الزمن الجميل

إبراهيم مختار: النظرة المادية وغياب الولاء وراء تراجع كرة اليد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن لعبة كرة اليد أحسن حالاً وأوفر حظاً من بقية الألعاب، بخلاف كرة القدم، حيث تدنت درجة الاهتمام بها إلى حد العدم، لتصبح مجرد لعبة يمارسها الهواة في زمن الاحتراف، الذي ظل مجرد شعار مرفوع ينتظر إنزاله إلى أرض الواقع والتطبيق، ولم تعد هذه اللعبة تحظى بذات البريق الذي كانت عليه أيام الزمن الجميل، وهو الأمر الذي أحزن الكثيرين من عشاقها وممارسيها، خصوصاً من الأجيال التي كانت لها صولات وجولات في ميادينها، ومنهم إبراهيم مختار لاعب العين والمنتخب الوطني السابق، والذي تحدث في حواره مع «البيان الرياضي»، عن واقع كرة اليد، بكثير من الحسرة، مستعيداً ذكرياته مع اللعبة، وكيف كانت، وكيف أصبحت، مستعرضاً في الوقت نفسه الأسباب والمسببات التي أفضت إلى ما صارت عليه حالياً.

وأشار إلى أن جيل الزمن الجميل، كان لديه حب كبير للنادي واللعبة، وولاء واضح لفريقه.

وأشار إلى أن الاحتراف في الرياضة قتل الولاء، وأنهى الغيرة على الفريق، وجعل الحياة قائمة على المكاسب الاقتصادية، وقال «كنا نشعر بالمرض عندما نغيب يوماً عن النادي، وحالياً أصبح هم اللاعب كم سيكون معاشه، وكان يكفينا «كوب حليب»، يعده فرّاش النادي لنحقق الانتصارات والبطولات».

وتناول إبراهيم مختار العديد من ذكرياته خلال هذه السطور.

في البداية، لماذا انطفأ بريق كرة اليد، ولم يعد لها ذلك الزخم والاهتمام؟

الأسباب عديدة، ولكن أعتقد أن الاهتمام الكبير بكرة القدم، سرق الأضواء من هذه الألعاب، كما أن اللعبة لم تعد تحقق النتائج المأمولة، بسبب قلة الولاء والغيرة عند اللاعبين، بعد أن دخلنا زمن الماديات والاحتراف، فأصبح اللاعب يهتم أكثر بما سيحصل عليه، ويلعب من أجل (المعاش)، وليس حباً في اللعبة وتطلعاً لتحقيق النتائج والألقاب.

مصدر رزق

لكن الزمن تغير، وأصبحت الرياضة مصدر رزق للاعبين، فكيف يواجه اللاعبون الواقع؟

لا أنكر هذه الحقيقة، لكن يجب أن يكون هناك ولاء وغيرة وحب للعبة، وليس فقط اللعب من أجل المال، وفي أيامنا كان يكفينا فقط «كوب حليب» يعده لنا فرّاش النادي ويقدمه للاعبين قبل التمارين والمباريات، وكنا بعدها نحقق الانتصارات والبطولات، لأننا نحب لعبة كرة اليد، والرياضة عموماً.

وكنا لا نخرج من النادي بعد التمرين، بل نذهب لنشاهد مباريات التنس وكرة القدم، ونفس الأمر بالنسبة للاعبي الألعاب الأخرى، كانوا يحرصون على حضور مبارياتنا، كما نحرص على حضور منافساتهم، وكانت الأجواء جميلة، مفعمة بالحماس، لدرجة أن الواحد منا عندما لا يذهب إلى النادي، يشعر بالمرض، فنحن نحبه، وهو في قلوبنا، ولا نفكر أبداً في المال، كما يحدث حالياً، حيث أصبح الهم الأول للاعب، هو كم سيتقاضى من أموال.

هل تعني أن عائد الاحتراف أصبح سلبياً على هذه الألعاب؟

عندما جاء الاحتراف، أصبحت الحياة في العالم قائمة على المادة، والجميع يعلم أن الأمور المادية «فانية»، ولكن الأشياء الجميلة تبقى في القلب، والقلب يتبعه العمل، ودائماً أكون في قمة سعادتي، عندما أرى نجاح عملي، لأن النجاح هو ثمرة الجهود، فهذا فضل من الله، وجهود من معك، ونحن اعتدنا في الرياضة أنه لا يوجد مستحيل، وفي حال الخسارة، علينا أن نحدد الأسباب ونعالجها لتحقيق الفوز، فالنجاح يحتاج لشعار العمل ومضاعفة الجهود والغيرة والولاء، والعقلية الاحترافية التي تقدم المصلحة العامة على الخاصة.. لكن الوضع حالياً اختلف، وانقلبت الأمور رأساً على عقب، ولعل ذلك من أسباب الإخفاق في بعض الألعاب.

بداية

أين ومتي بدأت مشوارك مع كرة اليد؟

بدأت في نادي العين، ولم يكن لدينا صالة، وكنت مميزاً في كرة اليد والطائرة، وشاهدني مدرب مصري بالنادي آنذاك، فقال لي يجب أن تختار لعبة واحدة، إما اليد أو الطائرة، فاخترت كرة اليد، لأنني كانت أمارسها منذ أيام المدرسة، حيث كان المدرسون من البحرين يعشقون هذه اللعبة، وبعد ذلك انطلقت في مشواري بكرة اليد في عام 1973.

من الذي جاء بك إلى نادي العين؟

كنت في منطقة الجاهلي، وهي قريبة من نادي العين، وشاهدني الكابتن ربيع إبراهيم، وقال لي لماذا لا تحضر للنادي وتلعب كرة اليد، وكان عندما يصافحني يقول لي، يدك كبيرة وتصلح لكرة اليد.

المتميزون

من كان معك من اللاعبين المتميزين في ذلك الوقت؟

النادي تعاقد مع لاعبين أجانب من مصر، مثل حسن صقر، وحسين لبيب، من فريق نادي الزمالك، وموسى، وعبد الحميد الشاذلي، من تونس، وبعدها استقدمنا لاعبين من يوغسلافيا، أمثال جورو، وبابلوفيتش، وكان لدينا لاعبون مواطنون، مثل عبد الناصر النقيب، ومطر خلفان الرميثي، وثاني سعيد، وهاشم إسحق، وخالد سعيد، وفي الثمانينيات، أصبح لدينا صالة، وتحسنت الأمور.

وأصبح فريق العين أكثر قوة، لدرجة أن فريق نادي الإمارات، وكان وقتها اسمه عجمان، عندما يواجهونا في ملعبنا، نتغلب عليهم بفارق 30 نقطة على الأقل، وعندما نذهب إليهم بملعبهم، يكون الفارق 10 نقاط لصالحنا، ولم يكن يرضينا ذلك، فكنا نبكي ونحزن، وكانت جميع الفرق تهابنا، وكانت لدينا روح التحدي والتنافس، ونتقبل الخسارة بنفس درجة تقلبنا للفوز، وبعد ذلك نتقابل في المنتخب كأصدقاء، ويصبح الولاء للمنتخب.

من المدرب الذي كان له الفضل في بروزك؟

هم كثر، أذكر منهم على سبيل المثال، عابد درويش، وكان خبيراً في الجانب النفسي وتعزيز معنويات اللاعبين، وزرع الثقة بداخلهم، والتونسي مصطفي الحجار، والذي كان يلح عليّ دائماً بأن أكون أفضل اللاعبين، وتطور مستواي على يديه.

كيف كان حبكم للعبة؟

كنا بعد أن ننتهي من المدرسة، نذهب مباشرة إلى ملعب نادي العين الخارجي، وكانت حرارة الشمس عالية، والظروف قاسية، لكن كان لدينا حب كبير للنادي واللعبة وولاء، وكنا نتحمل المصاعب من أجل التدريب والوصول لأفضل مستوى.

وبالمناسبة، أتذكر أنه كان لدينا فراش هندي، اسمه محي الدين من كيرلا، قضى معنا فترة طويلة، حتى حفظ قوانين كرة اليد، وكل ما يتعلق بها، لدرجة أنه كان يشارك معنا في النقاش بأدق تفاصيل اللعبة.

ومن اللاعبون البارزون في الأندية الأخرى وقتها؟

في الوصل كان مغناش، والصياد من الجزائر، وأحمد عربشة من سوريا، ولاعب من الإسكندرية اسمه سعيد الأشول، وفي نادي الشارقة كان طلال أغا، وقيس من سوريا، وفي الوصل كان حمدون، وخليفة غانم، وعبد السلام، وكان حمدون يعتبر لاعباً أجنبياً، كانت أيام جميلة، وما زلنا كلاعبين قدامي نتجمع، ونستعيد تلك الذكريات، وأشكر نادي الشارقة الذي اعتاد على إقامة جلسة للاعبين القدامى ويدعونني إليها.

هل كانت هناك صحف وقنوات إعلامية عندما كنت لاعباً؟

كانت الصحف أكثر من القنوات التلفزيونية، وشخصياً، لدي عدد من قصاصات الصحف التي تناولت أخبارنا وصورنا، وكنا نفخر ونعتز بما يكتب عن الفريق واللاعبين.

اهتمام

كيف كان اهتمام مجلس إدارة نادي العين باللعبة في ذلك الوقت؟

إدارة نادي العين دائماً تدعم الفرق وتساندها لحصد البطولات، وكان لدينا مجلس إدارة نفتخر بأعضائه، أمثال ناصر ضاعن، وخليفة ناصر، وعبد الله بن هزام، وإبراهيم رسول، وكان شيوخنا يتابعون كل صغيرة وكبيرة باهتمام كبير، وكان حماسنا يبلغ قمته، عندما نشاهد أعضاء مجلس الإدارة وهم يتابعون تدريباتنا.

لقطات

20 ألف درهم أكبر مكافأة

أشار إبراهيم مختار، إلى أن أكبر مكافأة نالها، كانت في حدود 20 ألف درهم، عندما فاز العين بلقب البطولة العربية في الأردن عام 1982، وكانت الفرق قوية، منها حمام الأنف التونسي، وكان في مجلس الإدارة يومها الأستاذ محمد شمل، وقال: أقمنا معسكراً في يوغسلافيا قبل البطولة، استمر لمدة شهر، وكان الإصرار كبيراً للحصول على اللقب، لتعويض إخفاقنا في بطولة عام 1977 في تونس، حيث حصلنا وقتها على المركز الرابع، وأذكر أنه بعد مباراة النهائي بالأردن، ذهبنا لنلتقط صوراً تذكارية مع عدد من المسؤولين الذين حضروا مراسم التتويج، وفي نفس الوقت، جاء فريق حمام الأنف التونسي لالتقاط صور، فقيل لهم «العين قبل الأنف»، فضحكنا جميعاً.

الشارقة والوصل والعين الأقوى

تحدث إبراهيم مختار عن أقوى فرق كرة اليد في الزمن الجميل، وقال: «كانت هناك فرق قوية مثل الشارقة والوصل، وكانت تشكل مع العين أقوى فرق، وكانت المباريات بين هذه الفرق الثلاثة تعد قمة اللقاءات ومواجهات ساخنة ينتظرها الجميع، وكان يسبق هذه المباريات حماس وزخم كبيرين، وكانت الجماهير تحتشد منذ وقت مبكر، وكان يتابع مبارياتنا شيوخنا الكرام الذين كانوا يحرصون على حضور المباريات، وشيوخ نادي العين كانوا ولا يزالوا يعشقون الرياضة، ويقدمون لها الدعم لأنهم نشأوا على حبها».

05

أكد إبراهيم مختار أنه تم اختياره لتمثيل المنتخب بعد إكماله ستة أشهر في نادي العين وقال: شاركت في 5 بطولات خارجية ومنها ثلاث آسيوية وواحدة عربية وأخرى خليجية وكان على رأس اتحاد الإمارات لكرة اليد أحمد الفردان، وعبيد سالم وعدد من الأعضاء وكانوا يشاركون ويسافرون معنا للبطولات الخارجية. العين - البيان الرياضي

اعتزال في قمة العطاء

أكد إبراهيم مختار، أنه أعلن اعتزاله كرة اليد رسمياً في التسعينات رغم أنه كان قادراً على اللعب وقال: «فضلت الاعتزال وأنا في قمة العطاء، وحاول الكثيرون ثنييي عن قراري من أجل العودة إلى الملاعب، ولكنني تعللت بظروف العمل، ثم اتجهت لمجال التحكيم ونلت الشارة الدولية وأدرت مباريات عدة في بطولات داخلية وخارجية».

وتابع: دخلت مجال الإدارة وشعرت بالصدمة في اللاعبين لانعدام روح الولاء لديهم، حيث كان يغلب على تفكيرهم الامور المادية فقط، وفي جيلي كنا عندما نخسر أو نتعادل لا نتناول وجبة العشاء، ودائماً ما يكون زميلي ربيع إبراهيم أكثرنا حزناً وعصبية لدرجة أنه يخلع حذاءه ويرميه من نافذة الحافلة ،وكنا عندما نقترب من مدينة العين ونرى جبل حفيت، يتضاعف الحزن في داخلنا لأننا عدنا دون فوز. العين - البيان الرياضي

Email