سهير القيسي: الإعلام الحقيقي يزرع الإيمـان والحـب ويخدم الإنسانية بلا شروط

ت + ت - الحجم الطبيعي

بين أصوات المدافع والرصاصات، بين دموع أم فقدت ولدها وقلب موجوع على دمار بلده، هناك دائماً يقين بأن بداية جديدة في انتظارك، أناس يرغبون في إزالة الهموم عن كاهلك، يمدون يدهم إليك بحب غير مشروط.. هكذا تصف الإعلامية سهير القيسي بقناة «إم بي سي» دور الإعلام الحقيقي أمام ما يشهده الوطن العربي من أزمات متلاحقة، تعد الأشد بعد الحرب العالمية الثالثة.

اختارت القيسي تقديم محاضرة بكلية محمد بن راشد للإعلام، بالجامعة الأمريكية بدبي تحت عنوان «الإعلام والعمل الإنساني» أرادت محاورة الجيل الجديد، لترصد لهم تجربتها الحية في هذا المجال، وكيف يمكن تذليل شهرتك لمساعدة غيرك، وتعميق مفهوم العمل الإنساني في نفوس الطلاب، الذين سيحملون راية الإعلام مستقبلاً.

رحلة شاقة

تشير القيسي إلى أن كل زيارة إنسانية لها للمخيمات، تؤثر في نظرتها للحياة، ولكن الزيارة الأخيرة للجانب الأيمن من الموصل بالتعاون مع «برنامج الأغذية العالمي»، كان لها التأثير الأكبر، فقد رصدت معاناة هروب سكان الموصل من التنظيم الإرهابي داعش، والرحلة الطويلة التي قطعوها من دون طعام أو شراب إلى المخيمات، شاهدت النساء اللاتي يحملن الأطفال ويمرون معاً بظروف قاسية جداً قبل الوصول إلى مواقع القوات الأمنية العراقية «رصدنا إحساس الخوف في عيونهم، وعدم الأمان». توقفت القيسي عن الحديث بعد أن غلبتها دموعها ولم تستطع منعها، حينما تذكرت تلك المرأة التي كانت تبحث عن ابنها وآهاتها تقطع القلوب من حولها، وقتها لم تتمالك القيسي نفسها من البكاء، ولكنها تذكرت أنها في هذا المكان ليس فقط لتقديم المعونات المادية أو للتغطية الإعلامية وإنما أيضاً للمساندة وتقديم الدعم المعنوي، قررت ومن دون تفكير عناق تلك السيدة وتهدئتها، وإخبارها بأن ابنها سيعود، ليجدوا رجلاً قادماً يخبرهم بأنهم وجدوا الابن، لتتحول دموع الحزن إلى دموع فرح.

تقرير من بغداد

تتذكر القيسي بداياتها الإعلامية، حيث كان لديها شغف بأن يكون لها دور في العمل الإنساني، وفي عام 2008 تم قصف أحد الأحياء المكتظة في بغداد بسبب خلافات حزبية آنذاك.. تتذكر «قمنا على الفوز بتغطية ما يحدث وتوزيع الطحين على الناس ومساعدتهم، وقد لاقى هذا التقرير صدى كبيراً، وقررت الحكومة وقتها التدخل لوقف القصف الأمريكي، وقمت بعمل زيارات ميدانية لأماكن القصف للوقوف على مختلف الحالات الإنسانية» وقتها شعرت القيسي بدور الإعلام الحقيقي، وكيف يمكن أن يؤثر في القرارات السياسية إذا تمت التغطية بشكل مهني وإنساني وإيجابي. وقد وجهت القيسي رسالتها لطلاب الجامعة لأن القائد في المجال الإنساني يجب أن يدعم غيره بطاقة الحب والتقدير للآخر ومصدر إيجابية، وتجعل الآخر الذي في موقع الحاجة هو البطل.

صوت النازحين

تحاول القيسي أن تكون صوتاً لملايين النازحين، وأن تقدم لهم المساعدة المادية والمعنوية، متمنيةً أن يعود الاستقرار ويرفرف السلام على العالم العربي أجمع، وبدلاً من سماع صوت بكاء الأطفال المفجوعين، نرى الضحكة تزين وجوههم، بدلاً من رصد أخبار الحرب نعلن عن مدينة الحب والأخلاق، مشيرة إلى أنه بالتأكيد سيأتي اليوم الذي نطوي فيه صفحات الألم، إذا اجتمعنا يداً واحدة لنزرع اليقين والحب في نفوسنا.

حقل ألغام

من المواقف الصعبة التي تعرضت لها القيسي، وقوفها في حقل ألغام في العراق من دون أن تدري، فقد سمعت صوتاً يصرخ من بعيد «لا تتحركي الألغام تحت الأرض» لتقف ثابتة بعدما تسلل الخوف إلى قلبها، في انتظار من يخرجها من تلك البقعة الملغومة.

إعلام حيادي

تفاعل الطلاب مع محاضرة القيسي، فحماستهم جعلتهم يسألونها عن طريقة الذهاب للمخيمات، وكيف يمكنهم الوصول لهذه الفئات، مشيرين إلى أهمية دور الإعلام الحيادي، في نقل الصورة الحقيقية من دون تزييف، ورصد المآسي التي يمر بها سكان هذه المخيمات.

البطل الحقيقي

تؤكد القيسي أن البطل الحقيقي ليس الشخص المشهور الذي يزور مخيمات اللاجئين، وإنما الأشخاص الذين يعانون فيها بصمت، أولئك الذين يناضلون من أجل الحياة، لذلك يجب علينا أن نشكرهم لأننا نتعلم منهم الصبر والإيمان.

Email