خلود الزرعوني تكتب مسيرة نجاح في «الشطرنج» بالحكمة والتخطيط

خلود الزرعوني
خلود الزرعوني

تُعد خلود الزرعوني، عضو مجلس إدارة اتحاد الإمارات للشطرنج، ورئيس اللجنة النسائية، وعضو المجلس النسائي في الاتحاد العربي، من أبرز الشخصيات النسائية في الرياضة الإماراتية، حيث جمعت بين الشغف باللعبة والعمل المؤسسي في سبيل تمكين الفتيات، وتعزيز حضورهن في الساحة الرياضية. ويعتبر الشطرنج بالنسبة لها مساراً يعزز التفكير الاستراتيجي، ويحول الأفكار إلى أدوات تأثير. على رقعته تعلمت فن اتخاذ القرار، ومن موقعها الإداري أدركت كيف يمكن لصوتها أن يُحدث فرقاً.

من داخل نادي الشطرنج والثقافة للفتيات بالشارقة بدأت الرحلة، لاعبة شابة، تقودها الموهبة والفضول، ثم مشوار طويل في التنظيم والإدارة، قادها إلى مقاعد القرار.

وتؤمن خلود بأن كل تجربة تحمل رسالة، وترى أن قيمة الرياضة تُقاس بما تزرعه في النفوس من ثقة وإرادة.

وقالت في حوار خاص لـ«البيان»: «اتحاد الإمارات للشطرنج يعمل كفريق واحد، وهناك منظومة لهذا العمل واستراتيجيات واضحة، سواء داخل اللجنة النسائية أو بقية اللجان، كما أنني لا أترأس اللجنة النسائية فقط، بل أتولى أيضاً رئاسة اللجنة الإعلامية، وبشكل عام، النشاط النسائي في لعبة الشطرنج بارز للغاية، وهناك مكاسب كثيرة وإنجازات لبنت الإمارات على كل المستويات، وهذا نتاج العمل الجماعي بين الاتحاد والأندية، ويكفي أن روضة السركال حصلت على لقب أستاذة دولية كبيرة، وهي أول فتاة إماراتية تحصل على هذا اللقب، بعد فوزها ببطولة العرب للسيدات، روضة نموذج مشرف لحالات كثيرة من لاعبات المنتخب».

واستعادت خلود الزرعوني محطات البداية، حيث أكدت أن تجربتها الإدارية نابعة من الميدان ذاته، قائلة: «أنا بنت لعبة الشطرنج، وبدايتي كانت لاعبة في نادي الشطرنج والثقافة للفتيات بالشارقة، وتدرجت في نفس النادي بالمناصب الإدارية. تعلمت الكثير من خلال المشاركة في تنظيم البطولات والفعاليات المجتمعية، وكان لهذا الدور الأثر الأكبر في وصولي إلى عضوية مجلس إدارة الاتحاد».

معطيات واقعية

وتعتمد في تقييمها لواقع اللعبة على معطيات واقعية وخبرة ميدانية، بعيداً عن الانطباعات العامة، حيث قالت: «واقع الشطرنج النسائي مشرف بكل ما تحمله الكلمة من معنى، الإنجازات التي تحققها لاعبات الإمارات في كل البطولات ما هي إلا نتاج عمل وتدريبات مكثفة، ومشاركة في معسكرات وبطولات، وتعاون أولياء الأمور مع المدربين والإداريين.. على سبيل المثال لا الحصر في دورة الألعاب الخليجية الأولى للشباب، التي أقيمت في الإمارات، حصد منتخبنا 36 ميدالية، وكانت البصمة النسائية فيها كبيرة، إضافة إلى 6 ميداليات ملونة في بطولة العرب الأخيرة».

وعن المبادرات العملية التي أطلقها الاتحاد لنشر اللعبة أوضحت خلود: «مجلس إدارة اتحاد الشطرنج برئاسة تريم مطر تريم أطلق مبادرة العام الماضي لنشر لعبة الشطرنج في المدارس، وهذا مشروع وطني مهم، خاصة أن القاعدة كبيرة، وتم تشكيل لجنة برئاسة رئيس الاتحاد من أجل العمل على هذا المشروع الضخم، بالتعاون مع وزارة الرياضة ووزارة التربية والتعليم، ويكفي أن 52 مدرسة طلبت الحصول على ترخيص إشهار نادٍ لها، كما نظم الاتحاد دورات مكثفة للمعلمين في مجالي التدريب والتحكيم، لضمان تكامل المنظومة بشكل فعال».

ولا تقتصر متابعة الزرعوني على التجربة المحلية، بل تمتد إلى الساحة العربية، مشددة على أن الشطرنج في العالم العربي يشهد تطوراً ملحوظاً، وقالت: «مستوى الشطرنج العربي مميز، خاصة أن هناك عدداً كبيراً من اللاعبين واللاعبات حصلوا على ألقاب دولية، كما نجح الاتحاد العربي أن يجعل البطولات العربية مؤهلة لكأس العالم من خلال الحصول على نقاط تأهيلية، كما أن بطلي العرب من السيدات والرجال يحصلان على ألقاب دولية، ما يمنح البطولات العربية طابعاً رسمياً، ويجذب مشاركات واسعة، وبلا شك تتصدر الإمارات قائمة الدول العربية حضوراً وتألقاً في مختلف المنافسات».

وترى خلود أن لعبة الشطرنج انعكست بشكل مباشر على طريقة تفكيرها، قائلة: «الشطرنج يطلق عليها لعبة الأذكياء، وبالفعل من يمارسها يكون لديه القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة من خلال التركيز، وتحديد الهدف ودقة التنفيذ، كما أن لاعب الشطرنج دائماً ما يطور من شخصيته من خلال التعلم من الأخطاء، وهذا يصب في مجال عمله وحياته الشخصية».

توازن

ورغم التزاماتها المهنية تحرص خلود على الموازنة بين طموحاتها الشخصية والتزاماتها الأسرية، قائلة: «أكثر ما يشغل وقتي حالياً خارج إطار الرياضة هو مزيج من التحدي الشخصي والإنساني؛ متابعة دراسة الدكتوراه في إدارة الأعمال، بالتوازي مع مسؤولية تربية ثلاث بنات، هي رحلة أتنقل فيها يومياً بين دفتي الكتب وأحاديث بناتي في البيت، وتمنحني دروساً مستمرة في الصبر، والمرونة، ومعنى القيادة الحقيقية في الحياة، أما الهواية التي بدأت أحرص عليها مؤخراً فهي أن أخصص وقتاً بسيطاً لنفسي، أدون فيه أفكاري بخط اليد، أو أقرأ صفحات من كتاب يُلهمني، ولو لدقائق معدودة.. كأنها استراحة روح وسط زحام المهام».

وحول طموحها بأن تكون وزيرة يوماً ما قالت الزرعوني لـ«البيان»: «نحن نعيش في دولة الإمارات التي تحوّل الحلم إلى واقع، وقيادتنا الرشيدة كانت وراء ما وصلنا إليه من تمكين المرأة في كل المجالات، ولكن قبل أن أفكر في حلم أن أصبح وزيرة، أسأل نفسي ماذا قدمت كي أستحق أن أصل إلى هذا المنصب؟ وبالتالي كل ما هو مطلوب مني أن أواصل العمل وأطور من شخصيتي، وأستفيد من كل المجالات التي أعمل فيها، بما فيها اتحاد الشطرنج».

واختتمت الزرعوني حديثها برسالة للفتيات في الدولة والمنطقة، مؤكدة أن الرياضة ليست حكراً على أحد، قائلة: «الرياضة وطن الجميع، والفتيات يتألقن في كل الألعاب، ربما البعض يردد أن الشطرنج لعبة الفتيات كونها لا تحتاج إلى مجهود بدني، ويمكن ممارستها في البيت أو على جهاز اللابتوب دون الحاجة للذهاب إلى النادي، لكن هذه الفكرة غير دقيقة، فالشطرنج يتطلب مجهوداً ذهنياً ونفسياً كبيراً، لا يقل أهمية عن أي جانب بدني، ورسالتي إلى كل فتاة مارسي الرياضة، واكتشفي اللعبة التي تحبينها، وأبدعي فيها، وحولي الممارسة إلى بطولات، لدينا في الدولة كل الإمكانات التي تفتح الباب أمام الفتيات للعب وإظهار موهبتهن».