ممارسة الرياضة في المجتمعات العربية.. ثقافة غائبة (2 - 2)

النشاط البدني يخفّض «الفاتورة الطبية» 50 %

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتجاوز فوائد ممارسة الرياضة والنشاط البدني حدود الصحة الجسدية والعقلية، لتشمل المجتمع والبيئة والاقتصاد.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن التكلفة الاقتصادية للخمول البدني باهظة جداً، إذ تصل تكلفة علاج الحالات الجديدة من الأمراض غير السارية التي يمكن الوقاية منها بممارسة الرياضة والنشاط البدني إلى ما يقرب من 300 مليار دولار بحلول سنة 2030؛ ما يعادل 27 ملياراً سنوياً، في ظل التكلفة الباهظة لفاتورة العلاج والرعاية الطبية من هذه الأمراض.

ويرى العديد من الخبراء والمختصين أن الرياضة والنشاط البدني المنتظم أقصر الطرائق لخفض «الفاتورة الطبية» على مستويات عدة؛ كونها الطريقة الأمثل للوقاية من الأمراض غير السارية، مثل: القلبية الوعائية، والسكري، والسرطان، والسمنة، وحالات الصحة النفسية، ويمكن أن تصل نسبة التوفير إلى 50% في الميزانيات المخصصة لعلاج ومتابعة المصابين بهذه الأمراض.

وحذرت منظمة الصحة العالمية في تقرير عن النشاط البدني 2022 من أن ما يقرب من 500 مليون شخص سيصابون بأمراض القلب والسمنة والسكري أو غيرها من الأمراض غير المعدية التي تُعزى إلى الخمول البدني، بين سنتي 2020 و2030، إذا لم تتخذ الحكومات في جميع أنحاء العالم إجراءات عاجلة لترويج فوائد التمارين الرياضية، إذ لا تزال أمراض القلب السبب الرئيس للوفاة على الصعيد العالمي، وتشكل 16% من مجموع الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب

وارتفعت الوفيات الناجمة عن مرض السكري بنسبة 70% على الصعيد العالمي بين سنتي 2000 و2019، مع زيادة بنسبة 80% من الوفيات بين الذكور.

وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى زيادة الوفيات الناجمة عن مرض السكري في منطقة الشرق الأوسط بأكثر من الضعف وهي تمثل أكبر نسبة مئوية من الزيادة في جميع أقاليم منظمة الصحة العالمية.

كما تعد السمنة واحدة من أكثر مشكلات الصحة في الوطن العربي، إذ تسجّل معدلات مرتفعة للغاية، مقارنة بالنسب العالمية، ولا سيما في الدول الخليجية، كما تشهد المنطقة زيادة مرتفعة في هذه المعدلات على مر الزمن.

ووفقاً لتقديرات سوء التغذية بين الأطفال ما دون الخامسة، والصادرة في مارس من سنة 2019 عن منظمة الصحة العالمية و«يونيسيف» والبنك الدولي، نجد أن نسبة زيادة الوزن في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا ارتفعت من 7.9% في سنة 1990 إلى 11.2%، أي بمعدل نمو تجاوز 40%، في حين كانت النسب العالمية المقابلة هي 4.8 و5.9 على التوالي، بمعدل نمو يقترب من 23%.

وإلى جانب السمنة يعد داء السكري من أكثر الأمراض انتشاراً في الوطن العربي ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة الاتحاد الدولي للسكري (IDF) في نسخته العاشرة لـ2022 يوجد في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا أعلى معدل انتشار إقليمي بنسبة 16.2٪، كما تضم ثاني أعلى زيادة متوقعة (86٪) في عدد المصابين بمرض السكري، الذي من المقدر أن يبلغ 136 مليوناً بحلول سنة 2045.

وأشار التقرير إلى أن مجموع المصابين بمرض السكري الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و79 عاماً يبلغ أكثر من 32.6 مليون شخص في 18 دولة عربية.

وتحتل مصر المركز الأول من بين الدول العربية بنسبة تصل إلى %20.9 ومجمل عدد يبلغ 10.9 ملايين شخص في سنة 2021، والسعودية ثانياً على الصعيد العربي بنسبة وصلت إلى %18.7 ومجمل 4.3 ملايين شخص، ثم السودان بنسبة %18.9 ومجموع 3.5 ملايين شخص والمغرب 2.5 مليون شخص والجزائر 2 مليون شخص ومثلها العراق.

هاشل الطنيجي: الرياضة نصف العلاج

أكد الدكتور هاشل الطنيجي استشاري طب رياضي وعلوم رياضية، رئيس لجنة الطب الرياضي، في اللجنة الأولمبية الوطنية الإماراتية، أن النشاط البدني له تأثير إيجابي في حياة الإنسان، إذ أثبتت الدراسات العلمية أن الأشخاص الذين يمارسون الرياضة من 30 إلى 60 دقيقة يومياً تصل نسبة وقايتهم من الأمراض غير السارية إلى 50% من دون اللجوء إلى الأدوية.

وقال: تساعد ممارسة الرياضة بين 30 و60 دقيقة يومياً مدة خمسة أيام في الأسبوع على خفض تكلفة علاج الأشخاص المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية بمتوسط قد يصل إلى 2500 دولار امريكي سنوياً مقارنة بالأشخاص الذين لا يمارسون أي نشاط بدني، كما يمكن خفض تكلفة علاج مرضى السكري بمتوسط قد يصل إلى 800 دولار أمريكي سنوياً.

وصرح الطنيجي أن العديد من شركات التأمين في العالم وخاصة في الدول الاسكندنافية انتبهت للمكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تحققها عبر تشجيع الأفراد على ممارسة الرياضة.

ولذلك قامت بربط نظام التأمين بالنشاط البدني وتابع قائلاً: يتم تخصيص «باركود» للشخص المعني لمتابعة نشاطه الرياضي ويحصل على امتياز نظير ذلك من شركات التأمين، ما يؤكد دور الرياضة في خفض تكلفة العلاج وبذلك يمكن أن توفر حكومات الدول ميزانيات طائلة من بوابة الرياضة. 

فرحات فضلون: ممارسة الرياضة تؤخر الأمراض الوراثية

أكد الدكتور فرحات فضلون أخصائي الطب الرياضي أن ممارسة الرياضة والنشاط البدني بانتظام تخفض «الفاتورة الطبية»، وتقلل مخاطر الإصابة من الأمراض غير السارية بنسبة يمكن أن تصل إلى 50 %، وتؤخر «استفاقة» بعض الأمراض الوراثية.

وبذلك خفض عدد الوفيات وفقاً للعديد من البحوث والدراسات العلمية في هذا المجال، مشيراً إلى أن أهمية الرياضة على صحة الإنسان تبرز كذلك على مستويات أخرى عدة مثل خفض الجرعات الدوائية للمصابين.

وقال: بعض الأمراض الوراثية تورث من الآباء أو الأمهات أو من كليهما، والبعض الآخر يحدث بسبب حدوث طفرة جينية مكتسبة بشكل عشوائي أو بسبب العوامل البيئية، ويمكن أن تتأخر استفاقة بعض من هذه الأمراض لدى الشخص، الذي يحافظ على ممارسة الرياضة والنشاط البدني باستمرار. 

دبي نموذج متفرّد.. 1000 فعالية رياضية لمجتمع متميز

تعدّ دبي مدينة رياضية متميزة، ونموذجاً متفرداً عربياً وعالمياً في الاهتمام بالرياضة المجتمعية ونشر ثقافة ممارسة الرياضة والنشاط البدني، إذ يحرص مجلس دبي الرياضي على جعل الرياضة أسلوب حياة لتحقيق رؤيته التي ترتكز على خلق مجتمع رياضي متميز ومنتج وتوفير بيئة رياضية عصرية ملائمة لصحة المجتمع وسعادته.

وتضمنت استراتيجية دبي للرياضة 2023-2033 التي اعتمدها مجلس دبي الرياضي في فبراير الماضي، خطة لزيادة عدد الفعاليات الرياضية من 500 إلى 1000 فعالية سنوياً، بهدف تعزيز دور القطاع الرياضي في تحقيق رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وخطة دبي الاقتصادية D33.

وتعزيز جهوزية دبي لريادة المستقبل، ومواصلة مسيرة النجاح والتميز والإنجازات في جميع المجالات.

وفي مقدمتها جودة الحياة والاقتصاد المستدام وجاذبية دبي حاضنة للمواهب والمشروعات وملتقى العالم، والاستفادة من قوة تأثير الرياضة في القضايا المجتمعية، وتحسين صحة الفرد ونشاطه، وتعزيز التعاون بين مكونات المجتمع، وزيادة أعداد المشاركين في الفعاليات المجتمعية والتنافسية.

ومن بين الأهداف التي يعمل مجلس دبي الرياضي على تحقيقها على المدى المتوسط والبعيد بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة تقليل الفاتورة الدوائية للعلاج من الأمراض غير السارية مثل الأمراض القلبية الوعائية والسكري والسمنة وخاصة أن المجتمع الخليجي يعد من أكثر المجتمعات في العالم الذي ينتشر فيه مرض السكري وارتفاع الكوليسترول في الدم نتيجة للجينات الوراثية وقلة النشاط الرياضي.

وتطورت نسبة ممارسة النشاط البدني في دبي في السنوات الأخيرة بشكل يعكس الاهتمام الحكومي بالرياضة ونشر الوعي بممارستها بين أفراد المجتمع كافة، فتطورت هذه النسبة من 34.6% في سنة 2009 إلى 36.5% في سنة 2012 قبل أن تقفز إلى 41,5 في سنة 2014.

ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى أكثر من 45% بفضل ما تسجله دبي من زيادة مستمرة في عدد الفعاليات الرياضية المقامة على مدار العام.

إضافة إلى إطلاق العديد من المبادرات مثل تحدي دبي للياقة 30 دقيقة*30 دقيقة والذي حقق في نسخته السادسة 2022 نجاحاً لافتاً باستقطاب رقم قياسي من المشاركين بلغ 2,212,246 شخصاً من مختلف الأعمار وقدرات اللياقة البدنية من مواطنين ومقيمين.

وكذلك الزوار الذين حرصوا على المشاركة في تحقيق أهداف التحدي وجعلوا من دبي واحدة من أكثر مدن العالم نشاطاً على مدار ثلاثين يوماً متصلة.

قاسم إبراهيم المعيدي: الصحة واللياقة.. فوائد عدة على اقتصاد الدول

أكد الدكتور السعودي قاسم إبراهيم المعيدي، عضو لجنة التطوير بالاتحاد الدولي للطب الرياضي سابقاً، أن فوائد الرياضة على صحة الفرد لا تحصى ولا تعد، فهي إلى جانب الحفاظ على الصحة الجسدية وتحسين اللياقة البدنية، تقلل أخطار الإصابة بالاكتئاب بنسبة كبيرة، ويتناقص الخطر أكثر مع كل نشاط أسبوعي إضافي.

كما أن لها فوائد عدة على المجتمع واقتصادات الدول، وقال: ممارسة النشاط البدني تمنع العديد من الأمراض والأخطار الصحية مثل أمراض القلب وضغط الدم والسكري والمفاصل، ويحصل الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بشكل منتظم على حياة أفضل وفي سعادة وبعيداً عن الضغوط النفسية.

وأشار المعيدي إلى أن المملكة العربية السعودية منحت الرياضة أولوية كبيرة في «رؤية السعودية 2030» لتحسين جودة الحياة لزيادة مشاركة أفراد المجتمع في ممارسة الرياضة والنشاط البدني بهدف الحد من الأمراض المزمنة التي لها العديد من التداعيات السلبية على الصحة العامة والاقتصاد.

مشيراً إلى أن الرعاية الطبية وعلاج الأمراض المزمنة يكلفان الحكومة السعودية عشرات المليارات سنوياً، وقال: قامت دول الخليج بدراسة أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الأمراض المزمنة لدى المواطنين والمقيمين وجاء نقص النشاط البدني وغياب نمط الحياة الصحي والنشط في مقدمتها، ما أدى إلى انتشار السمنة والسكري.

وكشفت بعض الدراسات عن أن عزوف أفراد المجتمع عن ممارسة الرياضة والنشاط البدني في منطقة الخليج يعود أساساً إلى عامل الطقس (الحار) وعدم توافر البنية التحتية وغياب الوعي بأهمية الرياضة في الحفاظ على الصحة.

وأضاف: يجب أن تكون الخطط على مستوى الدول العربية لتحفيز أفراد المجتمع لممارسة الرياضة من مختلف فئات المجتمع والأعمار من الأطفال إلى كبار السن، وقال: بدأت السعودية بالاهتمام بنشر الوعي وتطوير البنية التحتية الرياضية لتشجيع أفراد المجتمع على ممارسة الرياضة، فتم إنشاء مسارات للمشي داخل المراكز التجارية وخاصة في فترة الصيف.

وتابع: تهدف رؤية المملكة 2030 إلى الوصول إلى نسبة ممارسة تبلغ 40%، وذلك بتوعية المجتمع السعودي بأهمية الرياضة، وربطها بالصحة، وذلك بتوفير البيئة المناسبة، ليكون سلوكاً راسخاً بين جميع المواطنين في مجتمعهم الكبير وتغيير الأنماط السلبية والتشجيع على ممارسة الرياضة.

وحينما ننجح في زيادة الوعي بأهميتها سيحرص كل فرد على تخصيص الوقت الكافي للنشاط البدني، وأعتقد تخصيص من 30 إلى 45 دقيقة يومياً مدة 3 أيام في الأسبوع سيكون أمراً مفيداً جداً للصحة.

وشدد المعيدي على تكثيف الجهود بين المختصين والحكومات لتشجيع أفراد المجتمع على ممارسة الرياضة للحد من الأخطار الصحية الناتجة عن الخمول البدني ونقص الحركة، وتجنب هدر المال على علاج الأمراض المزمنة.

توصيات

01 تعزيز نمط الحياة الصحي ونشر الوعي بأهمية ممارسة الرياضة والنشاط البدني، وإدراج الرياضة المجتمعية ضمن المحاور الرئيسة للاستراتيجيات الوطنية لجودة الحياة في الدول العربية.

02 تطوير البنية التحتية الرياضية وإنشاء مدارس مجهزة بمرافق آمنة ومناسبة للعب، ما يتيح للأطفال قضاء أوقاتهم في ممارسة النشاط البدني.

03 تنظيم الفعاليات والبرامج الرياضية المجتمعية التي تستهدف مختلف شرائح المجتمع والأعمار والقدرات البدنية «الأصحاء وأصحاب الهمم وكبار السن».

04 تعزيز التعاون بين القطاعات المختلفة لتعزيز النشاط البدني.

05  تطوير الآليات المستخدمة في مراقبة مستويات النشاط البدني لدى السكان.

06 تكثيف البحوث العلمية في مجال علاقة النشاط البدني بالحفاظ على الصحة العامة، وأهميته في تعزيز صحة الحوامل والأطفال وكبار السن، وفي مجال فقدان الوزن وجرعات النشاط البدني المناسبة للعلاج السريري للمصابين بالأمراض غير السارية.

07 يتوجب على صناع القرار دمج سياسات النشاط البدني الموصى بها عالمياً في السياسات المحلية، مع الأخذ في الحسبان الأكثر ملاءمة والممكن تنفيذها وفقاً لاحتياجات هذه السياسات وخواصها.

08 ينبغي أن تشمل السياسات والخطط الوطنية للنشاط البدني استراتيجيات متعددة تهدف إلى دعم الفرد، وتهيئة بيئة مناسبة لممارسة الرياضة.

09 مراجعة نظام تخطيط المدن والسياسات البيئية على المستوى الوطني والمحلي، بما يكفل ممارسة المشي وركوب الدراجات الهوائية وغيرها من أشكال النشاط البدني بيسر وأمان، وتيسير الوصول إلى مقار العمل مشياً أو بواسطة الدراجات الهوائية.

10منح كبار السنّ الذين يمارسون الرياضة بشكل منتظم امتيازات إضافية ضمن الـتأمين الصحي مثل خفض تكلفة العلاج أو إشراكهم في رحلات سياحية.

اقرأ أيضاً:

الخمول البدني «قاتل صامت» 

 
Email