إكسبو العالم من لندن 1851 إلى دبي 2020

إكسبو إشبيلية 1992

ت + ت - الحجم الطبيعي

عاشت إشبيلية خلال الفترة من 20 أبريل إلى 12 أكتوبر عام 1992 عرساً لا مثيل له، بمشاركة 112 دولة، وعشرات المنظمات الدولية، بحيث تحولت إلى مدينة الملاهي والترفيه، حيث أقيم إكسبو إشبيلية الدولي في جزيرة لاكورتيا، ودشن عصر الاكتشافات، من 1492 إلى العصر الحديث، والاحتفال بالذكرى الـ 500 لوصول كريستوفر كولومبوس إلى الأمريكتين بعد انطلاقه من ميناء إشبيلية.


بلغت مساحة الحدث 215 هكتاراً، ووصل عدد الزوار إلى أكثر من 41 مليون شخص وفقاً للموقع الإلكتروني لمكتب إكسبو الدولي، وفي حينها ترافق مع «إكسبو جيونو» الذي أقيم في مدينة كريستوفر كولومبوس. وكان من المقرر عقد إكسبو بالاشتراك مع مدينة شيكاغو، لكن صعوبات التمويل الوطني والمحلي حال دون ذلك.


وعُرف إكسبو على نطاق واسع بموقعه الضخم، وهو موقع شهير لكولومبوس ورحلته إلى العالم الجديد، وتطلب أياماً عدّة من أجل زيارة أجنحة البلدان المشاركة، حيث تميّز المكان بالعديد من البوابات والجسور المذهلة ووسائل النقل وتنوّعها داخل موقع إكسبو من الباص إلى القارب ومن التلفريك إلى المونوريل.

وبهذه المناسبة تم تجديد مطار ملقة، وإنشاء مطارات وموانئ جديدة ومحطات سكك حديد للقطارات، ناهيك عن البنية التحتية الجديدة تماماً.

رحلة الاكتشافات من 1492 حتى العصر الحديث
شارك في إكسبو إشبيلية 112 دولة، منها الجناح الإسباني الملكي الذي شمل مرافق حيوية عديدة منها الملاحة، الاكتشاف، الطبيعة، والبيئة، وتميّز بمرافقه وفروعه بإطلالته على البحيرة، وعلى الخصوص جناح الاكتشافات، ومسرح أومنيماكس، حيث تم تقديم فيلم إيطالي بعنوان «أوريكا» أعدته الحكومة الإسبانية، من خلال استخدام كاميرا خفيفة الوزن باليد، وقد فاز بجائزة الإبداع الكبرى في إكسبو.

وكان الشعار الذي استخدمه إكسبو، وهو على شكل طائر أبيض كبير مع أرجل فيل، ومنقار عبارة عن قطعة مخروطية طويلة بألوان قوس قزح، تم إنشاؤه من قبل المصمم الألماني هاينز إيدلمان الذي اشتهر بعمله في فيلم «الغواصة الصفراء» وهو فيلم رسوم متحركة أنتج عام 1968 والذي أطلق عليه أيضاً اسم «كورو»، وهو شكل حيوان أندلسي أليف، حيث تم عرضه رسمياً في ساحة إسبانيا في إشبيلية ضمن مهرجان كبير من الضوء والصوت قبل عامين من افتتاح إكسبو.

وتميّز الجناح الإسباني الرائد بشكله المعماري على شكل مكعبات وتم تشييده على بحيرة اصطناعية وامتد على طول «طريق الاكتشافات» ونهاية شارع أوروبا، واستضاف أفضل الأعمال الفنية الإسبانية، بما في ذلك أعمال ميرو ودالي وكارفاجيو، واستضاف المسرح المتحرّك الذي عُرضت عليه مسرحية تتحدث عن أفضل المعالم السياحية في إسبانيا بطريقة ذكيّة وجاذبة.

وعلى طول شارع أوروبا، الذي يضم اثني عشر برجاً ضخماً باللون الأبيض، وبرجاً مركزياً متعدد الألوان، رفعت عليه أعلام دول الاتحاد الأوروبي آنذاك، مما منحه رونقاً خاصاً.

أما بقية الأجنحة فتقع في الجهة اليسرى واليمنى من الجادة. وجسّد الجناح الألماني الثقافة الألمانية، ممثلة ببوابة كبيرة عند مدخل إكسبو.

وشاركت روسيا في أول تمثيل لها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث ضّم جناحاً مع العديد من المربعات المتحركة الملونة على سطحه، مع العلم الروسي، وكلمات تشير إلى روسيا.

كما تم عرض برنامج الفضاء الروسي والقمر الصناعي الذي تم تعليقه من سقف الجناح.

وقدمت الولايات المتحدة نفسها من خلال الشركة العملاقة جنرال موتورز، إضافة إلى العديد من رعاة الشركات الآخرين، حيث رفعوا العلم الأمريكي افتخاراً بريادتهم في عصر الفضاء وذلك على ثلاثة مبانٍ كبيرة معلقة، يمكن رؤيتها من عدة زوايا من بعيد، ولوحة جدارية كبيرة حديثة للفنان الأمريكي بيتر ماكس تصور اكتشاف رحلة كريستوفر كولومبوس ولقاءه مع القارة الأمريكية. إضافة إلى عرض سينمائي كبير بعنوان «أغنية عالمية» أنتجها مصمم التجربة وفريق التصميم الحائز جائزة بوب روجرز.

وتم تقديم معرض دولي لزراعة البساتين عقد في كولومبوس وأوهايو، وفريدوم هاوس وهو بناء منزل نموذجي حاز زيارات كثيرة.

وكذلك تم تقديم الجناح البورتوريكي الوطني الذي صممه سيغوندو كاردونا، وهو عبارة عن مثلث من الحجر مع ثقوب كبيرة تعتمد على المشاركات الخفية في التحصينات العسكرية في الجزيرة، وعريشة من البورسلين الأبيض الحديث وأسطوانة أنيقة من النحاس. وتم توزيع نخيل يُزرع وينمو في بورتوريكو خاصة حول الجناح.

وتميزت اليابان بأكبر هيكل خشبي في العالم، وسلالم متحركة كبيرة تؤدي إلى قلب الهيكل ثم إلى داخل الجناح. وكان يمكن للزائر أن يرى لمحة سريعة عن المجتمع الياباني في الصور بالحجم الطبيعي لأشخاص يابانيين في مهنهم ووظائفهم الخاصة.

كما عرض فيلم الرسوم المتحركة عن اليابان في زمن كولومبوس كما يراه الكاتب دون كيخوت، وتمثيلاً واسعاً لقلعة يابانية في الطوابق العليا من الجناح. وظهرت الهند من خلال رمز الطاووس الشرقي، مع الصاري الأزرق للرقبة والرأس، والذيل متعدد الألوان.

أما المغرب، وهو من الأجنحة الهامة، فتم بناء قصر مغربي تقليدي من ثلاثة طوابق، مع نافورة تشبه شكل صياغة الجواهر.

وكان بإمكان الزائر أن يقوم بجولة معمارية مثيرة إلى العديد من البلدان التي تتنافس على موقع الجناح الأكثر إبداعاً، الذي تميّز فيه اليابان، والمغرب، وإسبانيا.

متاحف وديكورات ومؤثرات
استعرض إكسبو إشبيلية تاريخ الاكتشافات من 1492 إلى العصر الحديث محتفلاً بخمسة قرون من الاكتشاف والغزو، من خلال المتاحف والديكورات والمؤثرات الخاصة في رحلة رمزية قوية.

ويتذكر الذين زاروا إكسبو الصور الظلية السوداء للمداخن العملاقة في جناح ديسكفري الذي احترق في نصف ساعة قبل شهرين فقط من افتتاح إكسبو، وذهبت سدى جهود ثلاث سنوات من العمل والحماس والإثارة ورغم ذلك انعقد إكسبو.

ومن شدة الحرارة المعروفة في إسبانيا، عمل إكسبو على التخفيف من الجو بواسطة نظام تكييف الهواء ذي المرشحات الدقيقة في جميع أنحاء الموقع، على طول الطرق والشوارع الرئيسة، وتم رش الزائرين برذاذ بارد من الماء، إضافة إلى العديد من النوافير والحمامات.

ولأن إكسبو احتفل باكتشاف الأمريكتين، واجهت بلدان أمريكا الشمالية والجنوبية ضغوطاً لتقديم أجنحة استثنائية.

وعلى الرغم من مشاركة الولايات المتحدة التي طال انتظارها بسبب أهميتها ضمن موضوع إكسبو ولأنها كانت تحتل أكبر مساحة من الأرض لجناحها، إلا أن مشروعها كان قيد التطوير، ولم يكن على ما يُرام بسبب نقص التمويل.

ووفقاً لمقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز عام 2004 ذكرت فيه أنه منذ نهاية الحرب الباردة، لم تقدّر الولايات المتحدة معارض إكسبو في العالم، ولم تحتفل كثيراً بهذه المناسبة، وهي اكتشاف كريستوفر كولمبس للأمريكتين.

وقد أقامت وزارة الخارجية الأمريكية هيكلاً يشبه الخيام إلا أنها احتفظت به في المخازن.

وللولايات المتحدة تاريخ في علاقاتها بمعارض إكسبو، فقد شاركت عام 2000 في إكسبو هانوفر الذي حضرته 181 دولة، ولكن مشاركتها كانت ضعيفة لا تتناسب مع حجمها الكبير.

إبراز التقدم الإسباني
يعود تاريخ إكسبو إشبيلية إلى عام 1976 عندما أعلن ملك إسبانيا خوان كارلوس الأول رسمياً عن رغبته في تنظيم إكسبو عالمي للمساعدة في إبراز التقدم الذي أحرزه بلده الذي شهد تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية. عانت الأمة الإسبانية من خلال دكتاتورية استمرت حوالي أربعين عاماً من عام 1939 إلى عام 1975 تحت قيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو الذي كان يسيطر بشدة على الشعب وأبقى البلاد مكبوتة، مدعياً أن إسبانيا «مختلفة» عن بلدان أوروبا.

وفي هذا البلد، أصبحت رقصة الفلامنكو رمزاً للأرض والشمس والروح على أرض دون خوان ودون كيشوت.

ومع وفاة فرانكو في عام 1975 جاء إنشاء الملكية الدستورية وبزوغ فجر حقبة جديدة من الحرية والتقدم. وبحلول الوقت الذي أصبح فيه إكسبو حقيقة واقعة في عام 1992، ارتفع الناتج القومي الإجمالي لإسبانيا من الثمانين إلى الثامنة في العالم في أقل من عشرين عاماً. فقد عكس إكسبو بحق مكانة إسبانيا الجديدة في المجتمع العالمي.

وكان موضوع إكسبو إشبيلية 92 هو «عصر الاكتشافات» والاحتفال بالذكرى السنوية الـ 500 لرحلة كولومبوس الأولى في عام 1492 وبداية عصر إشبيلية الكبير بفضل الذهب والسلع التجارية الثمينة الأخرى التي أعدتها السفن القادمة من دول العالم الجديد.

وقام بتصميم المعرض الرئيس الإسباني في ذلك الوقت، فيليب غونزاليس، الذي كان هو نفسه من إشبيلية حيث أراد نقل منطقة الأندلس بأكملها إلى واجهة العصر الحديث.وتضمنت هذه الخطة الطموحة، التي كلفت 7.8 مليارات يورو، محطة جديدة للمطارات والسكك الحديدية للمدينة، مع قطارات «تي. جي. في.» عالية السرعة التي تربط إشبيلية بمدريد، وخمسة جسور وطرق سريعة الأولى في المنطقة.    

Email