مونديال الأندية.. بين طموحات «فيفا» وسكون المدرجات

مدرجات ملاعب كأس العالم للأندية في الولايات المتحدة شهدت إقبالاً جماهيرياً في بعض المباريات     
مدرجات ملاعب كأس العالم للأندية في الولايات المتحدة شهدت إقبالاً جماهيرياً في بعض المباريات   

رغم ضخ 50 مليون دولار في حملات تسويقية غير مسبوقة، مازالت مدرجات بعض ملاعب كأس العالم للأندية 2025 في الولايات المتحدة تعاني من مقاعد شاغرة، في أول اختبار ميداني حقيقي لاستراتيجية الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» في اختراق السوق الأمريكي، والترويج لبطولة يعدها رئيس «فيفا» جياني إنفانتينو مشروعه الأهم، وذلك وفقاً لما كشفه موقع «ذا أتلتيك».

على مدى سنوات، سعى الاتحاد الدولي إلى إعادة صياغة مفهوم كأس العالم للأندية، وتحويلها من بطولة سنوية تقام في توقيت مزدحم من الموسم وتعد في نظر كثيرين مسابقة هامشية، إلى تظاهرة كروية عالمية تجمع كبار الأندية من مختلف القارات، وتوازي في تأثيرها وجاذبيتها كأس العالم للمنتخبات.. وكان الهدف الأبعد من هذا التحول هو خلق بطولة ذات طابع تجاري ضخم، تفتح أبواباً جديدة للإيرادات، وتكرس هيمنة «فيفا» على الرزنامة الدولية، حتى في عالم الأندية الذي تهيمن عليه اتحادات قارية مثل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا».

هدف

ولتحقيق هذا الهدف، اختار «فيفا» الولايات المتحدة الأمريكية كمنصة أولى لانطلاقة البطولة بحلتها الجديدة في الصيف الجاري، مدفوعاً بإدراكه لحجم السوق الأمريكي من حيث الإمكانيات المالية والبنية التحتية والاهتمام المتزايد بكرة القدم.. فالولايات المتحدة تملك ملاعب حديثة، وقواعد جماهيرية ضخمة للرياضات الكبرى، وقد نجحت في استقطاب أسماء لامعة إلى دوريها المحلي في السنوات الأخيرة، وعلى رأسها بالطبع النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي يلعب حالياً لنادي أنتر ميامي الأمريكي، كما أن البطولة تأتي كمقدمة استراتيجية لكأس العالم 2026، ما يجعل منها اختباراً تنظيمياً مبكراً وفعالاً.

ورغم هذه الحسابات الدقيقة، جاءت بعض المؤشرات الأولية لتبعث القلق لدى المنظمين، بعدما بدا واضحاً تفاوت الحضور الجماهيري من مباراة لأخرى، في حين جذبت مباراة باريس سان جيرمان وأتلتيكو مدريد أكثر من 80 ألف متفرج في ملعب روز بول، وهو رقم يعكس شغفاً بفرق بعينها، حضرت خيبة الأمل في مباريات أخرى، مثل لقاء تشيلسي ولوس أنجلوس أف سي، الذي لم يشهد سوى 22 ألف متفرج في ملعب يتسع لثلاثة أضعاف هذا العدد، هذا التباين أثار تساؤلات جوهرية حول مدى ترسخ هوية البطولة الجديدة في الوعي الجماهيري الأمريكي، وهل تكفي الأسماء اللامعة والجوائز المالية وحدها لجذب الحضور في بيئة رياضية معقدة مثل الولايات المتحدة، حيث تتزاحم الفعاليات على اهتمام الجمهور.

نتائج

الفارق هنا لا يتعلق فقط بالنتائج أو الأداء الفني، بل يرتبط بمدى استجابة الثقافة الرياضية الأمريكية لهذا النمط الجديد من البطولات، وهو ما يجعل التجربة الحالية أشبه بـ«اختبار صبر» لـ«فيفا»، الذي يسعى إلى زراعة بطولة جديدة في تربة لا تزال تتشكل كروياً.

ورغم اضطرار «فيفا» إلى خفض أسعار التذاكر في بعض المباريات إلى أقل من سدس قيمتها الأصلية، بل تقديمها مجاناً في حالات أخرى لضمان امتلاء نسبي للمدرجات، فإن الاتحاد الدولي لا يبدو منشغلاً كثيراً بالأرقام الأولية، بل يعد هذه النسخة من البطولة تجربة تنظيمية واسعة النطاق، أو ما يمكن تسميته بـ«بروفة شاملة» قبل عام واحد فقط من انطلاق كأس العالم 2026، التي تستضيفها الولايات المتحدة إلى جانب كندا والمكسيك، وسط توقعات بحضور جماهيري ضخم يتجاوز كل النسخ السابقة.

ويعي مسؤولو «فيفا» أن التحدي في السوق الأمريكي لا يكمن في جودة الملاعب أو البنية التحتية، بل في بناء علاقة طويلة المدى بين الجمهور المحلي وكرة القدم على مستوى الأندية العالمية، وهي علاقة لم تتجذر بعد، فالجمهور الأمريكي لا يزال يتعامل مع اللعبة بمنطق «الحدث» وليس «البطولة»؛ يتفاعل مع اسم لامع مثل ميسي أو رونالدو، أو مع مباراة استعراضية لفريق أوروبي شهير، لكنه لم يطور بعد عادة التفاعل مع بطولات تمتد على مدار شهر، وتقام بين أندية من قارات مختلفة.

رهان

من هنا، جاء رهان «فيفا» الكبير على المنصات الرقمية لتوسيع دائرة التفاعل، فبدلاً من الاكتفاء بالإعلانات التقليدية، ضخ الاتحاد الدولي مبالغ كبيرة وصلت لـ50 مليون دولار في حملات موجهة عبر «إنستغرام» و«تيك توك» و«يوتيوب»، مستخدماً عشرات المؤثرين للترويج للبطولة بأسلوب عصري يستهدف فئة الشباب، ويعد هذا التوجه جزءاً من استراتيجية طويلة الأمد يسعى من خلالها «فيفا» إلى بناء قاعدة جماهيرية جديدة للبطولات العالمية في السوق الأمريكي، عبر مخاطبة الأجيال الرقمية بلغة المحتوى السريع والتفاعل اللحظي، بما يواكب أساليب الترويج الحديثة، ويعزز الحضور الذهني للبطولة على مدار أيامها، حتى في ظل التحديات الجماهيرية التي تواجهها داخل الملاعب.

ومع مرور منافسات البطولة، يراقب الاتحاد الدولي بدقة تفاعل الجمهور مع مباريات الأدوار الإقصائية، حيث يعتقد إنفانتينو بأن الجاذبية ستزداد تدريجياً مع اشتداد المنافسة، وظهور مواجهات كبرى بين عمالقة القارات.. لكن نجاح التجربة لا يقاس فقط بعدد الحضور، بل بمدى قدرة «فيفا» على ترسيخ البطولة في الوعي الجماهيري الأمريكي، وإقناع الرعاة بأن هذه المسابقة تملك مستقبلاً واعداً على المدى الطويل، وليست فاصلاً تجريبياً قبل الحدث الأكبر في 2026، فإما أن تنجح البطولة في ترسيخ مكانتها كحدث كروي عالمي يحجز لنفسه موقعاً في الوعي الجماهيري الأمريكي، ويفتح أبواباً مستقبلية لاستضافات أخرى وتفاعلاً أوسع لبطولات مقبلة، أو تبقى تجربة فقط تذكر في سطور صغيرة من تقارير التنظيم، باعتبارها محاولة لم تكتمل في جذب جمهور جديد إلى عالم بطولات الأندية.