نتواصل للعام الثالث على التوالي ونتناول هذا العمل التوثيقي الوطني.. واليوم نبدأ رحلة جديدة من عالم أيام زمان عبر صفحات «البيان» طوال الشهر الكريم أعاده الله علينا باليمن والخير والبركات بعد أن حققت التجربة نجاحاً كبيراً لأنه يخلد تجربة هامة من مسيرة الرياضة الإماراتية وكرة القدم على وجه الخصوص.
ونقول انه عندما تتحول الذكريات الرياضية إلى سطور وصور مضيئة فهي تؤكد أننا نؤمن بأن هناك ما زال للوفاء بقية وما زال الرابط قوياً بين الماضي والحاضر ولهذا كانت هي أهم الدوافع التي دفعتني لتبني هذا المشروع الوطني القيم والذي وجد صدىً طيباً من العديد من المؤسسات الوطنية الرسمية والأهلية بالدولة. وتقديراً منا كصحافة التي تعتبر المرآة الحقيقية لأي مجتمع وللدور الذي لعبه الأوائل من الرياضيين من أبناء الوطن واعتزازاً منا لما قدموه في سبيل النهوض بالرياضة والرياضيين، حتى ما وصلنا إليه اليوم من عطاء مادي ومعنوي لهؤلاء على سنوات عشقهم وولائهم للأخذ بيد اللبنة الأولى التي نعتبرها الأساس وبداية الانطلاقة.
واعتبارا من اليوم سنخصص هذه المساحة للعودة إلى الوراء لتقديم ما توصلنا إليه من جهد ومعلومات وحوارات ميدانية وأي شيء عن هؤلاء الرياضيين، نذكر الجيل الجديد بهم ولنذكرهم بذكرياتهم العزيزة على قلوبهم. وكما عودناكم دائما على الاهتمام بالقدامى، لتكون مادة صحافية خفيفة عليكم ومقبولة تستمتعون بها طوال الشهر الكريم تجاه رجال مخلصين سنظل نذكرهم بالتقدير والعرفان.

يوسف محمد اللاعب الدولي وكابتن الشارقة سابقاً، طرق أبواب المجد والشهرة من أوسعها، وفرض نجوميته منذ منتصف الستينات وهو في مقتبل العمر عندما كان والده يعمل في الكويت، ووقع عليه الاختيار ضمن كوكبة من الناشئين الذين يمثلون نادي الشباب الكويتي، لكن رحلته في الكويت كانت قصيرة، وعاد إلى الوطن الأم في أواخر الستينات ليكمل مشواره الذهبي في فريج المنامة بدبي مع نخبة من الجيل الذهبي لكرة الإمارات أمثال: سالم بو شنين ومحمد الكوس وعبدالكريم مبارك وغانم مبارك وزيد ربيع.
وإزاء هذه الشهرة التي اكتسبها «أبو فهد» كان من الطبيعي أن تتسابق الأندية لضمنه إليها، وكان نادي العروبة الشرقاوي سبّاقاً إلى ذلك، وخطفه من بين الأندية الأخرى ليقوده للفوز بلقب أول دوري إماراتي عام 1973، ولم تقتصر نجوميته على العروبة، بل امتدت إلى نادي الشارقة بعد دمج ناديي العروبة والخليج، ثم إلى المنتخب الوطني الذي شارك معه في أربع دورات خليجية، علاوة على دورة واحدة كمساعد للمدرب، وانتهى به المطاف في عام 1985 عندما أعلن اعتزاله مع شقيقه جاسم محمد في مهرجان رائع شارك فيه نادي الزمالك القاهري.
كانت أيام للنجم الدولي السابق وصخرة دفاع نادي الشارقة يتحدث عنها بشوق وحنين قائلاً: لن أنسى بداية رحلتي في الملاعب بنادي الشباب الكويتي الذي لعبت له موسمين متتاليين، لكن ظروف عمل الوالد غيّرت وجهتي، وعدنا إلى بلادنا الحبيبة لتحط بي الرحال في فريق المنامة بدبي. وفي إحدى المباريات التي حضرها الشيخ مانع بن خليفة المكتوم قطب نادي النصر لفتّ الأنظار.
وطلب مني الشيخ مانع أن أستمر مع هذه المجموعة التي مثلت نادي النصر فيما بعد. وافقت على أمل أن ألحق بالفريق إلى معسكر سوريا، لكن ظروفي حالت دون ذلك، وتوالت المفاجآت بعد ذلك، فدخل نادي العروبة الشرقاوي على الخط عبر لاعبه أحمد مصبح الذي نقله على دراجة نارية من دبي إلى الشارقة ليستقر في ناديه الجديد الذي كان يضم في ذلك الوقت مجموعة من الشخصيات القيادية أمثال: أحمد النومان والدكتور عبدالله عمران تريم وأحمد المدفع وجاسم المدفع وعلي النومان.

ويتابع أبو فهد كلامه مشيراً إلى أن المسؤولين بنادي العروبة تمسكوا به ووصفوه بأنه «لاعب غير شكل»، خصوصاً أن النادي كان يلقى دعماً كبيراً من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
ويتوقف «أبو فهد» عند أبرز المحطات في نادي العروبة الذي شارك معه موسماً واحداً (1973) على أساس أنه انضم بعد ذلك إلى نادي الخليج ليكونا معاً «نادي الشارقة حالياً»، قائلاً: لدرع الدوري الأولى مع العروبة حكاية، فقد قررت إدارة النادي صرف مكافأة قدرها ألف درهم لجميع اللاعبين، وهي مكافأة لا تليق بهذا الإنجاز الكبير، فما كان مني إلا أن طلبت من زملائي إعادة المكافأة إلى الإدارة، وسارعت الأخيرة إلى حل المشكلة برفع المكافأة إلى خمسة آلاف درهم بأمر من صاحب السمو حاكم الشارقة، علاوة على مسجّل وتذكرة سفر إلى مصر لكل لاعب.
وفي الحكايات الأخرى، التي يرويها لنا يوسف محمود، قصته مع حارس المرمى النجم المصري حسن جعفر عندما خدعته كرة عبدالرحمن العصيمي لاعب الأهلي السابق وارتطمت بالأرض لتغير اتجاهها وتدخل الشباك، مع العلم أن يوسف أبلغ زملاءه بأن الخطأ ممنوع في تلك المباراة. ورغم ذلك، فقد انتهى الموقف على خير على أساس أن جعفر ليس مسؤولاً عن الخطأ وهو يكن له كل تقدير واحترام.
وعن علاقته بشقيقه جاسم يقول إن جاسم كان في صفوف النادي العربي بدبي، ولفت إليه الأنظار، وكان أداؤه محل تقدير من صاحب السمو حاكم الشارقة الذي طلب من يوسف استقدام شقيقه إلى نادي العروبة.
ويتابع يوسف كلامه قائلاً إن يحيى شعيب مدرس التربية الرياضية كان أول مدرب يقود العروبة، وكانت هناك جدية في التدريب استفاد منها اللاعبون، وجاء بعد ذلك دور المدربين تاريتش وأحمد رفعت اللذين تركا بصمة واضحة على أداء الفريق.
وعلى حد قول يوسف فإن التنافس في ذلك الوقت كان محصوراً بين أربعة أندية هي: الشارقة، بعد دمج العروبة، والخليج، والنصر، والعين.. ومن جهته كان يعمل ألف حساب لبعض المهاجمين البارزين، وبالأخص سهيل سالم وعبد الرحمن العصيمي وسالم بو شنين ومحمود الراشد.
وعن مش
واره مع المنتخب الوطني، يقول يوسف: البداية كانت مع المدرب المصري شحتة في دورة الخليج الثانية بالرياض، وحصلنا فيها على المركز الثالث، أما في الدورة الثالثة بالكويت، فقد فزنا على البحرين وعُمان، وخسرنا المركز الثالث بركلات الجزاء الترجيحية. وقبل دورة الخليج الرابعة في الدوحة عام 1976، توجه المنتخب إلى القاهرة لإقامة معسكره الخارجي، وقضى اللاعبون يوماً كاملاً إلى أن استقر الفريق في فندق بالجيزة، ثم انتقل بعد ذلك إلى فندق آخر في المقطم، ومن بعده إلى نادي الضباط بعد تشقق الأرض في جبل المقطم.
ويضيف يوسف: شاركت في دورة الخليج أربع مرات اعتباراً في الدورة الثانية في الرياض، وكنت على موعد مع الدورة السادسة التي استضافتها العاصمة أبوظبي عام 1982، لكنني أصبت بتمزّق من جراء التدريبات المشتركة مع زميلي محمد سالم، ويومها اختارني المدرب الإيراني مهاجراني ضمن قائمة الاحتياطيين على أمل الاستفادة من جهودي في حال شفائي، وضاعت الفرصة التي كنت أنتظرها. وبصراحة أقول إن مهاجراني ترك بصمة واضحة على منتخبنا الوطني الذي أصبحت له هوية واضحة بعدما انتهى زمن الأهداف الغزيرة التي كانت تدخل مرمانا. وأذكر هنا أن مهاجراني طلب مني في أحد المعسكرات بإسبانيا أن نستعد لمراقبة جاسم يعقوب وفتحي كحيل وفيصل الدخيل. واستغرق ذلك حوالي 45 يوماً.
ويؤكد يوسف أنه استفاد من جميع المدربين الذين تعاقبوا على المنتخب الوطني وخاصة المدرب الإنجليزي دون ريفي الذي أطلق مقولته الشهيرة «منتخب الإمارات سيقطف الثمار بعد عشر سنوات».
ويتذكر يوسف مباراتنا مع الجزائر والتي انتهت لصالح الأخير 4/0 عندما طرده الحكم بعد الهدف الثالث نتيجة احتجاجه على قراره، وكان وقتها الكابتن أحمد عيسى قائد المنتخب. وعن ظاهرة أشقائه الأربعة في نادي الشارقة، أي جاسم وعبد الرحمن وإسماعيل وخليفة، يقول يوسف إن جاسم كان نجماً فوق العادة، لكن الإصابة عجلت في اعتزاله، وكذلك الأمر بالنسبة لإسماعيل الذي أصيب في «الأنكل».

ويرى يوسف أن جيل زمان يختلف من ناحية التضحيات التي يقدمها بالجدية في التدريب وعدم التركيز على «البيزات»، كما يرى أبو فهد أن الاحتراف خطوة جيدة، لكننا استعجلنا بإطلاقه. وينصح أبو فهد اللاعبين بالجدية في الملعب والمحافظة على النفس، خاصة وأن الإغراءات كثيرة في عصرنا الحالي.
وعن اختيار إبراهيم صالح من نادي الشارقة لتكريمه مع النجوم الذين تركوا بصمة جيدة في بطولات الكؤوس المحلية، قال يوسف: «إبراهيم والدنا» ويستحق هذا التقدير.
ويشيد أبو فهد بمبادرة صاحب السمو حاكم الشارقة وإدارة نادي الشارقة السابقة، والتي تمثلت في مهرجان الاعتزال الرائع الذي أقيم يوم 19 مايو عام 1985 بحضور سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في المنطقة الغربية ورئيس اتحاد كرة القدم في تلك الفترة، قائلاً إن الجيل السابق لم يقصر أبداً، وكان كمن يحفر في الصخر!