كمال شداد رئيس الاتحاد السوداني في حوار مع «البيان الرياضي»

قضيت عمري في صراع مع السلطة السياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل ينتمي للعصر الجديد الذي يتبلور.. أم هو أداة من أدوات العصر البائد في السودان.. رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم الدكتور كمال شداد، أين موقعه من الواقع السياسي على أرض السودان؟ وما حقيقة صراعاته داخل القطر العربي الشقيق؟

الكثير من المواقف والحكايات كشف عنها البروفيسور في حواره الخاص مع «البيان الرياضي»، والذي أفصح من خلاله ولأول مرة عن الكثير من الأسرار حول صراعاته في الوسط الرياضي، ومع السلطة السياسية، والاتحادات والأندية، والصراع التاريخي مع الصحافة الرياضة.

وتحدّث شداد بصراحته المعهودة، وبكثير من الشفافية عن طبيعة الخلاف مع «تلاميذه» من قادة الاتحاد السابق الذين شكلوا معه مجموعة خاضت صراعات طويلة، وكشف عن الكيفية التي تم بها اختراق المجموعة، وقدّم رؤيته لمشاركة الهلال والمريخ في احتفالات الإمارات بعام زايد بأداء المباراة في الإمارات، كما كشف عن سرقات الأموال الضخمة من بطولة الشان ومسؤولية الاتحاد السابق.. فإلى مضابط هذا الحوار:

المستقبل

ما مستقبل الكرة السودانية بعد الثورة؟

لا خوف على الكرة السودانية لأن الرياضة لا ترتبط بالحكومات وارتباطها المباشر بالجمعيات العمومية للأندية، كما أن الرياضة السودانية ظلت تقاوم طوال السنوات الماضية محاولات التدخل السياسي التي عانت منها كثيراً ووصلت مرحلة تجميد الكرة السودانية لأول مرة من الاتحاد الدولي لكرة القدم.

لا بدّ أن تكون هناك وقفة من داخل الأندية والاتحادات المحلية لمنع التدخل السياسي مستقبلاً، ونحن تابعنا بعض الممارسات في الرياضة بسبب الدعم من قيادات في السلطة، منها وجود أكثر من حساب بنكي كما حدث في مدينة سنار من رئيس الاتحاد المحلي الذي كان يعمل مديراً لمكتب نائب الرئيس المخلوع، الذي قام بفتح أكثر من حساب بنكي لا يُعلم عنها أحداً ومع ذلك ظل رئيساً للاتحاد، وبعد ذهاب الاتحاد السوداني السابق للكرة تم حرمانه 4 سنوات من العمل الإداري.

كما تم اكتشاف حساب لاتحاد الخرطوم كان مخفياً في فترة رئاسة اتحاد الخرطوم المحلي السابق حسن عبد السلام.

كل هذه الممارسات وغيرها ستزول مع التغيير القادم وابتعاد السياسة عن التدخل في الرياضة.

حدثنا أولاً عن مباراة الهلال والمريخ على درع الشيخ زايد بدولة الإمارات.. رؤيتكم كاتحاد لهذا الحدث؟

نقدر للإخوة في دولة الإمارات وصول مسؤولين للسودان لطرح إقامة مباراة الهلال والمريخ في الإمارات، وهذه خطوة متقدمة بوصول وفد رسمي، ويمكن أن تكون فاتحة لمشاركة فرق ومنتخبات إماراتية في مباريات ودية بالسودان.

كما أن المناسبة والأجواء التي أقيمت فيها المباراة كانت مميزة، وتابعنا من خلال المشاهدة الوجود الجماهيري السوداني المميز في المدرجات والتشجيع الراقي بعيداً عن التعصب الذي ملأ ملاعبنا. وسعادتنا كبيرة بهذه الاحتفالية التي ارتبطت بمناسبة مهمة هي عام زايد وبالتغطية الإعلامية المتميزة من الإعلام الإماراتي للمباراة، الذي أفاد بكل تأكيد في التفاعل الكبير مع المباراة.

واستفدنا بكل تأكيد من الزخم الكبير الذي صاحب المباراة، فقد تقدمت لنا جهة بطلب لإقامة مباراة بين المنتخب السوداني والأردني تقام في الإمارات.

ولنا عتاب لغياب الفرق الخليجية من خلال المشاركات في السودان.

العمر

تابعنا تهنئة الاتحاد الدولي لكرة القدم ممثلاً في رئيسه إنفانتينو للدكتور كمال شداد بمناسبة عيد ميلاده الـ82 كيف تلقيت هذه التهنئة؟

هو تقليد أوروبي درجت عليه فيفا، ولديهم سيرة ذاتية لكل من عمل في الفيفا واللجان، ويختار رئيس الاتحاد الدولي بعض الشخصيات، وهي ليست المرة الأولى فقد وصلتني تهنئة في فترة بلاتر، والعام الماضي استلمت التهنئة، وهذا العام أيضاً، في السودان لا يوجد عندنا هذا التقليد، بل في بعض الأحيان إن حدث تتمنى ألا يحدث.

هل العمر الحقيقي 82 عاماً؟

لا.. هو أكبر من ذلك، العمر الحقيقي 84 عاماً، فقد ولدت في فبراير 1935، «الجواز زمان يطلع بالسنة»، وتم استخراج جواز لي بالعام 1937 وكان من الصعوبة تعديله بعد ذلك واستمر التعامل به بهذا التاريخ.

هل للعمر تأثير على العطاء؟

القياس بالعطاء بكل تأكيد وليس العمر أو السن، هناك من قدموا وما زالوا يقدمون عطاءً كبيراً وهم في عمر كبير، وآخرون في أعمار صغيرة ليس لهم عطاء، ولا يوجد ما أخفيه في جانب العمر.

خلاصة التجربة في العمل الرياضي بعد أن وصلت 84 سنة؟

عشت فيها ظروفاً متعددة، للأسف التجربة الرياضية أغلبها في سنوات صراع متواصلة إما مع السلطة السياسية، بسبب التدخل في الشأن الرياضي، أو صراع مع الحزب الحاكم أو صراع مع الأندية، كل القوى كنت معها في حالة صراع دائم، وحالياً أعيش صراعاً مع مجموعة لديها طموحات لكنهم متعجلون لتحقيق طموحاتهم، ويرون أنك تقف في وجه طموحاتهم مع أنهم من جاء لي في منزلي وطلبوا مني قيادة العمل، أصبح هذا الأمر بوجودي في القيادة صعباً للغاية، وكلها إثارة للأزمات.

وهنا أود أن أقول شيئين، أولاً لا تتقدم باستقالتك في حال حدوث أزمة من الموقع الذي توجد فيه، لأنك في حال تقدمت فقدت القدرة على الدفاع عن موقفك من الأزمة أو المشكلة المتفجرة، والاستقالة تحقق للآخرين أهدافهم. بالنسبة للعمل العام إذا تابعت وأنت في عمل عام من كتب ماذا؟ أو قال ماذا؟

سيضيع زمن كبير في أشياء لا تقدم ولا تؤخر. يجب أن تكون مؤمناً بما تعمل ومقتنعاً بذلك، أقول للناس دوماً إن اتحاد الكرة مؤسسة صاحبة قرار وتنفذ القرار، وليس مكاناً للمزاج والرغبات والخدمات، مؤسسة لاتخاذ القرار وتنفيذه (فوق رأس أي زول)، وهذا الأمر سبب لي مشكلات كثيرة، ومع ذلك لا يوجد لدي ما يمنع من قول الحقيقة في حال نشوب أي أزمة، وتجد دوماً من يقول لك لا بدّ من حل وسط، وأنا لا أؤمن بالحلول الوسطى، ولا يوجد شيء يجعلك خائفاً من تحديد موقفك.

حدثنا عن حجم المعاناة من الصراعات التي خضتها، وهل وجدت أي شكل من أشكال التقدير رغم هذه الصراعات؟

عانيت طيلة السنوات الماضية من المضايقات والصراعات، ولكن رغم ذلك كنت أجد تقديراً وحباً من الشارع الرياضي بشكل عام، وهذا رصيد أعتز به، الآن أجد تقديراً أيضاً من بعض المسؤولين في الحكومة، ومعظم هؤلاء يرتبط تقديرهم لي بالدراسة في الجامعة أستاذاً لهم. ولدي آلاف من الطلبة درست لهم في الجامعة.

عداء

لديك عداء تاريخي مع الصحافة الرياضية، ما سبب هذا العداء؟

عايشت الصحافة والإعلام الرياضي على وجه الخصوص وبداية عملي كانت مع جريدة الزمان، مع محمود شمس الدين، وهو الذي جمعني مع الأخ عمر عبد التام في صحيفة الأيام، وأسست القسم الرياضي في الرأي العام الأسبوعي، وعلى حسب خبرتي أرى أن الإعلاميين حساسون بدرجة كبيرة، يعطون أنفسهم الحق في الهجوم على الآخرين.

وعندما تتم مهاجمتهم وانتقادهم لا يتقبلون الأمر، كنت أنتقدهم، وهذا الأمر خلق لي عداوات كثيرة، وكنت أقولها بالصوت العالي وبطريقة مستفزة ليس لديهم إضافة يقدمونها. ولعلمك بدأت العمل الإعلامي وأنا طالب في الجامعة. تعرضت لانتقادات كثيرة خاصة من الهلال والمريخ، يوجد صحفيون على قدر عالٍ من الكفاءة وهم جيدون في انتقاداتهم البناءة، ولكن الغالبية غير مؤهلين للعمل في هذا المجال الصعب.

هل قادتك هذه الصراعات للقضاء والمحاكم والبلاغات في أقسام الشرطة؟

في حياتي الرياضية كلها لجأت للمحكمة مرة واحدة، وقررت بعدها عدم اللجوء للمحاكم، وهو ما لم أفعله حتى الآن، قضيتي كانت مع كاتب مريخي ترأس تحرير صحيفة المريخ منذ زمن بعيد ولا أكاد أذكر اسمه، هذا الكاتب كان وكيلاً لوزارة الشباب والرياضة جاء به وزير الخارجية الأسبق، في فترة حكم نميري منصور خالد، لرئاسة تحرير صحيفة المريخ، خصص الصفحات الثماني لصحيفته هجوماً على كمال شداد.

والسبب كان قراراً من المريخ وقتها بعد أداء زمن إضافي لمباراة المريخ وأهلي الأبيض انتهت بالتعادل، في منافسة شبيهة بكأس السودان الحالي، وكان مستوى المريخ متراجعاً في ذلك الوقت، رفض فؤاد التوم سكرتير المريخ وقتها لعب الزمن الإضافي بحجة عدم وجود لائحة تؤكد ذلك.

اجتمعنا بعدها بصفتنا لجنة منظمة وقررنا إعادة المباراة، ورفض، ولم يتوقف الهجوم من صحيفة المريخ، ولكن المباراة أعيدت وخسر المريخ المباراة، سبب ثانٍ يتعلق بالمنتخب واختيار لاعبين من المريخ لمعسكر خاص بالمنتخب، اعترض المريخ وسحب لاعبيه، وقلت وقتها لا يوجد لاعب في المريخ يستحق ارتداء شعار المنتخب، ورفضت عودة اللاعبين بعد الانسحاب.

وكان أن واصل المنتخب مسيرته ووصل المباراة النهائية وفاز بالبطولة. وتعرضت وقتها لهجوم قاسٍ، وقمت بفتح بلاغ في نادي المريخ، المشكلة عندما ترفع قضية تحاصرك الاتصالات من كل جانب ومطالبات بسحب البلاغ والتنازل عن القضية، وهو ما حدث في هذه القضية، في النهاية وافقت بشرط اعتذار مكتوب، وتم بالفعل كتابة الاعتذار.

ولك أن تتخيل رغم الاعتذار المكتوب خرجت صحيفة بالمانشيتات العريضة تؤكد أن المريخ العظيم لا يعتذر، فلم أجد سوى نشر الاعتذار المكتوب في الصحيفة، فصمتوا.

صراع

الصراعات التي ذكرتها يمكن فهمها في سياق ما ذكرت، ولكن يبقى الصراع مع المجموعة التي ترأستها، وأطلق عليهم اسم تلاميذك، فيها كثير من الغموض حتى الآن؟

الإخوة في أمانة الشباب والرياضة في الحزب الحاكم خاضوا صراعات طويلة في مواجهتي وفشلوا في إقصائي من قيادة اتحاد الكرة عن طريق صناديق الاقتراع، ونزلوا في مواجهتنا كمجموعة أكثر من مرة وفشلوا، وعندما يئسوا اخترقوا مجموعتنا عن طريق نائب رئيس الاتحاد معتصم جعفر، الذي أصبح جزءاً منهم بعد انضمامه للمؤتمر الوطني.

وللعلم كنت عضواً في شورى الحزب الحاكم ولكنهم اختاروني ولم أكن أعلم هذا الاختيار ولم أشارك معهم بشكل فاعل، نجحوا في اختراقنا عن طريق معتصم، الذي تمسك بالترشح لرئاسة الاتحاد السوداني للكرة، وأوحت له أمانة الشباب بأنني أعقد اجتماعات مع مجموعتي في النادي الوطني.

تم دعوتي لاجتماع في منزل رئيس نادي الأهلي الخرطوم الحالي محمود صالح، ووجدت الأخ جمال الوالي، والفريق عبد الله حسن عيسى السفير المعروف، وذكروا لي أن مصلحة الكرة السودانية في مغادرة كمال شداد للاتحاد بحسب حديث الإخوة في أمانة الشباب الذين أصروا على ترشيح معتصم جعفر، وأن القانون يمنعني من الترشح، ولكنه لا يمنعني من الترشح في منصب نائب الرئيس.

ولهذا سوابق معروفة في العمل العام، كما أن كرة القدم لا تحتمل وجود شخص ضعيف ومجامل في رئاسة الاتحاد، المهم بعد أن غادرتهم ذهبت إلى المنزل قررت الترشح لرئاسة الاتحاد ودفع رسوم الترشح عشرة آلاف جنيه، لا يمنع شداد الترشح لمنصب نائب الرئيس بنص القانون الذي لا يمنعني من الترشيح، خاصة أن كرة القدم لا تحتاج إلى مجاملات أو شخص ضعيف، وبعد الذهاب إلى المنزل قررت الترشح لرئاسة الاتحاد بدفع مبلغ عشرة آلاف جنيه، بعد الترشح جلس معي جمال الوالي وطلب مني أن يترشح معي في منصب نائب الرئيس، فأخبرته بأني سأترشح لحسابات محددة.

وفي الوزارة رفضوا الاستثناء بطريقة مضحكة، من مدير إدارة الرياضة في ولاية الخرطوم محمد عثمان خليفة، وهو الذي دعم قرار الدولة والقانون، كما هو معروف صدر في العام 2003، لجأت للاتحاد الدولي لكرة القدم الذي تدخل وألغى الانتخابات بسبب التدخل السياسي في الشأن الرياضي.

سحب الثقة مجرد «ونسة»

أكد د. كمال شداد رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم، أنه دخل في العديد من الصراعات طوال فترة عمره على كافة الأصعدة سواء الرياضية منها أو السياسية، معتبراً أنه لم ينسحب في حياته من صراع، ونافياً أي نية للاستقالة أو الرحيل عن الاتحاد السوداني قائلاً: نعم دخلت في صراعات متواصلة مع المجموعة الحالية، واختلافي معهم في بعض النقاط، يتحدثون عن سحب الثقة مني وأعتبرها (ونسة) وسحب الثقة ليس بهذه السهولة ولن أستقيل.

وأضاف : مازلنا نأمل في وصول الفرق العربية إلى السودان والتباري مع الأندية السودانية وإحداث نقلة في كرة القدم السودانية بفضل التكاتف والتعاضد مع بعضنا البعض خلال دورتنا الحالية التي تمتد لمدة أربع سنوات، خاصة أننا نسعى لتأسيس دورة متكاملة تلبي طموحات الشعب السوداني عامة.

التدخلات السياسية من مآسي الرياضة

اعترف الدكتور كمال شداد رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم، بوجود تدخلات سياسية في الشأن الرياضي، معتبراً أنه من مآسي الكرة السودانية في الكثير من الفترات، وقال شداد: يجب ألا ننسى هنا، الأخ حسن رزق الوزير السابق للرياضة، فقد سألني في إشارة لأمانة الشباب والرياضة (الناس ديل مالم معاك)، وأشاد بالعمل الكبير الذي قمت به.

ولكن مبدئياً، لا يمكن أن تذهب إلى شخص في السلطة لحل أي مشكلة رياضية، للأسف، العمل لم يمضِ في الطريق الصحيح، بسبب التدخلات غير المنطقية للحكومة في منظومة كرة القدم السودانية، أكبر مأساة عندما سلم اتحاد الكرة الحكومة تنظيم بطولة اللاعبين المحليين الأفريقية (الكان)، وكل المآسي والسرقات تمت في تلك البطولة، حيث صاحب تنظيم البطولة العديد من السلبيات، والأموال التي سرقت من المنظمين.

Email