إكسبو العالم من لندن 1851 إلى دبي 2020

إكسبو بنما والمحيط الهادي 1915

ت + ت - الحجم الطبيعي

استضافت مدينة سان فرانسيسكو في 1915 إكسبو بنما والمحيط الهادي، وكان الغرض منه الاحتفال بإنجاز قناة بنما وقد تم بناء إكسبو على مساحة 2.6 كيلومتر مربع على طول الشاطئ الشمالي، وأقيم من 20 فبراير إلى 4 ديسمبر 1915، وقام الرئيس هوارد تافت آنذاك بإطلاقه، بعد أن وضع له حجر الأساس في 15 أكتوبر 1911.

وتكمن أهميته في أنه عبّر عن عصر الوحدة المدنية الأمريكية المهددة، فكانوا بأمسّ الحاجة إلى إقامة فعالية دولية كبيرة لتعيد لهم وحدتهم وعظمة مدنهم.

وقد توّج الرئيس الأمريكي هذه المدينة بإطلاق لقب «المدينة الماهرة» عليها. ولم يكن سهلاً اختيار سان فرانسسكو لعقد إكسبو إلا بعد ن منافسة مع مدينة نيو أورليان، لكن العامل الحاسم في الاختيار عاد للأثرياء الذين لهم تأثير كبير في الاقتصاد، وتعهدت نيو أورليانز في أوائل 1910 بمبلغ 200 ألف دولار لإقامة إكسبو، بينما أعلنت الجهات الداعمة في سان فرانسيسكو تقديم 4 ملايين دولار.

وبحلول الوقت الذي استعد فيه مجلس النواب للاختيار بين المدينتين في يناير 1911، ضمنت سان فرانسيسكو إقامة إكسبو عالمي بأموال مدنية وحكومية بقيمة 17.5 مليون دولار.

بداية الفن والهندسة المعمارية في عصر النهضة الأمريكية

تم اختيار منطقة هاربور فيو نظراً إلى روعة المناظر البصرية المحيطة بمساحة 635 فداناً التي تحيط بشارع فان نيس وشارع لومبارد وكريسي فيلد برغم عدم إتمام تطويرها.

وبمناسبة انعقاد هذا الإكسبو، أقيمت سباقات السيارات الأمريكية للجائزة الكبرى وكأس فاندربيلت على حلبة طولها 6.18 كم أقيمت حول أرض الإكسبو، إضافة إلى معروضاته وهي أول قاطرة بخارية اشترتها شركة ساوثن باسفيك ريلوورد، وبعد ذلك احتفظ بها متحف ولاية كاليفورنيا للسكك الحديدية.

كما تم إنشاء خط هاتفي لمدينة نيويورك حتى يتمكن الناس في جميع أنحاء القارة من سماع المحيط الهادي حيث سافر جرس الحرية «ليبرتي بيل»، وهو رمز الحرية بالقطار في جولة وطنية من فيلادلفيا، بنسلفانيا من أجل حضور الإكسبو.

وشُيدت جميع المباني والمعالم السياحية المختلفة في أواخر عام 1915، من المواد المؤقتة، مزيج من الجص والألياف الخيشانية، وتم تصميمها لتتم إزالتها في ختام الإكسبو.

ولم يبق منها سوى قصر الفنون الجميلة الذي تهاوى أيضاً، وأعيد بناء أعمدته مع الصور التي تجسّد النساء اللاتي يبكين وقبة روتوندا بالكامل في الستينيات، ثم أعيد تحديثه بعد زلزال لوما بريتا عام 1989، ومرة أخرى في عام 2009.

وتشمل مباني الإكسبو الذي لا يزال قائماً حتى اليوم (بخلاف قصر الفنون الجميلة) ما يسمى الآن قاعة بيل غراهام، وسنتر بلازا ومقهى الشاي الياباني الذي تحول إلى مطعم فيما بعد، كما بقيت على قيد الحياة قاطرات البخار التي كانت تعمل لنقل الزائرين في الإكسبو، ويعود الفضل في ذلك إلى جمعية سوانتون باسيفيك للسكك الحديدية.

وتم تصميم المباني بالتلاؤم مع إضاءة الآف المصابيح الكاشفة لإعطاء الإكسبو توهجاً سحرياً في الليل مع الضباب، بسبعة ألوان، وخاصة برج الجواهر الذي يبلغ ارتفاعه 435 قدماً، والذي تغطيه 100 ألف من قطع الجواهر الزجاجية المتدلية.

وكانت هناك قصور ومبان حكومية وأجنبية، ونظام السكك الحديدية في خدمة الإكسبو. ولعل قصر الآلات كان أكبر هيكل في العالم آنذاك، وأول مبنى تهبط على سطحه طائرة. وكانت الأشجار الكبيرة وأعمدة البارثينون اليوناني مصنوعة من جذوع الخشب الأحمر، وجاء الجناح الفرنسي نسخة طبق الأصل من الفنادق التقليدية المزّينة بوسام جوقة شرف نابليون.

وقال جيمس جانز، أمين مؤسسة آخنباخ لفنون الغرافيك في متاحف الفنون الجميلة في سان فرانسيسكو آنذاك: «إن إكسبو عرض مجموعة رائعة من الأعمال المهمة للفنانين الأمريكيين والأوروبيين الذين شوهدوا معاً آخر مرة هنا منذ قرن.

وقدم إكسبو سلسلة من المعارض الفنية المخصصة للأماكن الرئيسة، قصر الفنون الجميلة وملحق الفنون الجميلة، إضافة إلى الجناح الفرنسي الذي يضّم أكثر من 200 لوحة ومنحوتة ومطبوعات وصور فوتوغرافية بلغت 20 ألف عملاً، ومن أبرز أصحاب هؤلاء الفنانين: أوغست رودان وكلود مونيه.

كما قدم الإكسبو أعمالاً فنيّة تجسّد الحداثة الهنغارية والتعبيرية النمساوية والمستقبلية الإيطالية، كما عرض الآف المطبوعات والنقوش وقطع الخشب والطباعة الحجرية في أروقة قصر الفنون الجميلة وملحقها.

ولقد ازدهرت العمارة والفنون إلى درجة كبيرة في إكسبو بنما والمحيط الهادي، وقدّم للعالم معايير فنية جديدة، وخاصة في أبنية الملاعب والمعارض والأجنحة، وكان كل شيء مضيئاً في الليل، بتقنية عالية ابتكرتها شركة جنرال إلكتريك العملاقة، ومدير الهندسة فيها، الذي قام أيضاً بالإشراف على إضاءة شلالات نياغارا الشهيرة.

وكان آلاف المتفرجين يقفون برهبة وصمت أمام هذا المشهد الباهر للإضاءة. وجاءت فكرة تأسيس إضاءة الإكسبو من خلال تشغيل سلاسل من المصابيح المتوهجة على طول حواف المباني، بحيث يتم تحديدها بواسطة نقاط من الضوء، وإلقاء طوفان من الضوء على واجهاتها.

وأدى ذلك إلى جذب حشود كبيرة من الناس لزيارته، وهم يمشون على طول شوارع واسعة بين حدائق أنيقة وقصور ضخمة وأجنحة تعرض ثقافات العالم وتقنياته الحديثة ومهارة الإنسان في الابتكار. وقد بلغ عدد الزائرين نحو 19 مليون زائر، وهذا ما أدى إلى انتشار الثقافات المحلية إلى أرجاء العالم.

سيارات

قامت شركة فورد للسيارات باستغلال إكسبو من أجل عرض آلية صناعة السيارات وتوفيرها لأكبر عدد ممكن من الزوار. وبذلك، عزز الإكسبو العديد من التطورات التكنولوجية بطريقة خفيفة ومسلية، برغم أن بعضها كان خطراً على أرواح الأمريكيين.

إنجازات الشعب الأمريكي

لم يحتفل إكسبو سان فرانسيسكو بإنجاز قناة بنما فقط، ولكن أيضاً بالتطورات والإنجازات التي حققها الشعب الأمريكي، وهي غزوات السكان الأصليين من قبل الأمريكيين والأوروبيين.

وتم تقديم هذه الأفكار في المسرحيات المعروفة باسم المسابقات، حيث لعب الأمريكيون الأصليون أدواراً صغيرة كما هو الحال في الفرسان الكاتالونيين وقبيلة الهنود والذين أصبحوا جزءاً من الإكسبو، كما وحضروا كزائرين وفنانين وعمال.

وظهرت بطاقات بريدية تُجسّد مباني جديدة في سان فرانسيسكو، مع أنقاض الزلازل، وقد أصدر مكتب بريد الولايات المتحدة مجموعة من أربعة طوابع بريدية للاحتفال بالإكسبو، مع عدد من تصاميم قناة بنما، واكتشاف خليج سان فرانسيسكو.

تم طرح الطوابع لأول مرة قبل عامين من بدء الإكسبو للترويج عنه، ثم تم إعادة إصدارها بين 1914 و 1915. كما تم إنشاء سلسلة من الميداليات التذكارية، وميدالية جائزة، وميدالية تذكارية، ودبلومات.

وكانت المرأة أثناء انعقاد إكسبو بنما - المحيط الهادي الدولي مسؤولة عن مجلس إدارتها، وأطلق عليه «مجالس إدارة السيدات»، حيث تقوم النساء بالمشاركة في تنظيم جوانب مختلفة من الإكسبو، والأهم من ذلك مناقشة حقوق المرأة والقضايا الاجتماعية. وقد ساند ذلك اللوحات الفنية التي عُرضت في أروقة الإكسبو، وكان ذلك أكبر دعم لهن.

وأعتبر هذا الإكسبو من أنجح معارض الإكسبو في العالم، وحقق ربحًا يزيد عن مليون دولار. وقد غيّر انعقاد هذا الإكسبو وجه العالم إذ كانت أوروبا متورطة في الحرب العالمية الأولى، وبحلول عام 1917، كادت أن تتورط فيه أمريكا أيضاً.

إصدار عملات تذكارية

سمح الكونغرس الأمريكي لسان فرانسيسكو بإصدار سلسلة من خمس عملات تذكارية، وهي عملات معدنية نصف دولار الفضة في بنما والمحيط الهادي عام 1915 وأربع عملات ذهبية، إذ كانت فئات العملات الذهبية دولاراً واحداً ودولارين وواحداً ونصفاً و 50 دولاراً (في نوعين: عملة مستديرة، وعملة مثمنة غير عادية).

تتميز العملات المعدنية في بنما - المحيط الهادي بأنها أول عملات تذكارية تحمل شعار «نثق بالله».

وتميز إكسبو بنما والمحيط الهادي باتساعه ووجود أحد عشر قصراً عرض تقنيات التكنولوجيا والتقدم والتعليم والزراعة والفنون الجميلة والمنتجات الغذائية والبستنة والفنون الحرة والآلات والتصنيع والمناجم والمعادن والنقل وغيرها.

وكانت الثقافة الهندية موضوع اهتمام خلال إكسبو الذي استمر تسعة أشهر، وهو الأكثر شعبية في تصوير الحياة الهندية من خلال تمثال جيمس إيرل فريزر الذي أظهر رجلاً من سكان أمريكا الأصليين على ظهر حصان.

وشاركت جمعية كاليفورنيا التاريخية ومؤسسة مايبيك، مع مدينة ومقاطعة سان فرانسيسكو للاحتفال بالذكرى المئوية لهذا الإكسبو. ثم أقامت فرقة أوركسترا حفلة موسيقية في قصر الفنون الجميلة للاحتفال بالذكرى المئوية للإكسبو.

وتم إنتاج فيلم روائي طويل يحكي قصة الإكسبو، نفذه الكاتب والمخرج آر كريستيان أندرسون. كان جزءاً من الاحتفال الرسمي لمئوية المدينة الذي أقرته جمعية كاليفورنيا التاريخية، وتم عرضه لأول مرة في متحف دي يونج للفنون الجميلة في غولدن غيت بارك.

 

Email