من بين خطوط الملاعب الصغيرة، حيث تتطاير الريشات بسرعة خاطفة، وتعلو صيحات الجماهير، اختارت الإماراتية ميسون البلوشي أن تسلك طريقاً مختلفاً عن أقرانها، فبينما كان معظم الفتيات يمارسن اللعبة كهواية، أو يتطلعن إلى المنافسة كلاعبات محترفات، قررت هي أن تبحث عن دور آخر داخل الملعب، يجمع بين التركيز والمسؤولية.
لم تكتف ميسون بممارسة لعبة الريشة الطائرة في أوقات الفراغ أو خلال إجازات المدارس، بل وجدت في التحكيم شغفاً جديداً دفعها إلى الانخراط مبكراً في هذا المجال، لتكتب قصة مختلفة وتفتح باباً جديداً أمام المرأة الإماراتية في هذه الرياضة.
وخلال سنوات قليلة، تمكنت الشابة العشرينية من كتابة اسمها في سجلات اللعبة، بعدما أصبحت أول حكمة إماراتية تمثل الدولة في البطولات العربية، واضعة أمامها هدفاً واضحاً هو الوصول إلى الشارة الدولية لتكون أول حكمة إماراتية تنال هذا الاعتماد في لعبة الريشة الطائرة.
في تصريحات لـ«البيان»، استرجعت ميسون بداياتها مع اللعبة، موضحة أنها اعتادت قضاء أوقات فراغها وإجازات المدارس داخل أروقة نادي النصر، حيث وجدت نفسها تنجذب شيئاً فشيئاً إلى أجواء الريشة الطائرة، ومع كثرة متابعتها للمباريات، بدأت تركز على تفاصيل الأداء من خارج الملعب، فكانت تقف تراقب اللاعبين وتتابع احتساب النقاط والأخطاء كما يفعل الحكام، قائلة: «مع مرور الوقت اكتشفت أنني أميل أكثر لهذا الدور، وأن لدي شغفاً مختلفاً بالتحكيم، وهو ما دفعني إلى اتخاذ قرار جاد بالتسجيل في دورة الحكام للريشة الطائرة التي أقيمت في عام 2023».
وعن أبرز الصعوبات التي واجهتها في مشوارها، أوضحت ميسون أن محدودية انتشار اللعبة محلياً كان تحدياً حقيقياً، قائلة: «كثيرون لم يكونوا على دراية كافية بالريشة الطائرة، وبعضهم كان يظنها لعبة بسيطة لا تتجاوز مضرباً وريشة، لكن عند التعمق في قوانينها ندرك أنها رياضة دقيقة تتطلب تركيزاً عالياً ومهارات فنية خاصة، بدءاً من طريقة مسك المضرب وصولاً إلى قوة الضربة وسرعة رد الفعل، هذا ما جعلني أشعر أن دوري لا يقتصر على التحكيم داخل الملعب فحسب، بل يمتد أيضاً إلى المساهمة في نشر الوعي باللعبة والتعريف بقيمتها».
وفي محطة بارزة من مسيرتها، اعتبرت ميسون أن مشاركتها في دورة الألعاب العربية بالجزائر عام 2023 كانت نقطة تحول حقيقية، موضحة: «شعرت بفخر كبير لتمثيل دولتي الإمارات في هذا المحفل العربي المهم، وبدعم من اتحاد الإمارات تمكنت من أن أكون أول حكمة إماراتية تدير مباريات في تاريخ دورة الألعاب العربية للريشة الطائرة، هذه التجربة أضافت لي الكثير، فقد منحتني خبرة عملية واسعة، وأتاحت لي فرصة الاحتكاك بحكام دوليين أصحاب خبرات كبيرة، وكان تشجيعهم لي دافعاً قوياً لمواصلة المشوار».
وانتقلت ميسون للحديث عن شعورها أثناء إدارة المباريات على المستويات الإقليمية والقارية، فقالت: «المشاركة في بطولات عربية وآسيوية تمنح شعوراً كبيراً بالمسؤولية والاعتزاز، فهي تجارب تضع الحكم أمام مستويات عالية وتحديات حقيقية، وفي الوقت نفسه تضيف الكثير من الثقة والخبرة، وهو ما يجعلني أكثر إصراراً على السعي للوصول إلى العالمية».
رؤية تطويرية
أما عن أهدافها المقبلة، فأكدت ميسون أنها تسعى إلى تطوير نفسها بشكل مستمر، مؤكدة: «أخطط للالتحاق بدورات متقدمة للحكام سواء داخل الدولة أم خارجها، وزيادة خبرتي من خلال إدارة أكبر عدد ممكن من المباريات، كما أحرص دائماً على متابعة كل جديد يخص قوانين اللعبة حتى أكون مستعدة بشكل كامل لتمثيل دولتي، هدفي أن أصبح أول حكمة إماراتية دولية في الريشة الطائرة، وأن أفتح المجال أمام جيل جديد من الشباب لخوض هذه التجربة بما يسهم في انتشار اللعبة وتوسعها في الإمارات».
وفي سؤال حول ما يمكن أن يضفي مزيداً من الإثارة على اللعبة، قالت ميسون: «ربما يكون تقليص فترة الاستراحة بين الأشواط خياراً مناسباً، ورغم أنها لا تتجاوز الدقيقتين، فإنها أحياناً تؤثر على إيقاع اللاعبين وحماسهم بعد العودة إلى الملعب، استمرار اللعب بشكل متواصل قد يمنح المباريات تشويقاً أكبر ويزيد من تفاعل الجمهور مع مجرياتها».
واختتمت ميسون حديثها، باسترجاع واحد من المواقف الطريفة التي واجهتها داخل الملاعب، قائلة: «خلال إحدى مباريات الزوجي للرجال، كان اللاعبان توأماً متشابهاً في كل شيء تقريباً؛ من الملابس والحذاء إلى أسلوب اللعب، وهو ما جعلني في البداية أجد صعوبة في تمييز من يبدأ الإرسال، كان الموقف محرجاً للحظات، لكنني تعاملت معه سريعاً بوضع ربطة في يد أحدهما لتفادي أي لبس، مثل هذه التفاصيل تمنح التحكيم جانباً إنسانياً مختلفاً، وتبقى ذكريات جميلة ترافق مسيرتي وتمنحها طابعاً خاصاً».
