لم يكن يخطر في بال الجمهور الذي احتشد في أبو ظبي، اكتوبر الماضي، لكي يحيي نجم الأوسكار فورست ويتاكر، الذي نعرفه جيدا بأدواره "ذا باتلير" ولاست كينغ اوف سكوتلند" أن الرجل، الذي غنى على خشبة تكريمه عن انجازات العمر في "ابو ظبي السينمائي"، قد يشهر اسلامه خلال أقل من شهرين من ذلك التاريخ.
في واقع الامر، فان ذلك لم يحصل في الحقيقة، بل في آخر أفلام ويتاكر "طريق العدو" الذي ينافس على جائزة "الدب الذهبي" في "برلين السينمائي" في دورته الرابعة والستين، من اخراج رشيد بوشارب، الجزائري الفرنسي.
ضد صدام الحضارات
يتحدث الفيلم عن مواطن أفرو أمريكي يدعى ويليام غارنيت تمثيل "(فورست وايتكر) قضى 18 سنة في السجن، خلال هذه المدة يقرر اعتناق الإسلام وبعد انقضاء فترة سجنه يسعى لإيجاد معنى أخر لحياته وبناءها على أسس صحيحة وكذا إيجاد طريق جديد يسلكه بعيدا عن ماضيه الذي يبقى يلاحقه كملاحقة الشريف "بيل أجاتي" له تمثيل "هارفي كيتل" المتمسك بفكرة أن ويليام مجرم ميؤوس من حاله ولا بد أن يقضي بقية حياته في السجن نظرا للجرائم التي ارتكبها سابقا ومن هنا يبدأ الصراع، ومع ذلك يسعى البطل من جهته بعد إسلامه أن يندمج في مجتمعه رغم الكثير من الصعوبات والمشاكل التي تواجهه في تلك المرحلة، هذا وقد تم تصوير أحداث الفيلم البوليسي في البداية بالسجن لتنتقل بعدها كاميرا المخرج إلى الحدود المكسيكية لرصد تطورات القصة.
ثلاثية
"طريق العدو" هو الفيلم العاشر في المسار المهني لبوشارب، اشتركت في إنتاجه الجزائر، فرنسا، بلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية، وتعاون على كتابته كل من "أوليفي لورال" والروائي الجزائري "ياسمينة خضرا" وكذا "رشيد بوشارب" الذي يرى أنه وخضرا يشتركان ويلتقيان في أفكار عدة مما جعل التعاون بينهما يثمر عمل أو مشروع ثاني سيصور بكوبا بعد "طريق العدو" الذي سيقدم في برلين بنفس العنوان الذي استوحى منه رشيد بوشارب فكرته "رجلين في المدينة" للسيناريست الفرانكو سويسري "جوزي جيوفاني" المنتج سنة 1973 والذي تقاسم بطولته حينها كل من جون غابين وألان دولان، بينما تعود البطولة في "طريق العدو" إلى الممثل الأمريكي الشهير "فورست وايتكر"، ويعتبر هذا العمل الجزء الثاني من الثلاثية التي بدأها بوشارب منذ عودته إلى استوديوهات هوليوود قادما من باريس بفيلم "فقط كامرأة" الذي كان رابع عمل يجمعه بالفنانة الجزائرية القديرة "شافية بودراع" التي رافقته في "الخارجون عن القانون" أيضا واستغنى عنها هذه المرة حيث قال في هذا الصدد أن الفيلم لا يتطلب ممثلين جزائريين نظرا لطبيعة الموضوع والقصة معا.
لست هوليوديا
بو شارب لا يحبذ توصيفات الصحافة بوصفه بات "مخرجا أميركيا".
يرد بالقول:" لا زلت المخرج الفرنسي الذي يصور أفلاما خارج حدود فرنسا. أفضل أن اضعها على هذا النحو". بل أنه يرفض "شبهة" كونه يخرج أفلاما لكي تتلاءم مع شباك التذاكر الأميركي:" الفيلمان هما جزء من ثلاثية سينمائية تتمحور حول العلاقات بين العالم العربي والولايات المتحدة الأميركية. إنها طريقة للرد على تسويق نظرية صدام الحضارات التي انتشرت بقوة بحد أحداث سبتمبر 2001"!
و يبدو المخرج حريصا على تنويع أساليبه السينمائية في هذه الثلاثية. فالجزء الاول "فقط مثل امرأة"، اتخذ الطابع الاجتماعي الحميمي، حيث قصة سيدتين تتحضران لمسابقة من أجل قبولهما في مدرسة تعليم رقص شرقي، اما فيلمه الجديد فهو يتخذ طابع افلام "الويسترن" الحديثة.
و يتحدث عن الجزء الثالث من هذه الثلاثية بالقول:" سيكون الجزء الثالث متخذا طابع الكوميديا الممزوجة بالاجتماعي، عبر قصة صداقة تجمع بين رجلين أحدهما أمريكي من أصول أفريقية وفرنسي من أصول عربية". الفيلم كتبه السيناريست الشهير لاري غروس، صاحب فيلم "48 ساعة"، وسيكون فيه ايدي مورفي ونيك نولت.
و يعود للتحدث عن "طريق العدو" الذي يتنافس على "الدب الذهبي" بالقول:" انه توليف حر جدا عن الرواية الكلاسيكية لخوسيه جيوفاني. قمت مع اوليفيه لوريل وياسمينا خضرا بكتابة السيناريو، وحافظنا على البعد الاجتماعي في الرواية".
الحدود
وعن اختيار الحدود المكسيكية يقول بو شارب:" اردت ذلك المكان لانه يذكرني باورسين ويلز و(لا سوا دو مال). وهو مكان مثالي دوما لاثارة الحوار عن الهجرة الى الولايات المتحدة الاميركية".
لفترة تزيد عن ثلاثة شهور، سبقت تصوير الفيلم، استطلع بو شارب الحدود، في كاليفورنيا وأريزونا ونيومكسيكو، حيث "أقام بوش جدارا لكي يمنع الفقراء من العبور الى الولايات المتحدة الاميركية. التقيت بأعضاء من "حزب الشاي"، مسؤولين في الشرطة، مدنيين منضمين في ميلشيات محلية".
في مجال آخر سبق للمخرج أن أعلن أنه يطمح لاخراج فيلم عن الثورة الفرنسية، اذ أن ما يحصل في فرنسا من تحولات مدعاة قلق بالنسبة له، "فرنسا في تحول، هناك فقدان للعدالة،عنف اقتصادي، ونخبة تتمتع بالامتيازات وتزداد غرورا وعجرفة"!.