في وقت اعتادت فيه الرياضيات على التخصص الكامل في مجال واحد، اختارت الإماراتية هند الهلالي أن تسير بطريق مختلف، لتجمع بين شغفها العلمي كمهندسة إلكترونيات، وحبها الكبير للرياضة من خلال لعبة الريشة الطائرة، التي أصبحت جزءاً من حياتها اليومية، ونافذة لتحقيق طموحاتها الشخصية والرياضية في آن واحد.
خلال أربع سنوات فقط، استطاعت لاعبة نادي النصر أن تضع بصمتها في اللعبة، من خلال مشاركات محلية وخارجية متتالية، أبرزها بطولة العرب في الجزائر عام 2023، والسعودية 2024.
فضلاً عن حضورها اللافت في بطولات محلية مثل دورة الشيخة هند للألعاب الرياضية للسيدات، وبطولة أكاديمية فاطمة بنت مبارك للريشة الطائرة، وبطولة «ناس».
بدأت قصة هند مع الريشة الطائرة حين شاهدت اللعبة للمرة الأولى خلال سنوات دراستها في المدرسة، غير أن انشغالها بالتحضير للعام الدراسي الأخير جعلها تؤجل خوض التجربة، مفضلة التركيز على الامتحانات، لكن الفكرة بقيت في ذهنها حتى دخولها الجامعة، حيث صادفت نادياً للريشة الطائرة، وكان ذلك كافياً ليمنحها الدافع للانضمام وتجربة اللعبة عن قرب، وفي تصريحات لـ «البيان» قالت هند:
«مع بداية دراستي الجامعية اكتشفت وجود فريق للريشة الطائرة، فقررت أن أخوض التجربة، وأعجبتني كثيراً، لأن اللعبة تجمع بين القوة والسرعة والتفكير، كما أنها فتحت لي الباب للتعرف على أصدقاء جدد وبناء علاقات اجتماعية مميزة».
ووصفت هند تلك المرحلة بأنها محطة فاصلة في حياتها، إذ تحولت التجربة الرياضية الجديدة إلى التزام يومي بالتدريبات والمنافسات، قائلة: «كنت قد مارست الجمباز والباليه منذ صغري، وأعرف أن البداية المبكرة تمنح الرياضي أفضلية كبيرة،.
لكنني بدأت لعبة الريشة الطائرة في عمر أكبر، شعرت أن جسدي يحتاج وقتاً أطول للتأقلم مع متطلبات اللعبة، رغم أنني استوعبت مفاهيمها سريعاً، التغلب على هذا التحدي لم يكن سهلاً، لكن التزامي بالحضور اليومي في التدريبات وبذل أقصى جهد جعلني أرى الفرق تدريجياً».
ورغم انشغالها بعملها كمهندسة إلكترونيات، لم يشكل ذلك عائقاً أمامها، بل تحول إلى مصدر قوة إضافية في مسيرتها الرياضية، موضحة: «العمل لم يؤثر على تدريباتي، فأنا أمارس عملي في الصباح.
وأتدرب في المساء، على العكس، ممارسة لعبة الريشة الطائرة جعلت زملائي في العمل يقدرونني أكثر، بل إن بعضهم أصبح يشاركني اللعب، الرياضة ساعدتني على بناء صداقات في بيئة العمل، ومنحتني مهارات في الالتزام والتعامل مع الآخرين».
وأشارت هند إلى أن الجمع بين الهندسة والرياضة منحها ثقة أكبر في نفسها، مؤكدة أن التجربة علمتها أن النجاح لا يقوم على التركيز في مجال واحد فحسب، بل على القدرة على إدارة الوقت وتوظيف الشغف بذكاء، قائلة: «الرياضة بالنسبة لي أصبحت أسلوب حياة ومصدراً دائماً للإلهام، جعلتني أؤمن أن كل هدف قابل للتحقيق إذا التزمت بالعمل والصبر والإصرار».
رؤية مستقبلية
ولا تتوقف طموحات هند عند حدود المشاركة واللعب فقط، بل تمتد إلى آفاق أوسع تجسد إيمانها بأن الرياضة رسالة تتجاوز حدود الملعب، وفي هذا السياق كشفت عن حلمها قائلة:
«هدفي أن أبني مركزاً رياضياً خاصاً بالريشة الطائرة، يكون شاملاً للجوانب الجسدية والنفسية التي يحتاجها اللاعب لتطوير نفسه، أتمنى أن يصبح هذا المركز ركيزة أساسية لتطور اللعبة في الدولة.
وأن يستقطب لاعبين من مختلف أنحاء العالم، بما يساهم في تطوير المستوى وصناعة علاقات جديدة بين لاعبينا واللاعبين الدوليين، كما أحلم بتنظيم بطولة سنوية تحمل اسمي، تستقطب مشاركين من داخل وخارج الإمارات».
وترى هند أن هذه الخطوة ستكون مساهمة في تأسيس قاعدة صلبة للريشة الطائرة في الدولة، توفر بيئة تدريبية احترافية تساعد اللاعبين الناشئين على النمو والتطور بشكل أسرع، وتمنحهم الفرصة للاحتكاك بمدارس مختلفة في اللعبة.
ووجهت هند في نهاية تصريحاتها رسالة خاصة تحمل أبعاداً عميقة، إذ ترى أن الرياضة يمكن أن تكون باباً للتغيير، لا سيما للفتيات اللواتي قد يواجهن صعوبات في خوض مجالات جديدة أو إثبات أنفسهن في بيئات تنافسية، قائلة: «أؤمن أن لكل فتاة الحق في أن تعيش شغفها الرياضي، الرياضة تمنح القوة والثقة، والريشة الطائرة بالنسبة لي كانت طريقاً لاكتشاف نفسي، وأتمنى أن تخوض فتيات أخريات التجربة نفسها».