وسط تفاصيل الحياة اليومية، وبين مسؤولياتها المختلفة، قررت المغربية هند زمامة، وهي أم وجدة في الخمسينيات من عمرها، أن تمنح نفسها فرصة لاستعادة حلم قديم، كان يسكن وجدانها منذ أيام الطفولة، حين كانت تتسابق مع إخوتها فوق سفوح الجبال، ذاك الحنين تحول إلى مشروع حقيقي، أعادها إلى دروب الجبال، لكن هذه المرة بإصرار امرأة تعرف ما تريد، وبعزيمة قادتها إلى أعلى نقطة على وجه الأرض، وهي قمة جبل إيفرست.
وفي تصريحات لـ«البيان»، قالت هند زمامة: «ثقافة التعايش مع الجبال ليست غريبة عني، عندما كنت طفلة، كانت الجبال جزءاً من محيطنا اليومي.. تسلقت قمة توبقال، أعلى جبل في المغرب، وهناك أدركت أن حب التسلق بدأ يتغلغل داخلي من جديد، وقررت أن أربط الماضي بالحاضر، وأن أرفع العلم المغربي فوق القمم السبع الأشهر في العالم».
وبدأ التحدي يتصاعد، نحو اكتشاف الذات وكسر الصور النمطية عن المرأة والدور المجتمعي، واعتبرت هند أن هذه الهوايات كلها هي مصدر قوتها، قائلة: «لم ألتمس لنفسي أعذاراً، بل أردت أن أبعث رسالة واضحة بأن المرأة قادرة على تحقيق ما يبدو مستحيلاً، مهما كانت المرحلة العمرية التي تمر بها»، وأكدت أن تسلق الجبال ليس رياضة سهلة، بل يحتاج إلى جهد بدني ونفسي كبير، ويتطلب تدريبات مكثفة، وصبراً طويلاً، وقدرة على التحمل، إلى جانب الهدوء، وروح التعاون، والاستعداد للتضحية بالراحة والوقت في سبيل الوصول إلى القمة.
ولم يكن الطريق سهلاً أمام هند، فمحاولتها الأولى لصعود قمة كليمنجارو في تنزانيا باءت بالفشل، على بعد 150 متراً فقط من القمة، إلا أن الهزيمة المؤقتة لم تضعفها، بل منحتها درساً آخر عن الإرادة، فعادت بعدها إلى نفس القمة، وتمكنت هذه المرة من الوصول بنجاح، لتتجاوز إخفاقها السابق وتؤكد قدرتها على مواجهة التحديات، قائلة: «ذلك الإخفاق لم يكن نهاية الحلم، كنت على يقين من أنني قادرة على بلوغ هدف أكبر، وأن العمر لا يمكن أن يكون عائقاً، بعد كليمنجارو، شرعت في دراسة القمم العالمية الأخرى، وأدركت أن كل قمة تسرد لي درساً جديداً في الحياة»، وتابعت: «ما زال في حياة المرأة صفحات كثيرة لم تكتب بعد، ويجب على كل واحدة منا أن تمنح نفسها الوقت لتحقيق طموحاتها، من دون أن تقصر في أدوارها كأم وزوجة وامرأة فاعلة في المجتمع».
وكانت قمة إيفرست من أبرز المحطات في رحلة هند زمامة، بعد فترة طويلة من التحضيرات والتدريبات، وسفر إلى النيبال، حيث رافقت فريقاً دولياً خلال مراحل الصعود المتتالية نحو القمة، وعن لحظة الوصول، قالت: «كان شعوراً لا يوصف، لحظة امتزجت فيها مشاعر الفرح والامتنان والفخر، حين وضعت قدمي على أعلى قمة في العالم ورفعت العلم المغربي هناك».
وواصلت هند زمامة مسيرتها بعد صعودها قمة إيفرست بطموح أكبر، حيث وضعت نصب عينيها تحديات جديدة، ولم تكتفِ بالقمم السبع الشهيرة، بل بدأت تخطط لتسلق جبال أخرى، وخلال رحلتها الأخيرة، صعدت قمة «إيلاند بيك» في نيبال، ووصفتها بأنها امتداد لتحدي إيفرست، وأطلقت عليها اسم «ابن إيفرست»، نظراً لقربها الكبير من القمة الأصلية.
ووجهت هند زمامة رسالة واضحة للنساء العربيات، مؤكدة أن تحقيق الأهداف لا يتطلب بالضرورة أن تكون المتسلقة محترفة، بل يكفي الالتزام والانضباط والثقة بالنفس، وفي ختام حديثها، عبرت عن امتنانها لكل من دعمها في رحلتها، قائلة إن ما تحقق هو ثمرة دعم عائلي ومجتمعي، شاركها خطوات الطريق، وساهم في تشكيل شخصيتها، قائلة: أشكر والدي، وزوجي، وإخوتي، وأبنائي، وفريقي، والطاقم الطبي، وكل من كان سنداً لي، هذا الإنجاز جماعي قبل أن يكون شخصياً.
