جمهور سان جيرمان.. «أغلى حلم» يتبخر في لهيب السوق السوداء

أسعار التذاكر تحبط جمهور سان جيرمان
أسعار التذاكر تحبط جمهور سان جيرمان

في شوارع باريس لا تنطفئ أضواء الفرح منذ أن أطلق الحكم صافرة النهاية، معلناً عبور باريس سان جيرمان إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، بعد التفوق على أرسنال في نصف النهائي، حيث فاز ذهاباً 1 - 0 في لندن، ثم كرر انتصاره إياباً على أرضه 2 - 1، كانت ليلة استثنائية بكل المقاييس، أعادت للجماهير آمالها القديمة بأن تصبح الكأس الأوروبية أخيراً في متناول اليد، فالنهائي المرتقب سيقام في ملعب أليانز أرينا بمدينة ميونيخ الألمانية، في 31 مايو الجاري، لكن بينما كان اللاعبون والمدرب والإدارة يحتفلون وجد الآلاف من جماهير النادي أنفسهم في سباق جديد أكثر تعقيداً من أي مباراة.. سباق التذاكر.

الحلم الذي يفترض أن يكون ملكاً للجميع صار فجأة متاحاً لمن يدفع فقط، فالاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا» خصص 18 ألف تذكرة لكل فريق، لكن الأعداد لم تكن هي المفاجأة بل الأسعار.

في السوق الرسمية طرح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تذاكر تبدأ أسعارها من 70 يورو، وجرى توزيعها بنظام القرعة بين الجماهير المهتمة، أما التذاكر المخصصة من قِبل نادي باريس سان جيرمان فقد خصصت لأصحاب الاشتراكات السنوية، وللمشجعين الذين حضروا ما لا يقل عن 65 % من مباريات الموسم، وفق نظام أولوية، يعتمد على مدى الالتزام والولاء، لكن في السوق الموازية تحولت التذاكر إلى سلعة للمزايدة، وصار الأمل مرهوناً بمن يدفع أكثر، حيث قفز سعر التذكرة الواحدة إلى أكثر من 3,200 يورو خلال ساعات قليلة، وهو رقم يُشبه ضربة جزاء في الدقيقة 90 على جمهور الطبقة المتوسطة.

منذ اللحظة التي أعلن فيها باريس سان جيرمان عن نظامه الخاص لبيع التذاكر على ثلاث مراحل متتالية، بدأت حالة الترقب والقلق بين الجماهير، في محاولة لتكريم الأكثر التزاماً ودعماً للفريق، وهي قاعدة تبدو عادلة من الناحية النظرية، لكنها لم تكن كافية لحماية الجماهير من فوضى السوق، فحتى من يستحق التذكرة قد يجد نفسه في مواجهة من يراها فرصة للربح لا للحضور.

في أحد المنتديات الباريسية الخاصة بالجماهير كتب أحدهم منشوراً موجعاً: «حضرت 18 مباراة هذا الموسم، لكن لا أستطيع دفع 3000 يورو، هل أخبر ابني أنني لم أتمكن من شراء الحلم؟». ربما السؤال الأهم الآن ليس عن التشكيل أو خطة المدرب في النهائي المرتقب، بل عن الحق البسيط في أن يكون المشجع جزءاً من الحكاية.

كرة القدم التي لطالما عرفت بلعبة الفقراء، تغيّر وجهها؛ في نهائي دوري الأبطال، لا أحد يسأل كم مرة هتفت للنادي أو كم حفظت من تاريخه، ما يهم هو ما تحمله بطاقتك البنكية، وهكذا يُباع الحلم كونه سلعة، ويُنظر إلى المشجع كونه زبوناً لا محباً حقيقياً.

حتى في السفر لم يكن الوضع أفضل. حزم البعض حقائبهم قبل أشهر، ظناً أن التخطيط المبكر سيوفر عليهم التكاليف، لكن أسعار الطيران والقطارات ارتفعت بطريقة جنونية، وفي بعض الحالات تجاوزت 800 يورو للرحلة الواحدة، ومع كل التعقيدات لا تزال الآلاف تسعى للبحث عن موقع لها داخل الحكاية، ولو من الصفوف البعيدة.

المفارقة أن كثيراً من الجماهير فضل قيادة السيارة لمسافة 840 كيلومتراً على دفع ثمن تذكرة طيران باهظة، فيما اختار «تجمع الألتراس» السفر بالحافلات، متحدّين غلاء الفنادق وتكاليف النقل، في رسالة واضحة «الانتماء لا يقاس بالأموال».

ويعد هذا النهائي امتحاناً لمعنى الانتماء في زمن تغيرت فيه ملامح اللعبة، كرة القدم اليوم باتت صناعة ضخمة، ونهائي الأبطال أصبح امتيازاً لأصحاب القدرة، بينما يقف المحبون الحقيقيون خلف الشاشات، يكتفون بالمشاهدة والهتاف وشيء من الحسرة، ويحلمون فقط بأن يكونوا هناك، وفي خضم هذا الاضطراب من الأسعار والفوضى تظل هناك صورة نقية لا تشوبها الحسابات.

مشجع يقف على رصيف محطة القطار في باريس يلف علم النادي حول كتفيه، وتذكرة سفر في يده، قد لا تكون في جيبه تذكرة للدخول، وربما لا تسنح له فرصة رؤية الملعب من الداخل، لكنه اختار أن يكون قريباً من الحلم.. قدر استطاعته.