنية وأحلامه وطموحاته، وتلك الروافد هي وسيلة لبلوغ حياة فكرية وعاطفية وأخلاقية وروحية مرضية بهذا المنظور، حيث يتاح للفرد أن يعبر عن آرائه سواء عبر الفن أو الثقافة أو المهنية أو الوسائل الأخرى التي يكفلها له النظام الديمقراطي ويحميها بل يطورها وينشرها ويجعلها متاحة للجميع من دون استثناء فتشكل عامل قوة متبادلة من خلال تنوع ثقافاته وحمايتها في آن.

Email