تبرير الأندية لفشلها بسبب قلة الميزانيات كارثة حقيقية تحتاج إلى حل جذري

أحمد عيسى لـ «البيان »: أكاديميات الأندية مستقبل الكرة الإماراتية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد أحمد عيسى، أحد أساطير الرياضة وكرة القدم الإماراتية، أن الرياضة كانت وستبقى من أهم الوسائل المؤثرة في بناء المجتمع الإماراتي، والذي أرسى دعائمه المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، والمغفور له، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ويكمل المسيرة من بعدهما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.

وشدد أول قائد للمنتخب الإماراتي الأول لكرة القدم وكابتن الأهلي السابق في المرحلة الذهبية لكرة الإمارات، وأول لاعب نال شرف استلام كأس صاحب السمو رئيس الدولة في منتصف السبعينات من القرن الماضي، على أن أكاديميات الأندية هي الملاذ الآمن ومستقبل الكرة الإماراتية، موضحاً أن السياسات المرتكزة على قواعد وأسس واضحة عند قيام الدولة، ساهمت بما تحقق خلال الخمسين عاماً الماضية من عمر دولة الإمارات، وإنه ليس هناك خوف على الرياضة الإماراتية من التحديات التي تواجهها.

تأسيس

كيف ساهمت الرياضة في بناء الدولة وتطورها بعد تأسيس الاتحاد، ومنح الإمارات بقيادة «زايد الخير» أهمية بالغة للرياضة بشكل عام، ولكرة القدم بشكل خاص؟

الرياضة كانت وستبقى من أهم الوسائل المؤثرة في بناء المجتمع، وتأثيرها بالسلب أو بالإيجاب سيكون نتاجاً للسياسات التي تسير عليها وتنتهجها عند قيام الدولة، والسياسات كانت واضحة وترتكز على قواعد وأسس واضحة، ولا أريد أن أدخل في تفاصيل كثيرة، ولكن كانت بيئة المجتمع منذ التأسيس، شغلها الشاغل هو بناء الدولة، وأساسه وقاعدته وانطلاقه هو الإنسان، ولذا كان التركيز قائماً ودائماً على الاهتمام بإنسان هذه الأرض.

نجاح

أحمد عيسى من الجيل الذي ساهم في بناء الرياضة وكرة القدم في الدولة، فما سر نجاح الإمارات في الـ50 عاماً الماضية من وجهة نظرك؟

في مرحلة انطلاق الدولة وبنائها، كان الشعار الأساسي، بناء الوطن والمواطن وتسخير كل شيء من أجل ذلك، وركزت الكثير من القرارات التي عملت على دفع مسيرة هذا الوطن، على أبنائه بمنحهم أولوية دعم سيرة البناء والتطور والارتقاء فيه، ولا شك أن هذا الحال لم يختص به قطاع الشباب والرياضة فقط، بل العديد من قطاعات المجتمع مثل الفن والنشاط الاجتماعي والثقافي، والتي كان شعارها وسعيها، بناء قواعد التأسيس على عاتق أبناء هذه الأرض في التعليم، وفي القوات المسلحة، والأمن والأنشطة الأخرى.

تحديات

ما أبرز التحديات التي واجهت الرياضة خلال الـ50 سنة الماضية وستواجهها الرياضة خلال الـ50 سنة المقبلة؟

ستظل الرياضة تواجه التحديات بشكل مستمر، لأنها مخلوقة في الأساس لإظهار قدرة الإنسان في مواجهة التحديات، وميدان التحدي هو عصب الرياضة، ورياضة بلا تحدٍ، أشبه بــ« مياه راكدة»، إلا إنه من الواجب الفصل بين تحديات الرياضة الناشئة من طبيعة المنافسة، وتنطلق أساساً من رغبات تحقيق التفوق في المحافل الرياضية، وهي تحديات ضرورية للمنافسة والتطوير، وبين التحديات التي بليت بها الرياضة، وأتمنى هنا ابتعاد من يستغل الرياضة كوسيلة لتحقيق أهداف ورغبات شخصية، وتتزامن أو تتصادم مع المصلحة العامة للرياضة والمجتمع.

بدايات

كيف ترى مستقبل كرة القدم في ظل المتغيرات القارية والعالمية الحالية، خصوصاً وأنك لعبت دوراً مهماً في بدايات اللعبة بالإمارات؟

المتغيرات في عالم اللعبة لن يتوقف، ودائماً يأتي في إطار اقتصادي أو اجتماعي وأحياناً سياسي، وفي كل الأحوال، تحتاج اللعبة إلى سياسة واعية ومرنة وقادرة على تفهم تلك المتغيرات والتعامل معها، لأنها تأتي في إطار تنظيمي ولها علاقة وطيدة بالجوانب الاقتصادية، ما يحتاج إلى تفهم واعٍ ومتابعة لطبيعة تلك التطورات والمتغيرات وتأثيرها على اللعبة في الإمارات.

ولا شك أن المستجدات الفنية تحكمها أسس وقواعد فنية، وفي الغالب من الضروري أنها تخدم كرة القدم، وتتطلب منا تفهماً واضحاً ودقيقاً، لأن المتغيرات حتى وإن كانت فنية، فلا بد بالضرورة من مراجعتها لما يخدم اللعبة، لأن هناك متغيرات تؤثر بشكل سلبي، بالإضافة لمتغيرات إدارية وتنظيمية تحتاج إلى مراقبة ومتابعة، بل وتحتاج إلى إعادة النظر.

من وجهة نظر القائد الأول للمنتخب الإماراتي، ما أهم المتغيرات التي يجب مراجعتها؟

المتغيرات على صعيد اللعبة محلياً، لأن كرة القدم، تحتاج إلى إحداث متغيرات ضرورية ولازمة بين فترة وأخرى، ولكن بالضرورة لابد أن تكون في صالح اللعبة والقائمين عليها والمتفاعلين معها، وبما يؤكد على الدوام أنها تنسجم تماماً مع تطلعات المجتمع الرياضي بكل طبقاته وشرائحه، وتخدم الوطن والمواطن على المدى القريب والبعيد.

تطوير

ما الدور الذي يمكن أن يقوم به منتخب الإمارات في تطوير الرياضة بشكل خاص، والمشاركة في جهود تطوير الدولة بشكل عام؟

يمكننا اعتبار كرة القدم ونتائجها في الدولة، القاطرة التي تقود الرياضة، وكلما جاءت النتائج إيجابية ومتفوقة، كان الاهتمام والدعم كبيراً وشاملاً لكل الألعاب الرياضية الأخرى، لأن منتخبات كرة القدم في كل أنحاء العالم، تمثل ركيزة أساسية في الاهتمام بالرياضة عامة واللعبة بشكل خاص، والكرة تتبوأ الصدارة، وتحظى باهتمام ومتابعة كل شرائح المجتمع، وهي من تقود الاهتمام بالرياضة ومتابعاتها، ونلاحظ على الدوام أن تطور ونتائج ونجاح منتخبات الكرة، ينعكس بصورة إيجابية على كل شرائح المجتمع بشكل عام، وأنصار ومحبي الرياضة بشكل خاص.

وتتحمل منتخبات الكرة، المسؤولية في نشاطها ومشاركاتها ونتائجها، وكلما استطاع منتخب الدولة تحقيق نتائج إيجابية، كلما كان الاهتمام أكبر، وتوفير المتطلبات للرياضة أكثر، والدعم يكون أشمل.

تاريخ

رغم التاريخ الطويل للكرة الإماراتية، إلا إنها ما زالت تعاني من صعوبات إدارية وفنية.. فما الأسباب؟

لا أعتقد أن كرة القدم الإماراتية لها تاريخ طويل، والصحيح إنها استطاعت النمو والتطور والازدهار خلال فترة زمنية محدودة، وذلك من واقع نتائج اللعبة، والإمارات كدولة، سبقت ولادة المنتخب الكروي بأشهر معدودة، إلا أن من واقع دعم ورعاية الدولة للحركة الرياضية عامة، وكرة القدم خصوصاً، حققت الكرة الإماراتية نقلة غير مسبوقة، عندما وصل المنتخب الوطني إلى كأس العالم في إيطاليا 1990، في ترجمة حقيقية للدعم والمساندة التي وجدتها اللعبة من الدولة، وتأكيد في الوقت نفسه، على نجاعة السياسات التي أسست لهذا الوصول، وأبرزها خلق الفرص والتركيز على أبناء الوطن في تطوير اللعبة لإظهار قدراتهم وإمكانياتهم.

ونعم، كرة القدم الإماراتية تواجه الآن الكثير من الصعوبات وأهمها في تقديري، التغيرات في سياسة اللعبة، وأشير هنا وعلى وجه السرعة والإنجاز، نقلة الاحتراف، والتي في تقديري لم تأخذ الدراسة الكاملة، وباختصار أقول إن النقلة الاحترافية لم تعتمد إلا على مستند واحد، وهو المال، وللأسف هذا المال لا يأتي من واقع قيمة اللعبة في البلاد، إنما من خزائن الحكومات الداعمة للأندية وفي تقديري أن الاحتراف سيكون وضعه سليماً ومعافى إذا توقفت الحكومات عن الصرف على الاحتراف.

رعاية

هل يمكن أن تلعب الأكاديميات الخاصة دور الأندية في اكتشاف المواهب؟

من دون شك، قد تلعب هذه الأكاديميات دوراً، ولكن هذا الدور لا يغني عن أكاديميات الأندية، لأن الأكاديميات الخاصة تستقبل من يرغب في الانتساب إليها أو الالتحاق بها، ممن هو قادر على تسديد رسوم الالتحاق، بينما أكاديميات الأندية، ستظل الجهة الحاضنة للمواهب الكروية المتميزة والمحتاجة إلى الرعاية والاهتمام، وعلينا العمل على تطوير مستواها، لأنها ملاذ للمواهب الكروية الوطنية.

ومدارس الكرة في الأندية، لعبت دوراً بارزاً وأساسياً في رعاية اللاعبين الصغار، والمشرفون على هذه المدارس، تحملوا العبء الأكبر في خلق قواعد تدريبية وأسس تربوية ومهارات فنية يبنى عليها.

رؤية

ما رؤيتك لمستقبل الكرة الإماراتية على صعيد المنتخب والأندية؟

المستقبل يحتاج إلى مراجعة شاملة وواضحة للعبة في الدولة، والخروج بسياسات واعية وقادرة على التعامل مع المستجدات الاجتماعية والبيئية التي طرأت على المجتمع الرياضي، ونحتاج إلى شجاعة في الدخول إلى أعماق المستجدات التي طرأت على اللعبة والمجتمع عامة، والجانب الرياضي منه خصوصاً، ونحتاج إلى مراجعة شاملة وكاملة وجريئة وواضحة في إيجاد قواعد رئيسية وثابتة تتعامل مع المجتمع الإماراتي من أدناه إلى أقصاه.

ويحتاج مستقبل الكرة بشكل خاص، والرياضة بشكل عام، إلى العودة لنقطة البداية، والتي كانت فيها الروح الاتحادية، هي منصة الانطلاق لأي شأن رياضي، وتعدد مراكز القوى في الساحة الرياضية، لا يخدم نجاحها ونحتاج إلى مرجعية واضحة.

اهتمام

العديد من الأندية تبرر فشلها بسبب قلة الميزانيات وغياب المواهب.. هل هذا صحيح؟

سأبدأ بغياب المواهب، وفي تقديري غيابها محصلة طبيعية للسياسات المطبقة، وصار بإمكان الأندية الاستعانة باللاعب الأجنبي بحد أعلى من لاعبين مواطنين واللاعب المقيم، واللاعبين أبناء المواطنات الذين سمح لهم باللعب، ولم يسمح لهم بالحصول على جنسية أمهاتهم، والواضح أن هذه السياسات، ليست ثابتة وقابلة للتغيير، ما فتح المجال للاعبين غير المواطنين، بالانتشار بشكل سريع، من خلال تركيز الأندية وسعيها لمواكبة هذه السياسات، والتي تصب في غير صالح اللاعب المواطن.

ومنها جاء تراجع اهتمام الأندية باللاعبين الصغار والناشئين، طالما صار بمقدورهم استيراد اللاعب الجاهز تحت غطاء هذه السياسات التي تسمح باتساع قاعدة اللاعب الأجنبي، أو اللاعبين غير المواطنين في ميدان اللعبة، والجانب الواضح عن غياب المواهب، موجود في بطن السياسات المتغيرة والمتبدلة في شأن تنظيم اشتراك اللاعبين. أما تبرير الأندية لفشلها بسبب قلة الميزانيات، فهذه كارثة حقيقية وتحتاج إلى حل جذري ما هي المصادر التي تمد الأندية بمئات الملايين وتتكفل بها؟ والثابت أن الأموال التي تأتي من السوق، أموال لا تكاد تكفي متطلبات تنظيم وإدارة اللعبة، وما تحصل عليه الأندية من هذا المصدر، لا يمثل إلا النذر اليسير من موازنتها، ولهذا تلجأ الأندية للحكومات المحلية لتولي تغطية مصاريفها.

مسار

قال أحمد عيسى: أرى أن العودة للمسار الصحيح لكرة القدم، ترتبط أساساً في تقديري بعودة الأندية إلى مسارها الطبيعي في المجتمع، ونحن كنا وما زلنا بحاجة لأندية رياضية واجتماعية وثقافية وشبابية، والمجتمع نفسه بحاجة إلى هذه التجمعات التي تعتبر ركيزة من ركائزه، والسنوات القليلة السابقة، فرطنا في الحالة الاجتماعية والشبابية والرياضية التي كانت سائدة، وفرطنا وبسهولة في كيانات رياضية يحتضنها المجتمع، وكان يلجأ إليها ويتربى فيها وكبر وترعرع فيها العديد من أبناء المجتمع. ولا أبالغ إذا قلت إن العديد من الشخصيات الفعّالة في المجتمع الآن، أغلبها عاش وتربى وتدرب وتعلم روح الولاء والانتماء في أحد الأندية، عندما كانت زاهرة بالحياة الاجتماعية والثقافية.

Email