في ضوء دلائل وكشوف أثرية

سكان الإمارات اعتنقوا اليهودية والمسيحية قبل الإسلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعرضنا في الصفحة الأولى من هذه السلسلة إلى ملامح رحلة دعوة التوحيد من المدينة المنورة إلى أجدادنا الأزديين في اقليمي عمان والبحرين وبينهما الإمارات منذ السنة السادسة للهجرة النبوية، ذلك بعد أن أتاح صلح الحديبية للقيادة الاسلامية في المدينة أن توجه الدعوة إلى قلب الجزيرة العربية وأطرافها.

وأن يتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ملوك ورؤساء العالم خارج الجزيرة العربية لتحقيق وحدة بلاد العرب، ثم الانطلاق لتحقيق عالمية الدعوة الاسلامية. وتوقفنا مع وقائع المجلس الرمضاني الإسلامي الذي يتصل حبله بتاريخ بداية الدعوة في القرن الثامن الهجري.

وكنا قد توقفنا من قبل مع انطلاقة الرحلة والرسالة من المدينة المنورة إلى اقليم عمان يحملها عمروبن العاص يرافقه أبو زيد الأنصاري بينما توجه أبوالعلاء الحضرمي يرافقه أبوهريرة رضي الله عنهم جميعا إلى اقليم البحرين. لقد كان مركز الرسول صلى الله عليه وسلم قد ازداد رسوخا بعد فتح مكة وسط سلطته السياسية والعسكرية في الجزيرة العربية، حيث أصبحت هي السلطة العليا بغير منازع كما أشرنا من قبل، ولقد آمن أهل عمان بالإسلام اقتناعا به واعتقادا بما فيه من قيم ومبادئ وجدوا فيها دليلا صادقا على رسالة التوحيد التي هم في أشد الحاجة إليها في ذلك الوقت.

إن هذا هو السبب المرجح في سرعة دخول العقيدة الإسلامية إلى عمان ورسوخها في عقول الناس، حتى إنه عندما جاء خبر اسلام أهل عمان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم دعا لهم: (رحم الله أهل غبيراء آمنوا بي ولم يروني)، وبأن يغمرالله عمان وشعبها بالبركة. ولا شك أن ظهور الإسلام كان من أكثر الأحداث التي حركت قبائل الجزيرة العربية على مدى تاريخها.

وذلك ما بين مؤيد ومعارض لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وما من قبيلة من القبائل المعروفة قحطانها وعدنانها أو أحد بطونهما على الأقل إلا وورد لها ذكر في المواقف المتباينة من الدعوة الجديدة إلى أن انتهت تلك المواقف، ولا سيما المعروفة منها (بعام الوفود)، الذي تجلى في قدوم عدد كبير من وفود القبائل إلى النبي صلى الله عليه وسلم لإعلان اسلامها والبيعة له بالسمع والطاعة، فكانت تلك الوفود من الكثرة بحيث زادت على سبعين وفدا طبقا لرواية ابن سعد.

وكان صلى الله عليه وسلم يعرف كثيرا من أصول القبائل وديارهم ومختلف أحوالهم، وقد تجلى ذلك في بعض الأقوال التي صدرت عنه صلى الله عليه وسلم في حق بعض القبائل ورجالاتها البارزين حينما وفدوا اليه في دار هجرته في المدينة المنورة ومنهم الأزد.

لن تكتمل الصورة التاريخية للمنطقة إلا بالتوقف الموجز مع المعتقدات والديانات التي عرفها أهل المنطقة قبل ظهور الإسلام، فقد كانت في الجزيرة العربية شتى أنواع العبادات الوثنية قبل الإسلام، وامتدت آثارها المدمرة، والتي ظهر بعضها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك السحر والخرافات والمعتقدات التي عمت حضارة الجزيرة العربية وبعض الحضارات المجاورة.

حيث ان موقع جزيرة العرب جعلها وجهة لكثير من الوفود التجارية او الدينية أو أغراض أخرى. وفي الإطار الجغرافي الذي نحن بصدده بين اقليمي عمان والبحرين، فقد عبدوا الأوثان كما عبدوا إله الشمس، واتبعوا الديانة المسيحية واليهودية وغيرهما قبل ان يهديهم الله إلى الإسلام، ويذكر من هذه المناطق الصحابي الجليل (مازن بن الغضوبة) من أهل (سمايل) الذي اعتنق دين الإسلام من ذاته وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنا اسلامه، ويذكر أنه كان سادنا لصنم يدعى (باجر) فكسر مازن الصنم وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلم قومه بعد ذلك.

وآثاريا فإنه ومن خلال المكتشفات الأثرية بمنطقة «مليحة الشارقة» تم العثورعلى مجموعة من اللقى الأثرية التي عليها كتابات قديمة من المسند ــ خطوط عربية جنوبية ـ منها نقش على كسرة إناء برونزي عثر عليه في احد مدافن مليحة، وقد ذكر اسم رجل يدعى امرئ الشمس وجاءت الخطوط على النحو التالي «م ر ا ش م س» وكذلك كتابات آرامية. وكذلك اسم المعبود ود حيث ذكر بصيغة «وا د ب» وكتب على النحو التالي «و ا د ب»، وكذلك على كسرة فخارية أخرى بصيغة (و د أ ..) وكتبت على النحو التالي (و د).

ويعد معبد (الدور) بإمارة ام القيوين من أهم المواقع المكتشفة في دولة الإمارات ووجدت خارج المعبد ثلاثة مذابح مبنية من الحجر الرملي وعثر كذلك على حوض حجري عليه تسعة اسطر باللغة الآرامية، وتصعب قراءته إلا انه أمكن تحديد اسم المعبود (شمس) عليه والذي ارتبط ببعض المناطق العربية.

وهناك إشارات إلى طقوس تعطي الشمس أهمية واضحة في النسق العَقَدي ورغم ان تلك الطقوس تنحصر في دائرة ضيقة حتى أصبحت مجرد رواسب ثقافية مندثرة أو في طريقها للاندثار، إلا أنها تدل على ان الشمس كانت معبودة في فترات سابقة. ويشير الدكتور حمد بن صراي في بحثه عن حضارة (عمانا) الدور أم القيوين بأنه لاتوجد عندنا أدلة حول ديانة السكان ومن المرجح أنهم كانوا وثنيين، كما تدل على ذلك بعض الكتابات والآثار، ففي الدور تم العثور على تمثالين لنسر صقر أو عقاب ربما كانا رمزا لعبادة الإله النسر، الإله العربي المشهور.

وقد وردت الإشارة إلى هذا الإله في النقش الآرامي الطويل المكتشف في الدور، وربما كان المعبد في الدور قد خصص لعبادة الإلهين النسر والشمس. كما عبدت الربة الكتبى الوارد ذكرها في النقش الإحسائي المكتشف في مليحة، والكتبى من المعبودات النبطية المشهورة، وربما كان للجمال مكانة عالية عند السكان، حيث تدفن في قبور خاصة بالقرب من أصحابها، وكذلك فإن القبور تضم أنواعا من الفخاريات والأسلحة التي ربما كان لها صلة بالبعث.

بداية المسيحية

أما المسيحية فتدل الوثائق والكشوفات الأثرية على أن منطقة الإمارات عرفت الدين المسيحي قبل ظهور الإسلام، فبينما تشير بعض الوثائق إلى وجود دير للرهبان المسيحيين في تلك المنطقة يرجع للقرن الرابع الميلادي، كشف التنقيب الذي أجري مؤخراً في إمارة ابوظبي عن وجود بقايا كنيسة أو دير في صير بني ياس.

ويرى بعض الباحثين ان القرن السادس الميلادي يمثل المرحلة الأخيرة للوجود الفعلي لهذه الكنيسة. وحول الدير المسيحي في صير بني ياس وسياقه التاريخي فإن جوزيف إلدرز (كنيسة إنجلترا)، إليزابيث بوبيسكو، جون بيرسيفال وبيتر هيليار (المجلس الوطني للإعلام)، قدما بحثا جديدا في مؤتمر الآثار الأخير في العين، ملخصه أنه تم اكتشاف موقع مسيحي رهباني يعود إلى ما بين 600 ــ 750 بعد الميلاد في عام 1992 على جزيرة صير بني ياس في المنطقة الغربية لإمارة أبوظبي، وأجريت فيه حفريات جزئية بين عامي 1993 و1996 على يد فريق من المسح الأثري لجزر أبوظبي.

وبناء على تعليمات من سمو ولي عهد أبوظبي، تم تنفيذ المزيد من المسح والبحث والتنقيب لشركة التطوير والاستثمار السياحي بين عامي 2009 و2011 لتسهيل تقديم هذا الموقع لعامة الجمهور.

وقد كشف ذلك عن تفاصيل إضافية حول الدير وسياقه التاريخي محليا وإقليميا وعالميا.

وسوف تجري مناقشة هذه المعلومات غير المسبوقة في ظل الدلائل الجديدة ذات الصلة والمستخلصة من مواقع ومناطق أخرى. ومن المتوقع ان تمدنا الكشوفات الحالية في جزر ابوظبي بمزيد من المعلومات. وفي كتابه «الخليج في العصور القديمة» يوضح الدكتور دانيال توبس بأن هناك دلائل على وجود نصارى في المنطقة خلال القرن الرابع الميلادي، وأنه في عام 544 نجد أول حضور مدون لأسقف من مزون في مجمع نسطوري. ويذكر وجود أديرة في عمان ايضا في بعض التقارير عن حرب داحس والغبراء الشهيرة.

وهي نزاع شب في جزيرة العرب الوسطى بين 575 و595 تقريبا ونشأ عن هذا النزاع بسبب مهاجمة قيس بن زهير من عبس ليربوع فكانت احدى نتائج تلك الحروب، حسب ماترويه مصادر، انسحاب قيس بن زهير إلى عمان وترهبه فيها. وفي إطار الحديث عن الأديان والمعتقدات، فمن الملاحظ انه رغم وجود العديد من المؤثرات الفارسية في منطقة الإمارات وخضوع تلك المنطقة لسيطرة الفرس الساسانيين قبل الإسلام إلا ان الديانة (الزرادشتية) لم تترك آثاراً واضحة في التراث الديني الإماراتي، علماً بأن (الزرادشتية) ارتبطت أساساً بالفرس ومنطقة نفوذهم بشكل عام.

عبادة الأوثان

وفي كتابه «دبا في صدر الاسلام» يشير الباحث محمد عبيد إلى أن الحياة الدينية في دبا في فترة ماقبل الإسلام شأنها شأن مناطق عمان، فقد كان الغالب على اهلها عبادة الأصنام، لكن لم ترد إلينا أسماء الأصنام التي عبدها أهل دبا وإن كانت هناك دلائل من خلال موقع الصنم الأثري في دبا كما ذكر الباحث ناصر العبودي.

كما ان الجلندي بن المسكتبر اسمه (عبد جمل) ولانستغرب أن يعود اسمه لإله اسمه جمل لم تصل معلومات عنه، كما أن احد اجداده اسمه عبد العزى، مما يدل على وجود الوثنية هناك وربما عبد اجداده هذا الصنم المشهور أيضا.

وذكر أحد السكان أنه أثناء حفر أحد المنازل ضمن مشاريع التخطيط التي قامت بها البلدية عثر على مايشبه الصنم أو قاعدة لصنم، ولانستغرب أن بعض الأصنام التي عبدت في مناطق أخرى من عمان عبدت في دبا مثل الصنم باجر الذي عبد في سمايل. أما الديانة الأخرى التي ندرك وجودها في دبا فهي المجوسية، ولم تكن دين البلاد الأصلي، ولكنها دين المرازبة والأساورة الذين أوفدهم كسرى للاشتراك في حكم عمان، ونحن لانستغرب وجود المجوسية في دبا لوجود معبد النار في خت برأس الخيمة، فلابد أن يكون شيئا من ذلك في دبا لكونها العاصمة وكون الفرس أكثر بها.

كذلك في دبا بعض اليهود ربما وفدوا إليها من اليمن أو البحرين أو يثرب وقريب منهم في الشميلية توجد قبور يطلق عليها الناس قبور أولاد سارة، كما قيل إن عمرو بن العاص عندما كان في عمان التقى بيهودي أخبره بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم. اما النصرانية فالمعلومات عنها غير واضحة، ولما عرض عمرو بن العاص الإسلام على ابن الجلندي بعثا إلى كعب بن برشة العودي فأخبرهما أنه نبي مرسل وقيل إن كعبا كان قد تنصر وقرأ الكتب، كما ذكر أن توفيل الهندي بنى كنيسة في هرمز لا ندري إن كانت في دبا أم في صحار وبني ياس، حيث عثروا على بقايا كنائس هناك .

الديانات المعروفة

أما الدكتور عبدالله الطابور فيذكر أن الديانات المعروفة في الخليج العربي في تلك الحقبة كانت المجوسية والمسيحية ثم اليهودية التي دخلت إلى عمان عن طريق حضرموت، وقد سكن اليهود في صحار ثم ذهبوا إلى ساحل الشميلية واستوطنوا حول خورفكان وكانوا يعرفون بـ(أولاد سارة).

وكان في عمان بعض النصارى، وتوجد في غليلة مقبرة تسمى (مقبرة اليهود)، حيث يذكر الأهالي في غليلة بأن اليهود كانوا يعيشون في هذا المكان ثم رحلوا منه، والدليل على ذلك أيضا اكتشاف كتابات عبرية على شاهد قبر في احدى الإمارات. وقد انتشرت قبل ظهور الإسلام عبادة الأصنام ، ولخبراء الاثار كلمة قيمة في هذا المقام يعبر الباحث ناصر العبودي بالقول «إن الدراسات والتحريات التي قام بها علماء الآثار في الامارات، اضافة الى روايات المواطنين اكدت مواقع وشواهد يطلق عليها (صنم).

وفي مسح لبعثة الآثار الفرنسية في الشارقة عام 1984 ــ 1985 لوحظ عدد منها في مختلف انحاء الامارات، إلا انها بشكل عام ترجع الى ما قبل الاسلام». وهذه المواقع المسماة (صنم) عبارة عن مبان قائمة، احدها يمثل ما يشبه البرج، مثل صنم (وادي الحلو) الذي يتبع امارة الشارقة، وبعضها عبارة عن بناء مرتفع مستطيل او مدور مربع او مستطيل. وان الواضح (بعد سؤال المواطنين) انه لايوجد تأكيد على ان هذا الموقع يضم صنما او تمثالا في الواقع.

ومن هذه الاصنام في الامارات نذكر (صنم الابرق) في ام القيوين و(صنم خت) في رأس الخيمة، وصنم الذيد في الشارقة ويروى انه كان عبارة عن رأس امرأة جميلة جالسة عارية الجسم مكسورة من جانب اليد اليسرى والتمثال ليس نصفيا بل كاملا، وذلك حتى عام 48 ــ 1949. وكان البدو يسمونه (زوجة فرعون). وهناك ذكر لوجود صنم في رأس الخيمة قرب شعم وغليلة وآخر في مسافي، وثالث في المنطقة الشرقية في دبا.

ويشير العبودي إلى ان احدث تحليل لصنم الحلوات من خلال تقرير البعثة الفرنسية استنادا الى الرسومات التي نفذت على سفوح الجبال القريبة من موقع الصنم، وبمقارنة بين هذه الرسومات ورسومات اخرى اكتشفت في بعض مناطق شبه الجزيرة العربية، فإن التاريخ الممثل لهذا يمثل فترات ما قبل الاسلام ويعطي لها حوالي ثلاث مراحل تاريخية تفصل بين المرحلة والاخرى حوالي خمسمئة سنة.

وتوجد في الامارات مناطق كثيرة وجدت على سفوح جبالها رسومات شبيهة بتلك المذكوة سابقا في كل من موقع (الغيل) و(مصفوت) و(خت) و(شمل) وموقع (وادي شي) ومكان آخر في خورفكان، وهي تمثل رسومات لحيوانات وبشر عملت على شكل نحت غائر وغالبا ما تقع هذه الرسومات على ضفاف الوديان او بالقرب منها، وفي مناطق الخليج عثر على الكثير منها مشابهة لما هو موجود في الامارات وسلطنة عمان والسعودية.

Email