إكسبو العالم من لندن 1851 إلى دبي 2020

إكسبو «العمل الكبير» ميلانو 1906

ت + ت - الحجم الطبيعي

افتتح إكسبو ميلانو 1906، في 28 أبريل، واستمر إلى 11 نوفمبر، سبقه إكسبو «لييج» 1905 في بلجيكا.

وقد أطلق عليه إكسبو العمل الكبير، لأنه في مكانين كبيرين، هما حديقة سيمبيون وساحة دارمي، وهي المواقع الأولى التي استضافت عروض الفنون الجميلة والمعارض الصناعية والهندسية في مختلف الأجنحة الأجنبية ، ومن أهمها، بلدان أوروبا الغربية، والصين واليابان وتركيا وأمريكا وكندا.

وركز إكسبو على النقل والمواصلات، حيث كان أكبر إكسبو للسكك الحديدية في النصف الأول من القرن العشرين، وعرضت خطوط القطارات التي بلغ طولها 9 كيلومترات في لأول مرة، وهي عبارة عن «قاطرات ضخمة وسيارات نوم وصالونات مزينة بشكل جميل».

وكان إكسبو مناسبة لتدشين نفق سيمبلون، أطول نفق للسكك الحديد في العالم، وأقيم من خلاله أكبر جولة فنية استغرقت 8 سنوات، لأن هذا النفق يربط بين ميلانو وباريس ولندن وفيينا.

بداية الفن والهندسة المعمارية في عصر النهضة الأمريكية

في مايو 1906، افتتح ملك إيطاليا، فيكتور إيمانويل الثالث، والرئيس السويسري فورير، هذا النفق الضخم، بعد تزويده بالكهرباء على ثلاث مراحل.

وقد انتهى العمل فيه في عام 1921، حيث وصل طوله إلى 19.8 كيلو متراً. وكان نفق سيمبلون أطول نفق للسكك الحديدية في العالم، حتى عام 1982، حيث كان مفاجأة لزوار إكسبو في حينها.

وكان مدخل مبنى الإكسبو، هو إحدى بوابات النفق.

وقام مجموعة من الفنانين، أمثال أنريكو بوتي، بتصوير عمل النفق الذي استغرق بناؤه على مدى سنوات طويلة، في ظل ظروف قاسية، عانى فيه الآلاف من العمال الإيطاليين، حيث وقع خلال حفر ذلك النفق 69 ضحية.

وتعتبر تلك القطارات التي عملت شركة «واغون ليتز» على بناء مقصورات للنوم، وتناول الطعام، والأرائك المريحة، والأسرة في داخله، الأول من نوعه في العالم.

وكان له الأثر الكبير في عمل سير إكسبو، حيث تم ربط مبنيي إكسبو بخط سكة حديد كهربائي «تراموي»، على جسر خشبي، يمتد لمسافة كيلومتر واحد، مع سرعة 40 كم /‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏ساعة و3 دقائق، في رحلة نزهة وزيارة لإكسبو.

وقد وصفها الصحافي الهولندي كيتنر مبدياً إعجابه الكبير: «القطار الكهربائي الصغير، المؤثث بشكل مريح – كان مثالاً لإدارة السكك الحديدية الإيطالية، التي كانت تنقلنا عبر الجسر إلى أعلى الطرقات والممرات والساحات في بضع دقائق».

محطة سيمبيون

كانت محطة باركو سيمبيون رشيقة ومزخرفة وصغيرة الحجم، رغم أنها مصنوعة من الخشب، صممها المهندس المعماري بيانكي، وكان لها أربعة أبراج وسلالم مرتفعة ومظلة.

وفي عام 1906، تم وضع حجر الأساس الأول لهذه المحطة، التي فاز بها المهندس المعماري أوليس ستاتشيني، بمسابقة التصميم الخاصة بمبنى المحطة.

وبسبب الحرب العالمية الأولى، وعدة أسباب أخرى، استغرق البناء فيها طويلاً، ثم أعيد ترميها وافتتاحها من جديد في عام 1931.

وهي الآن محطة ميلانو المركزية، التي تتكون من مزيج من الآرت نوفو «الفن الجديد» والآرت ديكو.

لم يتبقَ الكثير من إكسبو 1906 في ميلانو، والمبنى الوحيد الذي لا يزال قائماً في حديقة سيمبيون، ويجسد فكرة جيدة عن فن الآرت نوفو، الذي كان سائداً خلال إكسبو.

ومن بعد ذلك، تم عرض القطارات التاريخية في متحف المدينة.

حزام المياه

كان إكسبو ميلانو، نقطة تحول هامة في تطور المدينة، ومن خلاله، يمكن رؤية حزام المياه الذي يدور حول وسط المدينة، في الوقت الذي بدأت حماسة معارض إكسبو تنتشر في جميع أنحاء أوروبا، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولعل أشدها حماسة وتأثيراً، هو إكسبو ميلانو، لما قدمه من ابتكارات جديدة، أعطت للمدينة أهمية كبيرة، بل وأطلقت إيطاليا برمتها نحو أفق التحديث والمعاصرة.

وأقيم في تلك الفترة عدد من المعارض، منها الإكسبو الصناعي في 11 قطاعاً، وأربعة «معارض إضافية» ومعرض للفنون الجميلة، في قصر بالازو ديل سيناتو، وهذا ما أضاف بعداً لإكسبو ميلانو، وجعل من هذه المدينة رمزاً للتقدم الصناعي والتجاري، ومهداً لمهارات الحرف اليدوية ذات التقاليد القديمة.

أي أن إكسبو أصبح محركاً لسباق إيطاليا إلى المستقبل.

40 دولة

استضاف إكسبو نحو 40 دولة في 120 مبنى وجناحاً مشيدين خصيصاً، واستطاعت إدارة إكسبو أن تربط هذه الأبنية لخطوط قطارات التراموي، ما سهّل عملية زيارة الأجنحة بكل يسر.

وتم ربط النقل والمواصلات، كقطاع استراتيجي، بتوسيع التجارة والاقتصاد، ما أدى إلى زيادة التبادلات الثقافية بين إيطاليا والبلدان الأخرى.

وقام بزيارة إكسبو عدد من رؤساء الدول.

كما انتشرت البطاقات البريدية بجميع أنحاء العالم، احتفالاً بهذه المناسبة، ولعل أهم هذه البطاقات البريدية، تلك التي صممها فنان ميلانو الناجح باولو سالا (1859-1904)، مؤسس ورئيس «مجموعة لومبارد للألوان المائية».

كما عرض إكسبو لأول مرة، حوض الأسماك «الأكواريوم»، ولا يزال قائماً لحد الآن.

حريق ميلانو

تعرض الإكسبو في الليلة الواقعة بين 2 و3 أغسطس، لاندلاع حريق دمر جناح «فن الديكور» و«العمارة»، واحترقت جميع الأعمال المكشوفة، إلا أن عزيمة ميلانو لم تثبط، وفي أربعين يوماً تم ترميم المباني المعنية وافتتاحها مرة أخرى، بحضور الملك.

10 ملايين زائر

كان حضور إكسبو لافتاً آنذاك، حيث حضره نحو 10 ملايين زائر من جميع أنحاء العالم، على الرغم من أن عام 1906، كان عاماً مضطرباً في السياسة الإيطالية، حيث استقال اليساندرو فورتيس كرئيس للوزراء، ورفض البرلمان - بأغلبية 221 صوتاً مقابل 188 - قراراً بالحفاظ عليه في هذا المنصب.

وتبع ذلك حكومة بقيادة سيدني سونينو، لكنها استمرت 98 يوماً فقط، تم سحب الاشتراكيون دعمهم، نتيجة لمواجهات عنيفة بين العمال والسلطة العامة في تورينو.

في هذا السياق، افتتح إكسبو ميلانو، لكن كل ذلك لم يؤثر في نجاحه الهائل، في مدينة بلغ عدد سكانها نحو نصف مليون نسمة، بحيث تطلب ذلك افتتاح 30 خط تراموي وقطار في غضون ساعات قليلة، واستطاع القطار الوصول إلى جنيف ثم باريس.

وكانت القطارات الكهربائية معجزة في العصر الحديث حقاً في ذلك الوقت.

وكانت ميلانو تهدف إلى كتابة المستقبل، لتلبية جميع احتياجات الزوار بسرعة خارقة، حيث انتشر الإكسبو في 220 مبنى، و107 أجنحة، ومشاركة 35 ألف عارض من 40 دولة، وبزيارة 10 ملايين زائر، وهو عدد هائل في تلك الفترة.

وبما أن الشعب الإيطالي كان يحب شرب القهوة، فقد تم منح أول براءة اختراع عام 1906، لأول «آلة إسبرسو»، آلة صنع القهوة الإيطالية الشهيرة.

كانت هناك ثلاثة أعمال من القرن السادس عشر، صممها جوليو رومانو (مؤمن بـ 10 آلاف ليرة)، «الأطر مع الزجاج الملون الملون» (3200 ليرة)، خمس «طاولات مائلة حول الجدران» مع التحف والوثائق التاريخية (1700 ليرة).

وكذلك الرسومات ومخطوطات الأرشيف، وسبع وثائق حول تجارة الرقيق، من ميراث كاريلي.

ولعل أهم إنجاز حققه الإكسبو، هو حفر نفق سيمبلون في عام 1905، الذي جعل من ميلانو مدينة قريبة من باريس. وكان الهدف من ورائه، هو تطوير البنية التحتية للمدينة.

110 فنانين

ساهمت مجموعة مكونة من 110 فنانين معاصرين، من إيطاليا والخارج، باللوحات الفنية والمنحوتات والفيديو، بالاحتفال بمعرض خاص بإكسبو ميلانو من 1906 إلى 2015، للحديث عن 110 سنوات من تاريخ إيطاليا.

وقامت الأعمال الفنية بتسلط الأضواء على الأحداث الرئيسة، بما في ذلك إطلاق سيارة فيات 500 عام 1957، والانهيار الأرضي لسد فاجونت عام 1963، ومقتل الرئيس ساندرو بيرتيني عام 1990، والهجوم الذي أودى بحياة المدعي العام المناهض للمافيا، جيوفاني فالكوني، عام 1992، وأيضاً المدافعون عن الفن والثقافة الإيطالية، من بين هؤلاء، نجد الشاعرة ألدا ميريني، وكاتب الأغاني والمغني فابريزيو دي أندريه، والعديد من الفائزين بجائزة نوبل.

وهناك أفلام تؤرخ لأحداث مثيرة للغاية، مثل الحربين العالميتين، والمذابح التي وقعت خلال «سنوات الرصاص»، في فترة من الاضطرابات السياسية التي بدأت في عام 1968، واستمرت لأكثر من عقد، وأهمها كانت مذبحة بولونيا، وفيضان فلورنسا.

كما احتوت هذه التظاهرة على شرح التاريخ الإيطالي، من خلال الأعمال الفنية، بدءاً من إكسبو ميلانو الأول في عام 1906، وحتى الوقت الحاضر.

يعد الجناح الكندي الكبير، الذي افتتح أبوابه في إكسبو ميلانو 1906، تأكيداً على الطاقة القوية، حقق معجزة في التطور، وكانت مفاجأة مذهلة للزوار، وأضحت مجالاً حيوياً للدراسة والبحث.

وكان الجناح الكندي عبارة عن مبنى كبير، مغطى تقريباً بألواح الزنك المطلية باللون الأبيض، وقد قدم جناح كندا منتجات الغابات، وخصوصاً الأرز والصنوبر، ونباتات.

لمنطقة فييرا، وهي المركز التاريخي لمدينة ميلانو تاريخ، يعود إلى الإكسبو الذي أقيم في عام 1906، وهو الأول من نوعه، وأقيم إكسبو 2015 في المدينة ذاتها.

وقدمت ميلانو عبر شركة فييرا، معظم الابتكارات في القرن العشرين.

Email