ليلة تجلت فيها روح التسامح الإماراتية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في فطرة البشر.. أشياء

لا تخضع للغة، ولا تعرف اللهجات

فلا وطن للضحك ولا أبجديات للبكاء

هكذا هي.. سمة التسامح

لا مكان لها ولا زمان..

لأنها باختصار..

تخرج من ثنايا مشاعر الإنسان.

ولأن الرياضة تمثل إحدى صور

التسامح، فلا ريب أن تزول معها

الخصومة، وتنزوي بها الخلافات،

فتصفو القلوب وتتلاشى العيوب.

وعند ذكر التسامح الرياضي

تأتي الإمارات كنموذج واقعي

لتجسيد هذه السمة الحسناء

كأسلوب حياة..

في هذه السطور نرصد بعضاً من تلك الصور المضيئة:

عندما شرعت يونيس كينيدي شرايفر، بتأسيس الأولمبياد الخاص في 1968، سبقت ذلك بمحاولات مضنية عام 1963 لتسري عن شقيقتها الجميلة «روز ماري» التي ولدت معاقة ذهنياً 1918 في بروكلين بولاية ‏نيويورك الأمريكية، فأقامت معسكراً رياضياً لمدة يوم ‏واحد بحديقة منزلها للأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية لاستعراض مهاراتهم الرياضية ‏والبدنية، ومن ثم عزمت على توسيع الدائرة وإقامة ‏معسكرات رياضية، بصفة منتظمة وأسست مجلس إدارة يضم مجموعة من الخبراء، ‏لرصد مدى تأثير الرياضة على تطور مهارات الأولاد، وبعد 5 ‏سنوات من العمل الدؤوب، أيقنت أن الرياضة هي الملاذ الوحيد لهذه الفئة، وشرعت في تأسيس الأولمبياد ‏الخاص، حيث شهد شهر يوليو 1968 أول ألعاب عالمية صيفية للأولمبياد الخاص في ‏ولاية شيكاغو بمشاركة 1000 لاعب ولاعبة من 26 ولاية أمريكية وكندا، تنافسوا في ألعاب القوى والهوكي الأرضي والسباحة، ومنذ هذا التاريخ بدأ الاهتمام بهذه الشريحة المجتمعية.

وبالطبع لم يكن يدور بخلد يونيس، حينذاك، أن يوماً ما، سيأتي بعد 50 عاماً من مبادرتها الإنسانية ليتجسد حلمها الحقيقي، في أرض الإمارات، عندما استضافت الألعاب ‏العالمية للأولمبياد الخاص 2019، فحققت المعنى الأسمى للتسامح الإنساني والاهتمام بالآخر، مهما كان وضعه، وليس أدل على هذا مما قاله ابنها تيموثي شرايفر رئيس الأولمبياد الخاص الدولي، حيث عبر عن ذلك بأن والدته يونيس كينيدي شرايفر التي وقفت طيلة حياتها ضد أشكال التمييز كافة، لو كانت موجودة هنا في أبوظبي لكانت في قمة السعادة.

كما لم يكن أحداً ممن تابعوا هذا الأولمبياد منذ بدايته يتصور أن تحظى بهذا الاهتمام العالمي الكبير لو لم تكن أقيمت هنا في بلد الإبداع، ووطن التسامح، وقد شاهد العالم كله عبر 166 قناة فضائية نقلت حفل الافتتاح الأسطوري لدورة الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص في استاد مدينة زايد الرياضية منذ قرابة الشهرين.. كيف أن الإمارات قيادة وشعباً، ينسجون ذلك الحلم الإنساني الجميل، بإدماج هذه الفئة في المجتمع.

مشاركة أسعدت الجميع

ويشهد التاريخ للإمارات أنها كانت صاحبة السبق في احترام قدرات هذه الفئة، والتسامح معها والارتقاء بمسماها من لفظ «المعاقين ذهنياً» إلى أصحاب الهمم، كما سيشهد على تواجد بعض منهم حول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في مشهد إنساني رائع، لحظة إلقاء سموه كلمة افتتاح الدورة، لاسيما عندما أشركهم في ختام الكلمة، في تفاعل أسعدهم وأسعد أسرهم وكل المتابعين في مختلف دول العالم.

ولأن هذا الحدث كان جديداً، ويعد الأول من نوعه الذي يحظى به أصحاب الهمم بهذا الاهتمام البالغ، فقد ذُرفت دموع الفرح والسعادة، حينذاك، لأسر أبطال الإمارات من أصحاب الهمم، وهم يشاهدون إلى أي مدى حظي أبناؤهم بالاهتمام من القيادة الرشيدة.

وللحق، كانت لحظات تاريخية وعالمية، قالت عنها، حينذاك، سونيا الهاشمي والدة سيف الدبل لاعب منتخب السباحة:

وقوف ابني بجانب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد جعلني أشعر أنني ملكت العالم وعلى قمته، كما شعرت أن قلبي سيتوقف من الفرح.

وأردفت: لقد وصل سيف إلى مكان لم أتوقعه، لقد وصل إلى أعلى منبر في العالم، وأقول إنه الأعلى لأن من كان يقف عليه كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، فالمنابر تأخذ قيمتها بمن عليها.

سونيا الهاشمي التي سبق لها رئاسة جمعية الإمارات لمتلازمة داون، قالت إنها لاتزال تتذكر أن سيف عاد إلى المنزل، في تلك الليلة، بطاقة غير طبيعية من الفرح، وأنها بكت كثيراً بعد نهاية هذا الاحتفال، بفضل تواضع سموه وحبه لأبنائه، لذلك فإن كلمة شكراً لن تكفي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولن تكفي قيادتنا الرشيدة.

وفي ذات السياق وصف سيف بن سميدع والد علي سيف، لاعب منتخب الإمارات للبولينغ، أن الإحساس بوقوف ابنه بجانب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، لم يكن مختلفاً عنده فقط، ولكنه كان عند كل العالم الذي شاهد تلك اللحظات الجميلة التي تعبر عن إنسانية وتواضع سموه وحبه لأبنائه ورعايته لهم، وذكر أنه شعر بالفخر عندما حضن سموه ابنه، وقال: لا أستطيع أن أصف شعوري بهذا المشهد الرائع، وعبرت عنه بالدموع فقط والدعاء لسموه ولكل دولة الإمارات قيادة وشعباً، ولهم جميعاً كل الشكر.

إنها إمارات الخير، فيها التسامح والتآخي واحترام الآخر.. أسلوب حياة، فهنيئاً لشعب يحبه قادته.

Email