دوري أبطال «السوشيال ميديا».. كلاسيكو خارج المستطيل الأخضر

صراع جمهوري الريال وبرشلونة يشعل «السوشيال ميديا» |
صراع جمهوري الريال وبرشلونة يشعل «السوشيال ميديا» |

خلال السنوات الأخيرة أصبحت كرة القدم لا تحسم فقط في مباريات مدتها تسعين دقيقة، ولا يقاس نجاح الأندية بعدد الألقاب وحدها.. في زمن التحول الرقمي، باتت معركة «المتابعين» على مواقع التواصل الاجتماعي ساحة جديدة للتفوق، وأصبح عدد «اللايكات» يوازي أهمية الأهداف.. وفي هذا الميدان الجديد، يرفع شعار «من يملك الجماهير.. يملك القوة».

أصبحت الجماهير اليوم تتابع أنديتها المفضلة لحظة بلحظة، تلاحق كل تفاصيل النادي على «إكس» و«إنستغرام» و«فيسبوك» و«تيك توك» و«سناب شات» وحتى «يوتيوب».. تتابع التمارين، وتعلق على الصور، وتعيش الكواليس كما لو كانت جزءاً من الفريق.. وهكذا تحولت مواقع التواصل إلى ملعب مفتوح، تتنافس فيه الأندية على الأكثر شعبية.

حناجر الجماهير في المدرجات لم تعد وحدها قادرة على صناعة الهالة، بل صار الهاتف المحمول سلاح المشجع الجديد.. بكبسة زر يمكنه أن يسهم في رفع نادٍ إلى صدارة العالم الرقمي، أو يوجه له نقداً يهز كيانه. بات المشجع الرقمي شريكاً في النجاح، وصوته الرقمي أصبح يدوي أحياناً بقوة تفوق هتافات الجماهير في المدرجات.

وفي هذا الواقع الجديد، تحولت مواقع التواصل إلى منصات قياس شعبية، ومؤشرات أداء، ووسائل ضغط اقتصادي وسياسي في بعض الأحيان، فأصبح من الطبيعي أن ترى نادياً يحتفل بتجاوز عدد معين من المتابعين، مثلما يحتفل تماماً بالفوز في ديربي أو نهائي.

وفي عالم يتغير بسرعة الضوء، باتت الأندية مطالبة بخوض «مباريات» من نوع مختلف. الفوز في الدوري قد يجلب فرحة لجمهوره، لكن الفوز بتفاعل رقمي قد يضع النادي في مصاف العلامات التجارية العالمية. وهذا هو عصر «دوري أبطال السوشيال ميديا»، حيث اللقب يرفع في «ريلز» و«ستوري».. وليس كما هو معتاد في ويمبلي أو سانتياغو برنابيو.

في أحدث تقرير أصدره مرصد كرة القدم العالمي «CIES»، تصدر نادي ريال مدريد القائمة العالمية لأكثر الأندية متابعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بإجمالي بلغ 473.7 مليون متابع عبر المنصات الأربع الكبرى، وهي إنستغرام، فيسبوك، إكس، وتيك توك، مسجلاً بذلك زيادة بنسبة 11% مقارنة بعام 2024.

وكانت الوصافة من نصيب الغريم التقليدي برشلونة، بإجمالي بلغ 427.4 مليون متابع، بنسبة نمو وصلت إلى 12.3%، متقدماً على مانشستر يونايتد الذي حل ثالثاً بـ 233.6 مليوناً، يليه باريس سان جيرمان بـ 199.4 مليوناً، أما المركز الخامس فجاء من نصيب مانشستر سيتي بـ 179.5 مليون متابع، يليه يوفنتوس الإيطالي بـ 174.9 مليوناً، ثم ليفربول بـ 166.7 مليوناً.

واكتملت قائمة العشرة الأوائل بتشيلسي الذي حل ثامناً بـ 145.3 مليون متابع، ثم بايرن ميونيخ تاسعاً بـ 142.7 مليوناً، وأخيراً أرسنال في المركز العاشر بـ 109.6 ملايين.

وسجلت جميع الأندية العشرة الأوائل في الترتيب نسب نمو في متابعيها خلال عام واحد، كان أبرزها برشلونة وريال مدريد، بينما بلغت نسبة نمو مانشستر سيتي 8%، ويوفنتوس 5.9%، وليفربول 7.5%، مما يعكس تصاعد أهمية الحضور الرقمي للأندية الكبرى في مشهد كرة القدم العالمي.

وامتدت آثار هذه الأرقام إلى عالم التسويق والرعاية، إذ أصبحت الجماهير الرقمية اليوم عنصراً حاسماً في تعزيز القيمة التسويقية للأندية، ورفع عوائدها من عقود الرعاية وحقوق البث..

كما أضفت هذه الشعبية بعداً إضافياً عند التفاوض مع اللاعبين الكبار، حيث تسهم في جعل النادي أكثر جاذبية في سوق الانتقالات، وأقرب إلى خيارات النجوم الباحثين عن التأثير الجماهيري العالمي.

تفوق ريال مدريد لم يكن مفاجئاً، فالنادي الملكي يتقن فن صناعة المحتوى الذي يبقي الجماهير قريبة دائماً.. من نشر كواليس التدريبات، إلى جلسات التصوير المبهرة.

وصولاً إلى الرسائل الإنسانية التي يشاركها اللاعبون، يستخدم النادي كل تفصيله لصياغة رواية يومية جذابة.. وهذه الاستراتيجية ترسخ علاقة طويلة الأمد مع الجماهير، ما يجعل شعبيته في ازدياد مستمر رغم تغير الأسماء وتوالي الأجيال.

النصر يتصدر

على الجانب العربي، يعد نادي النصر السعودي المثال الأوضح على التأثير المباشر الذي يمكن أن يصنعه نجم عالمي على الحضور الرقمي لأي نادٍ.. فمنذ انضمام النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى صفوفه، شهد النصر طفرة هائلة في عدد متابعيه على مواقع التواصل، حيث قفز الرقم إلى 62 مليون متابع، بعدما كان بعيداً عن صدارة المشهد العربي رقمياً..

ووضع هذا الارتفاع اللافت النصر في مقدمة الأندية العربية من حيث عدد المتابعين، متفوقاً على الأهلي المصري الذي يحتل المركز الثاني بـ 57.7 مليون متابع، ثم الهلال السعودي بـ 37.7 مليون، يليه الزمالك المصري بـ 25.9 مليون متابع على مختلف المنصات.

وتظهر هذه الأرقام أن الحضور الرقمي يرتبط بشكل مباشر بالقدرة على صناعة المحتوى وجذب الاهتمام العالمي، كما حدث مع النصر بعد صفقة رونالدو، التي حولت النادي إلى وجهة جماهيرية عالمية يتابعها الملايين حول العالم.

ولم يعد تأثير نجوم كرة القدم محصوراً داخل المستطيل الأخضر، بل تجاوز حدود الملعب ليشمل كل جوانب المشهد الرياضي والإعلامي.. ميسي، رونالدو، نيمار، هالاند، مبابي وغيرهم، باتوا عناصر محورية في صناعة الشعبية الرقمية للأندية التي يرتدون قمصانها..

فاللاعب اليوم أصبح منصة تسويق متنقلة تنقل معها الجماهير، والإعلانات، والاهتمام الإعلامي.. بمجرد انتقال نجم بحجم رونالدو أو ميسي إلى نادٍ جديد، يمتد تأثيره مباشرة إلى منصات التواصل، إذ تشهد حسابات الأندية الرسمية طفرة كبيرة في عدد المتابعين وأيضاً حسابات اللاعبين، وهو ما ينعكس تلقائياً على الحضور الرقمي للطرفين.

فعلى سبيل المثال، ارتفع عدد متابعي رونالدو على «إنستغرام» بمقدار 15 مليون متابع خلال أسبوع من إعلان انضمامه إلى النصر، بينما تضاعف عدد متابعي حسابات النصر من نحو 800 ألف إلى أكثر من 10 ملايين خلال أشهر قليلة، قبل أن يصل حالياً إلى 62 مليوناً..

وتعكس هذه الظاهرة معادلة جديدة في كرة القدم الحديثة، حيث بات اللاعب شريكاً تسويقياً بامتياز، وجزءاً لا يتجزأ من صناعة الشعبية الرقمية للأندية، فاليوم، قيمة اللاعب بخلاف أدائه الفني، تشمل مدى تأثيره الرقمي، وقدرته على جذب الاستثمارات، ورفع القيمة السوقية للنادي، وهو ما غيّر جذرياً من مفاهيم التعاقدات وصورة اللاعب في العصر الحديث.