حكاية حلم

لهو الجليد..!

ت + ت - الحجم الطبيعي

بأنفاسه الدافئة، ظل ينفث في كفيه الصغيرتين، يفركهما ليولد الطاقة بين أنامله التي تكاد تتجمد من الصقيع، فور خروجه من مسكن العائلة مهرولاً إلى الشارع.. كاد يختنق من زحمة البيت، فقد ضاق عليه، هو وأخوته السبعة، وأمه وأبوه.. لم يهتم كثيرًا بالأضواء المتناثرة من شجيرات الميلاد المتلألئة بطول الطريق المؤدي إلى ساحة كبيرة اكتست بالثلج الأبيض، معلنة عن احتفالات رأس السنة، كل ما يهمه فقط، أنه سيلتقي مع رفاقه، ويلهون تحت أعمدة الإنارة التي يكشف شعاعها عن الثلج المتساقط، كالقطن المنفوش، فتزيد من بياض ليل منطقة «برون» إحدى ضواحي مدينة ليون الفرنسية.. الركض والتزلج فوق الجليد ولعب الكرة، هي شريان الحياة له، منذ أن كان في التاسعة من عمره، وحين حدد لنفسه حلمًا، كان أكبر من تلك المدينة التي يعيش فيها، وتشتهر بصناعة السيارات والغزل والنسيج، وإنتاج الحرير.. حلم، لا يزيد عن انتشال أسرته مما هي فيه من ضيق وفقر.. عقد عزم الطفولة، أن يكون مصدر سعادة لهذه العائلة المكابدة، وينقلها إلى مسكن كبير يتسع لأفرادها، دون ضجر أو مناهدة.

وقف مع أصدقائه الصغار.. يلتقطون أنفاسهم المرحة في «لهو الجليد».. فكر مليًا، وهو يمسك مجلة «فرانس فوتبول» ويفند صفحاتها، باحثاً عن ملهمه زين الدين زيدان، يقرأ بنهم أخباره، ويتمنى أن يكون في يوم ما، مثله.

سبق وعلم من والده، أن جده كان يحلم برغد العيش لأولاده وأحفاده، فغادر الوطن الأم، في خمسينيات القرن الماضي، واتجه مع جدته عبر البحر، من مدينة تيقزيرت بولاية تيزي وزو الجزائرية إلى فرنسا، باحثاً عن حياة رغدة، ولكن كفاحه المضني، لم يكلل بالنجاح الذي كان يأمله.. ها هو يسعى لتحقيق حلم جده المنشود، انطلق مع موهبته، يتنفس كرة القدم، ويتقن هز الشباك، فاكتشفه كشاف لنادي ليون وضمه عام 1996 لفريق الناشئين وعمره 9 سنوات، ولما اشتد عوده، استعان به مدرب تحت 16 سنة، فسجل 38 هدفًا، ثم صعده المدرب «بول لي جوين» للفريق الأول وعمره 18 سنة، وبعدها وقع النادي معه عقداً احترافياً ثلاث سنوات لتبدأ مسيرته مع الشهرة والنجاح، حيث أصبح المهاجم الأول للفريق، وأغلى لاعبيه سعراً، بعد انضمامه للمنتخب الفرنسي وهو ابن 19 سنة، وحصل عام 2007 على لقبي هداف الدوري وأفضل لاعب.

في رحلة الكفاح.. يترك مدينة ونادي ليون وينضم إلى ريال مدريد الإسباني، ومعه يحقق حلمه الكبير، ويصبح ماهو عليه، جزءًا من تاريخ هذا النادي العتيد.

إنه كريم عبد الحفيظ لكحل دا آيات بن زيما.

Email