المغرب.. هيبة الدفاع
غالباً ما تثير خطط وأساليب لعب الدفاع التي تسير على نهجها مجريات مباريات كرة القدم، النقد من المهتمين والجماهير إلى حد أن يكون نقداً لاذعاً، ومقللاً من قيمة الفوز في مباراة أو التتويج بلقب بطولة، إلا أن منتخب المغرب في غالبية مبارياته في مونديال قطر 2022، أبطل الكثير من مفاعيل ذلك النقد، وسحبه بدهاء إلى مربع الهيبة والتقدير والثناء.
وما يشفع للمنتخب المغربي في أسلوب لعبه الدفاعي، أنه قرن ذلك الأسلوب بنتائج غاية في الإيجابية، وربطها بانتصارات يكفي أنها تحققت على حساب عمالقة كرة القدم في العالم، وتوج أسلوبه الدفاعي المحكم بالوصول التاريخي إلى نصف نهائي مونديال 2022، ليكون أسود الأطلس، الأوائل، عربياً وأفريقيا في بلوغ هذه المرحلة المتقدمة جداً في أكبر بطولات «الساحرة المستديرة»، كأس العالم.
وإلى وقت ليس ببعيد، لم يكن متاحاً عدم تعرض أسلوب اللعب الدفاعي في مباريات كرة القدم، إلى الهجوم والتشريح، والتجريح أحياناً، على العكس تماماً من انتهاج الأساليب الهجومية في اللعب، على اعتبار أن متعة وسحر كرة القدم يكمنان في الهجوم الذي يقود إلى تسجيل الأهداف، أو تهديد الشباك فعلياً لأي من طرفي المباراة.
الطريقة الإيطالية
ونظراً لحالة «النفور» التي كثيراً ما يظهرها النقاد والجماهير تجاه أسلوب اللعب الدفاعي، فإن المنتخب المغربي، نجح وبدرجة امتياز في مونديال 2022، بإعادة الهيبة لطريقة اللعب الدفاعي، فاتحاً باباً واسعاً جداً نحو العودة الطوعية إلى الطريقة الإيطالية العريقة في تطبيقات اللعب الدفاعي، والتي قادت الطليان إلى منصات التتويج بلقب المونديال في ما لا يقل عن 3 مرات من المرات الأربع التي توجوا فيها بلقب كأس العالم.
وما يحسب للمنتخب المغربي نجاحه الباهر بإعادة الهيبة لأسلوب اللعب الدفاعي في مونديال 2022، أنه بات المنتخب الأكثر نجاحاً في البطولة، ليس بوصوله التاريخي إلى نصف النهائي فحسب، بل هو الوحيد من بين منتخبات دور نصف النهائي، الذي لم يفقد سوى نقطة وحيدة فقط في دور المجموعات بتعادله السلبي مع نظيره الكرواتي المتواجد أيضاً في الدور ذاته.
الشباك النظيفة
كما أن منتخب المغرب، جسد نجاحه في إعادة الهيبة لأسلوب اللعب الدفاعي في مونديال 2022، بخوضه جميع مبارياته الـ 5 بأقل نسبة استحواذ، مع الاحتفاظ بميزة الشباك النظيفة في 3 مباريات أمام منتخبات كرواتيا وبلجيكا والبرتغال، إضافة إلى نظافة الشباك طوال الوقت الأصلي لمباراة إسبانيا في دور الـ 16، قبل الاحتكام إلى الركلات الترجيحية التي ابتسمت لمصلحة منتخب المغرب، والذي بات صاحب أقوى خط دفاع بهدف وحيد فقط.
وفي دور مجموعات مونديال 2022، لعب المنتخب المغربي مبارياته الثلاث بأقل نسبة استحواذ، وأقل عدد من التمريرات، لكن ذلك لم يمنع أسود الأطلس من تحقيق الفوز في مباراتين، والتعادل في مباراة، وضمان التأهل إلى دور الـ 16 متصدرين مجموعتهم السادسة القوية برصيد 7 نقاط، ما يؤشر إلى نجاعة تطبيق الأسلوب الدفاعي من قبل منتخب المغرب.
الغاية المنشودة
وفي دوري الـ 16 وربع النهائي، واصل منتخب المغرب، تطبيق أسلوب لعبه الدفاعي المتقن، فخاض مباراتيه أمام إسبانيا والبرتغال بأقل نسبة استحواذ، وبأقل عدد من التمريرات، محققاً هدفه الأهم، وهو الانتقال التاريخي إلى الدور نصف النهائي، مرسلاً رسالة تفيد أن العودة إلى اللعب الدفاعي، ليست عيباً في كرة القدم الحديثة، حتى لو جاءت صرخة اللعب الهجومي، أعلى صدى وأوسع انتشاراً، طالما أن الهدف المرسوم قد تحقق وتم بلوغ الغاية المنشودة.
نهج الركراكي
المدرب الوطني حسن علي، أشاد بما يقدمه المنتخب المغربي من مستويات باهرة، ونتائج مميزة، وانتصارات تاريخية على منتخبات تعد من القوى العظمى في عالم كرة القدم، مشيداً بالنهج الفني الذي يقدمه المدرب وليد الركراكي، وتميزه في إقناع لاعبيه على التعاطي العالي، والتقبل الكبير في تطبيق فكره ونهجه في جميع المباريات التي خاضها أسود الأطلس في مونديال 2022.
ولفت المدرب الوطني حسن علي، إلى أن الأداء في بطولة بحجم وشهرة كأس العالم، مهم، لكن الأهم هو النتيجة التي يتم تدوينها في سجلات الاتحاد الدولي (فيفا)، وفي ذاكرة المتابعين والمعنيين والجماهير، مثنياً على تطبيق منتخب المغرب بقيادة مدربه الركراكي، نهجاً جديداً في عالم كرة القدم الحديثة يتمثل في بناء الكتلة الدفاعية الصلبة، والتي تبدأ من حارس المرمى مروراً بخط الدفاع، وصولاً إلى منطقة الوسط، شاملاً خط المقدمة في أداء بعض الواجبات الدفاعية المحددة، وبما يفضي إلى تعقيد مهمة المنافس في اختراق تلك الكتلة.
ولفت حسن علي إلى أن بلوغ الأهداف الكبيرة في كرة القدم الحديثة، لم يعد يتوقف على اللعب الهجومي رغم أهميته البالغة، بقدر ما أن الأسلوب الدفاعي المتقن القائم على بناء الكتلة الدفاعية الرصينة، هو الآخر بات طريقاً سالكاً لبلوغ الغايات المنشودة.
