حكاية حلم

لحظة مخاض

ت + ت - الحجم الطبيعي

في شهر فبراير، عندما كان الشتاء يدق أبواب المدينة، والجليد يكسو شوارع منطقة «ساو بيدرو»، أحد أحياء جزيرة ماديرا المطلة على ساحل ‏البرتغال الغربيّ، كانت هي تئن من ألم المخاض، تلعن تلك اللحظات التي يمتزج فيها «الوجع» بهموم الحياة، وقسوة الأيام.. في تلك المعاناة تذكرت رغبتها السابقة في إجهاض حملها، ورفض طبيبها لطلبها.. تخشى على طفلها القادم من الفقر، فهي مجرد طاهية، وزوجها عامل معدات، وبستاني بدوام جزئي، ينسق ورود الحدائق وزروعها.. مع لحظات فكر مشتت في أعماق الألم، خرج الوافد الجديد، مطلقاً صرخة الحياة، متحدياً معاناة العائلة، ومنضماً رابعاً لإخوته، أخ، وشقيقتين، يتقاسم معهم غرفة واحدة، فيما كان والداه في الغرفة الأخرى.

هذه المرأة، عانت الكثير، وهي ترى زوجها يعاقر الخمر.. تخشى على أطفالها من هذا الإرث الكئيب، لاسيما صغيرها الذي يلازم أبيه، ويرتبط به كثيراً، حيث يصطحبه إلى نادي «أندورينها» الذي يعمل فيه عامل معدات، وهناك تعرّف الصغير على الكرة وارتبط بها.

في محيط الزمن.. استمرت الأم في كفاحها طاهية لإعالة الأسرة، بعد أن ساءت صحة الأب واعتل كبده.. تنظر إلى آخر أولادها، وتتعجب من أسلوبه الناضج، وتعامله بكبرياء الرجال.

ذات يوم جاءها معلناً رفضه للدراسة، لأن معلمه سخر منه، وقال له إن فقيراً مثله لن تطعمه كرة القدم، ‏فهاجمه وترك المدرسة، وبعد أن لعب في نادي «أندورينها»، انتقل إلى «ناسيونال ماديرا»، ومنه انضم وعمره 12 عاماً إلى «سبورتينغ لشبونة» مقابل 1.500 جنيه استرليني، ليبدأ مسيرة الحلم، حيث صعد في موسم واحد من فريق 16 سنة إلى الفريق الأول، وما لبث حتى بزغ نجمه، فرحل إلى مانشستر يونايتد ‏عام 2003، مُقابل 12 مليون جنيه استرليني.

بعد ستة أعوام قضاها في ملاعب الإنجليز، انتقل إلى ريال مدريد ومعه حقق تاريخه غير المسبوق، حيث أصبح الهداف التاريخي للريال بـ 338 هدفاً.

في رحلة الحلم، سعى لأعمال الخير في كل الاتجاهات، واجتهد كثيراً في التدريبات.. يقول: «حين أرى الفقراء لا أتبرع لهم من باب الشهرة، وإنما لأني عانيت من الشيء نفسه».

هكذا كانت لحظة مخاض الأم، في ظاهرها، أنّات وشقاء، وفي باطنها سعادة وهناء.. خشيت عليه الفقر، فأصبح من أغنى الأغنياء.. وخافت عليه التجاهل، فبات أشهر نجوم عصره.. وجزعت عليه من عادات أبيه الذي مات، فأضحى لا يشرب الخمر، لأنها سبب الوفاة، ويرفض الوشم لتبرعه بالدم للصليب الأحمر، منذ كان عمره 25 عاماً.

إنها ماريا دولوريس.. أم الأسطورة «كريستيانو رونالدو».

 

 

 

Email