انتشرت في المواسم الأخيرة ثقافة الـ«تيفو» وسط أندية المحترفين، بصورة لافتة، وأصبحت مسرحاً للتنافس والإبداع والابتكار، عبر تقديم «أفكار» رائعة، تجذب الأنظار، وتثير الحماس، وتأخذ قدراً كبيراً من التداول وسط الجماهير، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.
والـ«تيفو» تجسيد للوحة فنية بها الكثير من الإبداع، ويعود أصل الكلمة Tifosi، إلى اللغة الإيطالية، وتعني «أنصار»، وهي ظاهرة ارتبطت بجماهير «الألتراس»، والروابط والمجموعات المساندة للفرق، وتمددت لتشمل العديد من ملاعب كرة القدم حول العالم.
وانتظمت في ملاعب الإمارات قبل أكثر من عقدين، لكنها شهدت مؤخراً تطوراً كبيراً في الأفكار التي تطرحها الأندية، مع تميزها في العرض، مع إخضاع كل «تيفو» للرقابة والموافقة من رابطة دوري المحترفين والجهات المختصة، وفقاً للوائح التي تحكم الملاعب والمدرجات، تأكيداً على التنظيم الدقيق للعبة، دون إهمال أي جانب.
والسؤال الذي يطرح نفسه، من الذي يصنع «تيفوات» الأندية، وكيف ومتى يقوم بتنفيذها، ومن يتحمل تكلفتها المالية؟ حيث إن غالبية الجماهير يشاهدون فقط هذه اللوحات الإبداعية في المدرجات، سواء عند الحضور إلى الملعب، أو عبر القنوات الناقلة، بجانب الصور في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وللإجابة عن الأسئلة أعلاه، استفسر «البيان» في تحقيق خاص عن هذه الظاهرة المتطورة والمنتشرة، صُناع الـ «تيفوات»، وهم عشاق ومحبو الأندية في الروابط المختلفة، لمعرفة الإجابات من مصادرها.. فماذا قالوا عن الفكرة والصناعة والإخراج؟.
قرار جماعي
بداية، قال محمد راشد رئيس مجلس جماهير نادي شباب الأهلي دبي، إن الـ«تيفو»، يكون بقرار جماعي، حتى وإن كانت فكرة فردية، مبيناً أن مجلس الجماهير في ناديه يناقش الفكرة، ويبدي عليها الملاحظات، وبعد الاتفاق عليها يتم التنفيذ.
وأبان راشد: نتفق بدايةً على تحديد الهدف، وقبلها على المباراة التي نريد أن نقدم عبرها «تيفو»، لأنه لا يصلح مع جميع المباريات، على سبيل المثال، تكون هنالك مباراة في غاية الأهمية وجماهيرية أو مباراة نهائية، أو لدينا رسالة محددة نريد أن نرسلها.
وبعد مناقشة الفكرة التي أحياناً تكون نتاج تفكير جمعي، نطرحها على مجلس الإدارة، لأننا نعمل تحت مظلته، ونكمل العمل الذي يقوم به، وأحياناً يقدم المجلس الدعم المادي، خاصة أن التيفو يكون مكلفاً.
ويحتاج إلى مبلغ مالي كبير، لشراء الاحتياجات، وبعد أن نحصل على موافقة الإدارة، يخرج في المباراة المعنية بالشكل الذي يراه الجمهور، وقبل ذلك نشرك جماهير النادي التي توجد معنا في مواقع التواصل الاجتماعي و«الواتساب»، لإبداء الملاحظات، إن وجدت.
وأشار رئيس مجلس جماهير شباب الأهلي دبي، إلى أن صناعته تكون صعبة في البداية، ولكن بعد اكتساب الخبرة، تصبح المهمة سهلة، وأضاف: مثله مثل أي عمل، دائماً تكون هنالك صعوبات، وتدريجياً يصبح في غاية السهولة، خاصةً إذا كان هنالك إجماع واتفاق عليه.
قيمة وتأثير
أما محمد العطار عضو ألتراس الشارقة، أبان أن قرار الـ«تيفو» لا بد أن يأتي بشكل جماعي، حتى يكون ناجحاً، وذا قيمة مؤثرة، مبيناً أنهم قبل صناعته، يتناقشون حول الهدف منه، هل الهدف منه دعم الفريق بشكل جماعي، أم دعم المدرب، أم تقديم رسالة للمنافس؟.
وأضاف: أحياناً الـ«تيفو» يفرض نفسه ليواكب حدثاً محدداً، أو يكون رسالة لا بد منها، لكن في الغالب نضع عدة خيارات على طاولة النقاش، وبعد البحث وإبداء الملاحظات، نتفق على الفكرة وطريقة التنفيذ، لذلك الموضوع ليس سهلاً، كما يظن البعض.
وأشار عضو مجموعة ألتراس الشارقة، إلى أنهم يحرصون على إشراك محبي النادي في صناعته، ذاكراً أنهم يتناقشون عبر «جروبات» الواتساب الخاصة.
وقال: نحن مجموعة متقاربة في المدرج، ولدينا تواصل مستمر، وهذا التواصل يساعد في تنوع الأفكار، وتقديم الآراء الجيدة التي تسهم في جودة الأداء.
وحول الفترة الزمنية لصناعة الـ«تيفو»، قال محمد العطار: أحياناً نبدأ في العمل قبل أسبوع من المباراة، لا يوجد فترة زمنية ثابتة، المهم بالنسبة لنا قوته، لذلك نحن لا نصنعه في كل المباريات، إنما نجعله مرتبطاً مع الأحداث فقط، حتى يأخذ قيمته، ويحقق النجاح وسط الجماهير.
أفكار مختلفة
فيما قال سعيد الشامسي رئيس رابطة مشجعي الجزيرة، إن عدة أشخاص يشاركون في الـ«تيفو»، عبر آراء وأفكار مختلفة، يتم الاتفاق على واحدة منها، ثم يدخل بعدها مرحلة التنفيذ، مبيناً أن صناعته تتم حسب المناسبة.
وقال: التيفو لا يصلح في كل المباريات، ويكون لديه هدف محدد، في مباراة ذات أهمية، نضمن فيها الحضور الجماهيري، لأنه يتطلب حضوراً كبيراً، بعض المواجهات يكون فيها الحضور ضعيفاً، وبالتالي، لا تتناسب مع التيفو.
وأبان الشامسي أن هنالك العديد من الأشياء التي تتم مراعاتها في صناعة أي تيفو، مثل حجم الكلمة، ومساحة الصورة، وطول وعرض التيفو، ذاكراً أنهم يقومون بالتصميم على المدرج الخاص بجماهير الجزيرة، ويبذلون عليه الكثير من الجهد قبل أن يرى النور.
وأشار الشامسي إلى أن الـ«تيفو» في بعض المرات، يتطلب موافقة الإدارة قبل البدء في عملية التنفيذ، مبيناً أن التيفو إذا كان يحفز لاعباً أو مدرباً أو الفريق، يكون هنالك شخص على تواصل مع الإدارة، يقوم بدور التنسيق لأخذ الموافقة عليه، وأثنى الشامسي على إدارة نادي الجزيرة، وقال:
في سنوات سابقة، كنا نتكفل بكل المنصرفات، ولكن الإدارة الحالية غير مقصرة نهائياً، وتقدم لنا الدعم المالي، وتشجعنا على أي عمل إيجابي يخدم مصلحة النادي، وتتكفل الآن بكل منصرفات الصناعة، وكل متطلبات الوقوف خلف الفريق.
موقع خاص
من جانبه، قال معاذ بوغيث منسق جماهير نادي الوصل، إن الـ«تيفو» يتم بواسطة مجموعة من جماهير الألتراس، والتي خصصت لها الإدارة موقعاً خاصاً داخل النادي، تقوم فيه بهذا العمل الكبير.
وأضاف: تيفوات الوصل تختلف عن بقية الأندية، في كونها «صناعة يدوية»، لأن الكثير من الأندية تلجأ إلى شركات منفذة، أما في الوصل هنالك 6 أو 7 من محبي النادي يقومون بصناعته يدوياً، ويبذلون عليه جهداً كبيراً، يبدأ من الفجر ويستمر إلى أيام، بخلاف الأيام التي تتم فيها مناقشة الفكرة وتعديلها، قبل الاتفاق عليها بشكل نهائي.
وأضاف: المجموعة المنفذة لديها تصريح بالدخول للنادي، وبعد أن تفرغ من مهمتها، يتم أخذ الموافقة عليه من قبل رابطة دوري المحترفين والجهات المختصة.
وبعد ذلك ينتقلون إلى المدرج قبل يوم أو يومين من موعد المباراة، وباتفاق مع الجهات المختصة، يتم عمل بروفة، يسبقها تدقيق وتفتيش من الجهة المسؤولة عن تأمين الاستاد، وكلها خطوات مهمة، يلتزم بها نادي الوصل.
وأشار معاذ بوغيث إلى أن المجموعة المسؤولة عن الـ «تيفو» وليس المنفذون فقط، تتكفل بالمنصرفات المادية، وإحضار كل المعدات، من حر مالهم، ذاكراً أن المجموعة أيضاً تجتهد في مصادر دخلها، ببيع بعض الأغراض التي يصنعونها عبر الموقع الرسمي للألتراس الذي يشرفون عليه.
مرتبط بالأحداث
بدوره، قال جابر النقبي عضو مجموعة «الموج الأزرق» الداعمة لنادي النصر، إن فكرة التيفو ترتبط دائماً بحدث أو مناسبة مهمة، ذاكراً أن كل «تيفو» يكون له هدف محدد، حسب نوع وأهمية المباراة. وأضاف: عندما نتفق على وجوده في مباراة محددة، نجلس نحن مجموعة من الشباب، ونطرح الأفكار.
ونتناقش ونشرك معنا كل محب للنادي في المشروع، حتى نصل إلى أفضل فكرة تستحق التنفيذ، بعد الكثير من التدقيق، أحياناً صناعة الـ«تيفو» تستغرق أسبوعين، حتى نقدم تجربة جديدة غير مستنسخة، وهذا جعل جميع «تيفوات» النصر خاصة بنادينا، ومميزة عن غيرها، حتى إن نادي النصر السعودي مؤخراً قام بتقليدنا.
وأشار النقبي إلى أن الـ«تيفو» لا بد أن يحمل مضموناً مهماً، ورسالة تحقق أهدافها، وقال: أذكر في الموسم الماضي، صنعنا تيفو عليه رسم «شارلوك هولمز»، المحقق الشهير في الروايات، والذي يقوم بحل الألغاز، وأردنا من خلاله أن نطرح سؤالاً عن الشخص الذي سيحل لغز نادي النصر، المتمثل في غيابه الطويل عن البطولات.
وتحديداً منذ موسم 1985 - 1986، كما يحل شارلوك هولمز الألغاز، لذلك مضمون الفكرة مهم للغاية، حتى يكون مؤثراً، ويحقق الهدف المطلوب من صناعته، ومن أجل التميز، لا بد أن تكون فكرته جديدة في الساحة، وغير مكررة، لأن المكرر لا يتم تداوله، ولا يكون له تأثيره، وبالتالي يفقد قيمته.



