ثنائي شاب بحثا عن قصة عربية لابنتهما الصغيرة فلم يجدا شيئاً بالمستوى المطلوب فأسسا دار نشر تعنى بالأطفال

Bright Fingers.. قصة المحتوى العربي للطفل

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي
يكفي أن تمر أمام جناح دار Bright Fingers المتخصصة بأدب الأطفال حتى يشدك المشهد. الديكور البديع الذي يرسمه مؤسسا الدار سامر القادري، وجلنار حاجو يجذب الكبار قبل الصغار. الكتب التي تتصفحها ستشدك رسومها، وتتمنى لو عدت طفلاً تقرأ. في الواقع ستنهل من هذه الدار وترى واقع الفرق بين ما ينشر للأطفال باللغة العربية من مواضيع سهلة، وكتب رديئة بالمعنى البصري والمضمون.
هنا أنت تختار نوعية رفيعة المستوى لتثقيف الطفل منذ صغره وحتى عمر 16 سنة. لدى الدار رصيد من الكتب يتجاوز 140 كتاباً، منها أربعة فقط مترجمة، أما البقية فمرسومة ومكتوبة ومصممة من الألف إلى الياء في هذه الدار أو «الورشة» لتخاطب ذائقة القارئ العربي بنوعية عالية.
 
في خطة الدار حالياً توجهات لنشر كتب اليافعين، نظراً لما يعانيه سوق النشر من فقر بالمضمون المخصص لهذه الشريحة العمرية. في معرض أبوظبي الدولي للكتاب كان لهما حضور هذا العام، وكان هذا الحوار حول شجون المهنة، وبدايات النشر وحكايتهما اللافتة. 
 
 
جلنار حاجو: النشر للأطفال لا يعني السهولة أبداً
تبدأ حوارك مع جلنار حاجو (خريجة كلية الفنون الجميلة بدمشق اختصاص تصوير زيتي عام 1998) بسؤال عن نبع الإبداع. تفكر لوهلة، وتبدأ التدفق: «لا أفكر بهذه القضية إلا عندما أنتهي من كتابة القصة أو أنتهي من رسمها، أفكر، كيف تخرج هذه الأفكار؟ ومن أين تنبع؟. لا أعرف. كل شيء تراكمي وكل ما فعلته وقرأته إضافة للموهبة، تظهر معاً»، وتضيف حاجو: «أحياناً أضع فكرة محددة وأحياناً بعد النقاش، فمثلاً قصة (أنا والأنا) ولدت بعد نقاشي مع زوجي سامر عن الأنا الكبيرة لدى بعض الناس». إلا أنها تؤكد أن النشر للأطفال لا يعني السهولة لأن «نص الأطفال شيء غير سهل بالمرة، إنما هو أكثر صعوبة لأن عليك اختيار مفردات واضحة وسهلة وقادرة على جذب اهتمام الطفل».
 
عندما تسألها عن بدايات الدار تقول: «لحسن الحظ سبق وعملنا في مجال الغرافيك ديزاين– طريقتنا الوحيدة لبعض الدخل الإضافي عندما كنا طلبة»، إلا أنها تستدرك: «هذه الأنا تعود عليّ وعلى سامر لأننا بدأنا العمل معاً مذ كنا طلبة، لذا اعتدت الحديث عنا ثنائياً».
تضحك وتكمل «منذ السنة الأولى في الجامعة عملنا في محطة الأطفال سبيستون، وأسسنا قسم الغرافيك فيها. وبعد فترة صرت مديرة تحرير مجلات أطفال تابعة للقناة. وعندما دخلت المجال أحببته كثيراً، ونتيجة هذا العمل تعرفت إلى النشر للأطفال في أوروبا. ما شاهدته كان ساحراً. بعدها درست الإعلام، وهنا بدأت الكتابة، لكن نقطة التحول كانت بعد 5 سنوات من العمل في المحطة حيث تغيرت كثير من الأشياء وقررنا أن نؤسس عملنا الخاص، وبعد ولادة ابنتي ميرا (2002) بدأت الكتابة للأطفال عام 2004، وأعترف أن السبب الرئيس لهذه الدار أننا كنا نريد شراء كتاب عربي لميرا ولم نجد فقررنا أن نأخذ الأمر على عاتقنا». 
 
 
بدايات قوية
انطلقت دار «الأصابع الذكية» عام 2005 من دمشق، ونظراً لخبرة سامر وجلنار وعملهما السابق في شركة منظمة جيداً، الأمر الذي عكس أسلوب العمل على دار النشر وأداراها بعقلية الشركة مع فريق متميز، لتكون حصيلة العام الأول 35 عنواناً، ولم يدخلوا السوق إلا بعد إنجازها، ما شكل دخولاً قوياً لسوق كتاب الأطفال. بدايةً كان الناس يتوقعون أنها وكالة لشركة نشر أجنبية (كما هي العادة). إلا أن المفاجأة أن الدار حتى الآن لا يوجد في رصيدها سوى 4 كتب مترجمة فقط، إلا أن هذه الأحلام سرعان ما اصطدمت بصخرة التوزيع. 
 
عندما تسألها عن قبول الناس للكتب التي نشرت، تجيب: «كان إقبال الناس منقطع النظير، لكن الفكرة بالتوزيع في عالمنا العربي وكل دور النشر لديهم قصص سيئة وتجارب غير لطيفة على الإطلاق، وهذه كارثة بكل ما للكملة من معنى، هناك مافيا توزيع».
هنا كانت الصدمة لأن الثنائي قد استثمر مبلغاً كبيراً في هذا المشروع وقدما منتجاً نوعياً منافساً خصوصاً عندما تعلم أن هامش الربح في كتب الأطفال تصل إلى نسبة 200%، إلا أنهما كسرا هذا الرقم واكتفيا بهامش 30% في محاولة لتوفير الكتاب ذي النوعية العالية الجودة للشريحة الوسطى، واستمرت المعاناة لعامين متتاليين (2006-2007) وكان لا بد من أخذ القرار بالاستمرار. 
 
إلا أن الأمور تغيرت عند دخول سوق الخليج، وكانت دولة الإمارات هي المفتاح، حيث توضح جلنار «عندما دخلنا سوق الإمارات عن طريق مديرة مكتبات تغيرت الأمور، حيث طلبت من جميع الموزعين الشراء من عندنا. المشكلة أن موزعي كتب الأطفال ينتقون أرخص الكتب وبسعر عال جداً. ويستغل كثير منهم حاجات المؤسسات التعليمية»، إلا أن معارض الكتاب تبقى النافذة الوحيدة للبيع خارج احتكار الموزع. 
 
 
هوية بصرية 
تلفتك الهوية البصرية المميزة لكتب الدار، فتسألها كيف يخلق الفنان العربي هوية بصرية عربية، خصوصاً أنه سبق لمحيي الدين اللباد، وحلمي التوني فعل هذا، وقلة من فعل هذا. لماذا؟ فتجيب: «هذا كان هاجسي رسامة. كنت أرى الكثير من الرسومات. عندي مشكلة في العالم أن كل ما نراه يشبه شيئاً ما. برامج التلفزيون تشبه البرامج الأجنبية على سبيل المثال، وهذا ما أراه عدم ثقة بالنفس لا أكثر».
 
وتضيف: «موضوع الغرافيك والزخرفة أحبه منذ درست الفنون، واطلعت على الكثير ولفت نظري اللباد، والتوني. وبحثت في هذا الموضوع الذي أحبه وحتى الآن هو هدفي، وبرأيي لا يمكن أن تقوم بشيء مميز ولا يلفتك. الرسومات الإيرانية لافتة جداً على سبيل المثال، عندما اختارت الناشرة الفرنسية ما تريد ترجمته اختارت ما لديه هوية». 
 
كيف يمكن أن يكون هناك هوية بصرية؟ هل هناك عناصر معينة كالدوائر الصوفية مثلاً، لو أردنا التفكيك على سبيل التقريب. «بالنسبة لي أفكر بالإحساس أولاً. أحب الحارات القديمة، والجوامع الأثرية. المبدع أو الرسام لا يفكر بكل شيء هو يرى ويرسم. أنا أبحث أولاً وأرتكز على بعض الأشياء، أحياناً تسمع رأياً يؤثر فيك ويوجهك، فمثلاً لا يشترط أن يكون شكل الفتاة شقراء دوماً. القصة بتوظيف الفكرة للأطفال وكيف تظهر النتيجة بشكل غير سياحي. أنا أحياناً أصل للتجريد وأنا أجسد الروح الشرقية». 
 
في محاولة للعودة إلى بدياتها الفنية تعترف جلنار أنها لم تكن رسامة جيدة عندما كانت في الابتدائية، إلا أن جو المنزل هو من لعب هذا الدور، تقول: «عندنا جو فني في البيت، فأخي سعد رسام كاريكاتير، وأمي ترسم وفي البيت جانب فني ثقافي مميز، عدا موضوع الموهبة». 
 
أسألها وأين سامر/ الشريك في هذه الخلطة؟ فتجيب: «في كل شيء عملنا مشترك. سامر (Book Designer) وحتى عندما نعمل تكوين اللوحة نتناقش كثيراً. أترك لسامر الرؤية العامة للدار، ونتناقش بالتفاصيل. من الصعب أن أفصل بيني وبين سامر ونعمل معاً في الشكل والمضمون»، ومتى تنهي الشراكة وتبدأ حياتكم الشخصية؟. «حالما نخرج من العمل. كان لدينا مكتب وحالياً لدينا مكتب في المنزل. وعندما نتكلم في العمل نعود موظفة ومديراً. أنا لا يوجد عندي روح القيادة، وأترك الأمر لسامر، ونحن نقسم العمل معاً». 
 
 
سامر القادري: لا وجود لما يسمى نبع الإبداع 
تعود للبداية نفسها مع سامر وأول سؤال عن نبع الإبداع؟، الذي يقول: «لا أؤمن بشيء اسمه نبع الإبداع. أؤمن أن العمل الفني هو فعل تراكمي بين قراءاتك ورؤيتك». تقاطعه كانت القاعدة عند جلنار البيت، ماذا عن بيت طفولتك؟ يجيب: «في بيت أهلي لا أحد له علاقة بالفن سواي، لهذا لا أؤمن بأن أحداً يعطيك الإبداع. وأنا منذ صغري أحب الرسم. أحب رسوم الكرتون وأقلدها منذ صغري. بعدها صارت عندي حالة إبداعية. الفكرة كيف يمكن لك توظيف رؤيتك؟ في أي هدف وهذا ما يقوم به كل مبدع في عمله».
 
ويضيف: «ذاكرتي البصرية قوية جداً، فلو ذهبت إلى مكان ما مرة فيمكنني العودة إليه بعد عامين بسهولة. الفن ليس مجرد موهبة. برأيي الموهبة هي عبارة عن شيء غير ملموس، وهي عبارة عن ذهن وفكر مع تدريب فتصير موهبة». 
 
عن تدرج مرحلة الإبداع الفني يقول القادري: «انتقلت من تقليد الرسوم إلى رسم أشكال مبسطة للمغنين، الذين كنت أحبهم»، وعندما تسأله عن تأثير المدرسة يقول: «كانت صفراً بالنسبة لي، ولم أرسم بحياتي في حصة الرسم بالمدرسة. لا أعرف رسم مواضيع المدرسة، لكن الموضوع تغير في المرحلة الإعدادية عندما دخلت مرسم أدهم إسماعيل في حماة، وبدأت مرحلة جديدة، وأدركت التكنيك بشكل جيد». 
 
 
رأس المال الجبان 
ماذا عن الإدارة؟ أنت منغمس بالإدارة أكثر ودراسة السوق والتواجد، لذا بإمكانك الحديث عنه أكثر. «كل الدراسات تقول إن سوق الطفل هي أكبر سوق نام في العالم حتى دخل السمارت فون ونافس، لسبب واحد وبسيط أن الولادات أطفال»، وعندما تسأله عن حجم الإنتاج العربي للطفل يقول: «لا يوجد لدينا إنتاج عربي للطفل على كل المستويات. ما زال لدى العرب عقلية التاجر الذي لا استعداد عنده إلا للاستثمار وربح عشرة أضعاف استثماره دون أي مخاطرة».
ويضرب مثالاً على عقلية التاجر الخائف من خوض المغامرة في مجال جديد، ويقول: «مرة أقيم مؤتمر برعاية دار أطلس وشاركنا ودعينا كل رجال الأعمال السوريين حتى الشباب منهم، وكان الهدف أن نشرح أن النشر في عالم الأطفال بحاجة لدعم منكم، ولا بد من الاستثمار في هذا للنهوض بالمجتمع، والمطلوب المساهمة بجزء يسير جداً من أموالكم، وكانت النتيجة أنهم سعدوا بالعشاء ونقطة أول السطر»،
 
ويكمل مستاءً بالقول: «للأسف هذا مفهوم رجال الأعمال، إلا أن الاستثناء العربي الوحيد هو في لبنان ومصر، وذلك لوجود رجال أعمال داعمين، لأن كثيراً من مشاريع الشباب تم تمويلها من رجال أعمال، لذا النشر لبناني أو مصري»، إلا أنه لا يخفي إصراره على النجاح من خلال مقارنة حجم النشر لدى دار ناشئة (وقتها) كونها دار «الأصابع الذكية» مع غيرها من الدور بمقارنة بسيطة يقول فيها: «عادةً تنشر دور النشر 10- 12 كتاباً، بينما كنا ننشر نحو 25 عنواناً سنوياً، وهذه الوتيرة استمرت حتى عام 2011، لكننا توقفنا نتيجة الظرف الحالي والوضع المالي حيث نشرنا 10 كتب فقط»، وعن دور النشر التي تقدم محتوى عربياً مميزاً يضيف سامر: «إنها لا تتجاوز 10 دور». 
 
 
وظيفة النشر 
يعيد القادري إشكالية القراءة إلى خلط المفاهيم في العالم العربي، فمرة سألته مذيعة «كيف لكم أن تساعدوا أطفالنا حتى يقرأوا أكثر؟»، فكانت إجابته «أنا ناشر وليست وظيفتي أن أساعد ابنك على القراءة، وأبداً ليست وظيفتي. أنا عليّ تقديم كتاب محترم لابنك. أنت والمدرسة والدولة والأهل والمحيط هم مسؤولون عن قراءاته. هنالك خلط. الكاتب والناشر ليس مسؤول عن قراءة المجتمع. إن لم يقرأ الطفل فهذا خطأ دولة وليس خطأ دار نشر».
 
أما كيف يصمد الكتاب الورقي أمام سهولة الآي باد، فهذا موضوع خطر، إلا أن جوابه منذ غزو الإنترنت لم يتغير، ويسخر من هذا السؤال بسؤال يملك إجابته: «كم تأثر موضوع الكتاب العربي مع دخول الإنترنت: لا شيء لأننا شعب لا يقرأ. من يقرأ الكتاب الورقي هو نفسه من يقرأ كتاباً إلكترونياً، فالموضوع تطور طبيعي من الورقي إلى الكتاب الإلكتروني. هي العادة إذاً وبالتالي المسؤولية على الأهل، وهناك دراسات تقول إن الطفل حتى عمر 5 سنوات إن لم يقرأ فلن يكون قارئاً في المستقبل». 
 
 
(أنا والأنا.. حملٌ ثقيلُ) 
قصة طفل لديه الكثير من المواهب ولكنه لا يرى ولا يعيش سوى إنجازه الفردي، لا يشارك أياً من رفاقه بعمله أو بأغراضه فيعيش حالة من الوحدة الداخلية تؤدي إلى التعب الدائم وعدم الراحة نتيجة (الأنا) التي تضخمت وغدت حملاً ثقيلاً.
إلى أن يبدأ وبدعوة من أصدقائه بتجربة المشاركة والاستمتاع بالإنجاز المشترك والشعور بالسعادة الجماعية، حيث يخف من حمله كثيراً وتعود الأنا لحجمها الطبيعي فيشعر أنه خفيف قادر على الطيران.
 
حازت القصة جائزة «أفضل كتاب للأطفال» من عمر 6 - 8 سنوات في مهرجان الشارقة القرائي 2013.
نص ورسوم: جلنار حاجو
 
 
عندما أغضب وعندما أحزن
سلسلة قصصية تعالج مشاعر الغضب والحزن عند الأطفال، من خلال السيطرة على تلك المشاعر والنظر والتركيز على مشاعر الحب والفرح، حازت القصتان جائزة «أفضل نص» من مؤسسة آنا ليند السويدية في عام 2009. 
 
نص ورسوم : جلنار حاجو
 
Email